بمناسبة 8 مارس: قطار إصلاح أوضاع النساء مازال بعيدا عن محطة الوصول

خلد نساء المغرب، على غرار نساء مختلف بلدان المعمور، اليوم العالمي للمرأة، الذي يصادف هذه السنة حلول الذكرى الخامسة والعشرين لإعلان ومنهاج بيجين كمرحلة مفصلية للانطلاق في مسار النهوض بأوضاع المرأة، حيث تعهدت فيه الدول باعتماد كافة الإصلاحات سواء القانونية أو المؤسساتية لتمكين النساء من حقوقهن الإنسانية كاملة، السياسية منها، المدنية، الاجتماعية والثقافية، لكن تبين بعد مرور ربع قرن على انطلاق قطار هذا المسار، أن الكثير من العقبات لازالت تعترض طريقه، ولازال القلق يخيم على آفاق مستقبل الحقوق الإنسانية للنساء.
وقالت سميرة بيكردن، عضوة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، في اتصال أجرته معها بيان اليوم، على أن حلول ثامن مارس هذه السنة – كمناسبة تشكل تقييما لأوضاع النساء على مدى سنة، ولما حققنه من إنجازات، وما قامت به حكومات مختلف البلدان للارتقاء بأوضاعهن وتمكينهن من حقوقهن، والحد بل ومكافحة كافة الفوارق بين الجنسين، وإعمال المساواة الحقيقية – يتزامن هذه السنة مع الذكرى الخامسة والعشرين لإقرار إعلان ومنهاج بيجين، وتقييم مدى امتثال البلدان لمضامينه كخطة عالمية تؤطر بشكل فعلي مسار النهوض بأوضاع وحقوق المرأة، ومسار المساواة بشكل عام، سواء من حيث الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية والاستراتيجيات المتعلقة بالسياسات العمومية والتي ينبغي أن تعتمد أساسا لها مبدأ النوع الاجتماعي.
وبالنسبة لأوضاع النساء بالمغرب، أوضحت بيكردن أن المغرب، خلال عملية تنفيذ مضامين هذه الخطة التي تعهد بالالتزام بمحاورها، قد أحرز تقدما على مدى السنوات الماضية في مجال النهوض بحقوق النساء، وهو الأمر الذي جاء أيضا كمحصلة لعمل ترافعي كبير لجمعيات الحركة النسائية والحقوقية، حيث تم اعتماد دستور 2011 الذي عزز العديد من المكاسب الحقوقية لفائدة النساء بتنصيصه على سمو الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وتكريس أزيد من 18 مقتضى لفائدة المساواة بين الجنسين ومحاربة العنف والتمييز الممارس ضد النساء والفتيات.
واستطردت المتحدثة مشددة على أن هذا التقدم المحرز وما تلاه من إطلاق مسلسل الإصلاحات القانونية والمؤسساتية ووضع استراتيجيات وبرامج على هذا المستوى، على مدى الفترة الممتدة ما بين سنوات 2014-2019، حاصره “الطابع الشكلي” الذي اتسمت به هذه الخطوات، حيث بقيت مجرد “إعلان نوايا” قدمته الحكومة، لأن تلك الإصلاحات لم تتضمن جوابا شاملا وفعالا يضمن الطابع النافذ لحقوق المرأة ومحاربة العنف والتمييز الممارس بحقها.
من جهتها، اعتبرت فاطمة المغناوي، رئيسة مركز النجدة لمساعدة النساء ضحايا العنف، وعضوة المكتب الوطني لاتحاد العمل النسائي، في اتصال أجرته معها بيان اليوم، “أن المسار الذي خطاه المغرب للارتقاء بأوضاع النساء، والمجهود الذي بذله بشكل خاص على المستوى التشريعي، لم يكن له أثر فعلي على واقع النساء، خاصة ما يتعلق بالمساواة، وهذا الأمر يكشفه بشكل جلي التصنيف الذي وضع المغرب في الرتبة 139 من ضمن 145 دولة في العالم، فيما يتعلق بالفجوة في المساواة بين الجنسين”، وهو ما تضمنه آخر تقرير للمؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين الصادر سنة 2015.
وقالت فاطمة المغناوي، أحد وجوه الحركة النسائية في المغرب، بنبرة يعلوها الكثير من القلق، “المغرب احتل مرتبة متوارية في الخلف بالرغم من الجهود التي بذلها للقضاء على التمييز، لأن هذا الأخير لا زال يجثم على حقوق المغربيات ولم تتمكن مختلف التدابير والإجراءات من اجتثاثه”.
واستعرضت في هذا الصدد مختلف الخطوات التي اعتمدها المغرب في المجال التشريعي، انطلاقا من أسمى قانون ممثلا في دستور المملكة لسنة 2011، الذي نص في الفصل 19 على المساواة في الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وكذا تنصيصه على إحداث هيئة المناصفة ومكافحة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والتنصيص أيضا في ديباجة هذا القانون الأسمى (الدستور) على حظر التمييز ومكافحته بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي، فضلا عن التزامات المغرب الدولية من خلال تصديقه على عدد من الاتفاقيات الدولية وتعهده بالالتزام بمقتضياتها، وأساسا اتفاقية السيداو (أي اتفاقية مكافحة جميع أشكال التمييز ضد المرأة)، وأضافت أنه بالرغم من المجهودات التي بذلها المغرب أيضا على مستوى التشريع، من خلال بعض التعديلات الجزئية التي أدخلها مثلا على القانون الجنائي بتعديل المادة 475، حيث تم إلغاء الفقرة الثانية منه والتي كانت تنص على تزويج المغتصبة بمغتصبها، وبالرغم أيضا من إقرار القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الذي دخل حيز التنفيذ في شهر شتنبر الماضي، فإنه مع كل ذلك لازال التمييز “عصيا”.
وذكرت المتحدثة بمطالب اتحاد العمل النسائي، التي تدعو إلى مراجعة جذرية وعميقة وشاملة لمدونة الأسرة، من أجل وضع قانون أسري عصري وحديث يضمن الملاءمة مع الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ويأخذ بعين الاعتبار التغيرات العميقة التي شهدها المجتمع المغربي، بحيث يتضمن مقتضى يجرم تزويج الطفلات القاصرات، فضلا عن تغيير القانون الجنائي تغييرا عميقا بحيث يتم إقرار نص جديد يضمن عدالة جنائية للنساء ويضمن حمايتهن من العنف والتمييز، ويضمن لهن حريتهن، وخاصة فيما يرتبط بمسألة الإجهاض، بحيث تتاح لهن حرية التصرف في أجسادهن وتمكينهن من حقهن في الإيقاف الإرادي للحمل تحت إشراف طبي.
هذا فضلا عن المطالبة بوضع سياسة عمومية للنهوض عموما بأوضاع النساء ومحاربة العنف بكافة أشكاله، بحيث يتم التمكن من محاصرة هذه الظاهرة التي تنامت بشكل كبير، والتي تمس جميع الفئات العمرية للإناث، طفلات يافعات، شابات، مسنات… حيث يلاحظ وجود تسامح كبير مع مقترفي العنف ضد النساء.
وأضافت مغناوي أن اتحاد العمل النسائي مافتئ يشدد على أن الأمر يتطلب توفر إرادة حقيقية للقضاء على الظاهرة، وذلك لوضع حد لواقع التجاهل واعتماد إصلاح أوضاع النساء ومكافحة الظواهر المشينة التي تعترضهن بمسوغات ومرجعية مغرقة في المحافظة ومضادة للمرجعية الكونية في مجال الحقوق الإنسانية للنساء، ومهمشة لواقع التغيرات المجتمعية، وإلا فإن الآثار ستكون وخيمة ليس فقط على المرأة والمجتمع فحسب، بل على البلد برمته.

فنن العفاني

***

فاطمة أنفلوس.. شرسة في الدفاع عن قضايا المرأة والمهاجرين

«الهجرة إلى ألمانيا كانت بالنسبة لي قدرا، فتح لي آفاقا على عالم متنوع من الثقافات والأديان واللغات»، تجزم الكاتبة والشاعرة والباحثة فاطمة أنفلوس البوعناني التي نهلت من هذا التنوع فجادت بشعر يفيض نعومة، إلى جانب دفاعها بشراسة عن قضايا المرأة والمهاجرين من خلال عملها وتطوعها في مجال الهجرة والاندماج.
تستحضر فاطمة أنفلوس، ابنة منطقة سوس العالمة، بحنين في بوح لوكالة المغربي العربي للأنباء، طفولتها قائلة «ولدت في إحدى القرى بسوس جنوب المغرب حيث كنت أسابق الفراشات في الحقول، أختبئ خلف أشجار الزيتون. وأرسم وجه جدي على التراب في انتظار أن يعود من السوق الأسبوعي وقد أحضر لي معه ما لذ وطاب، كانت حياة القرية بسيطة وجميلة».
بعدها ستتوجه الطفلة البدوية رفقة أسرتها إلى «المدينة الوحش الدار البيضاء»، على حد قولها، ثم ستتنقل لاحقا بين مدينتي أكادير والرباط حيث ستسكشف الحياة وتتابع دراساتها العليا في كلية الآداب في جامعة ابن زهر بمدينة أكادير، حيث عانقت شغفها بالشعر والبلاغة، لتلتحق في ما بعد بجامعة محمد الخامس في الرباط حيث استهوتها ترجمة الشعر الفرنسي إلى اللغة العربية.
الهجرة إلى ألمانيا وبالتحديد إلى مدينة بون «غرب» كانت بالنسبة لأنفلوس بمثابة «ولادة ثانية»، حيث تلقت تكوينا مهنيا كمترجمة ومرشدة اجتماعية في مجال الهجرة والاندماج.
«الهجرة تبدو أحيانا كرغبة منا في تصحيح مسارات كونية لا نوافق عليها»، تقول فاطمة أنفلوس متسائلة «لكن هل نرنو تصحيحها على الصعيد الشخصي أم على الصعيد العام»، معترفة بأنها محظوظة بهذه التجربة التي فتحت لها آفاقا أرحب في الإبداع الأدبي من خلال التنوع الذي ترى أن البعض يسميه فوضى فيما تعتبره هي «مصدر ثراء ومعول لكسر التنميطات».
اختارت فاطمة أنفلوس العمل في مجال الهجرة والاندماج إيمانا منها بضرورة «الإسهام بجانب كفاءات أخرى لإنجاح إدماج لاجئين ومهاجرين يبحثون لهم عن موطئ قدم تحت شمس الحرية».
ويشمل عملها في هذا المجال شقا مهنيا لكونها حاصلة على دبلوم مترجمة ومرشدة اجتماعية وشقا تطوعيا يتمثل أحيانا كثيرة في «تقديم الدعم المعنوي لمن يحس نفسه تائها بين وطن ضائع وآخر يبدو كالسراب».
لكنها لا تخفي الإكراهات والتحديات التي ينطوي عليها عملها، مبرزة «مساهماتنا من خلال جمعيات المجتمع المدني تصطدم تارة بتصرفات طائشة من بعض اللاجئين والمهاجرين (كبعض حالات السرقة أو الاحتيال أو التحرش الجنسي)، وتارة أخرى بتعنت وتعصب القوى اليمينية في البلاد».
ولفتت فاطمة إلى أن تزايد ظاهرة اليمين المتطرف مؤخرا في ألمانيا يعد أمرا لا ينبغي الاستخفاف به، مضيفة أنه «مخيف جدا وحزين جدا. أليس حزينا أن يضرب عرض الحائط كل هذه المجهودات المبذولة منا جميعا – حكومة وأفرادا- من أجل وطن يؤمن بالاختلاف؟ أليس حزينا أن تنتصر الكراهية؟».
فاطمة أنفلوس، التي تشع حيوية ونشاطا في عملها المهني، تفيض أيضا نعومة وإحساسا عندما تلج بيت القصيد، قائلة «أغلـب الناس لا يحتاجون لعلاج نفسي، بل يحتاجون لصـديق يستطيعون أن يصبحوا معه حمقى دون أي تفكير»، كما يقول الشاعر الأمريكي «روبرت برولت». ولأن هذا الصديق ليس متوفرا دائما بالنسبة لفاطمة، فانها تلجأ للكتابة، معتبرة «وحدها الكتابة تسع كل تناقضاتي، فأنا ناعمة في الشعر وشرسة في كتاباتي النثرية وفي الدفاع عن القضايا الإنسانية».
فمن خلال عمودها الأسبوعي قلم رصاص (بكل من جريدة أخبار اليوم و المدائن بوست) تسلط الكاتبة المغربية، الضوء بكل جرأة على مواطن الخلل في العقلية العربية محاولة بذلك دق ناقوس الخطر لما وصل إليه الابتذال في الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية والتربوية والثقافية.
وتوضح أنفلوس التي فازت بالعديد من الجوائز في مجال الشعر والكتابة الصحفية والإلقاء «الكتابة كانت رفيقتي الأبدية منذ الطفولة. بها عبرت عن حزني وعن فرحي. أكتب النثر حين أريد أن أصرخ في وجه التخلف والرجعية. وأكتب الشعر حين تتسع الرؤية وتضيق العبارة».
ولفاطمة أنفلوس التي تنشر بالعديد من المنابر الثقافية منذ التسعينات من القرن الماضي، ديوان شعري تحت عنوان « قاب قوسين.. وأدنو» والذي جاء في تقديمه للشاعر والروائي جهاد أو حشيش، «جملتها السلسة الشائقة تجذبك لتتركك أسير الدهشة. فهي لا تغرقك في غموضها الذي تعوده أغلب شعراء قصيدة النثر ولكنها في الوقت ذاته تستوقفك لتقول لك «اخلع نعليك قبل أن تطأ أرضي واترك اعتيادك خلفك، لتكون جديرا بصلواتي».
فاطمة أنفلوس هي أيضا عضو في المركز الدولي للنساء في بون، حيث تنشط في مجال حقوق المرأة من خلال تنظيم ورشات ونقاشات في المغرب وألمانيا للدفاع عن المساواة بين الجنسين والتسامح ونبذ العنف والعنصرية من أجل عالم يعيش فيه الجميع بمختلف ألوانهم و أديانهم وأجناسهم باحترام ومحبة متبادلة.
وفي هذا الإطار، تؤكد أنفلوس أن الحديث عن وضعية المرأة المغربية داخل وخارج الوطن لا يمكن أن يكون له جدوى إلا بمقاربة موضوعية تضع الأهداف المرجوة تحت المجهر، لكن دون إبخاس الإنجازات الهامة التي حققها المغرب في مختلف المجالات التي تهم المرأة والأسرة.
وتضيف «هذه النظرة المتوازنة للأمور هي التي تحكم كل مبادراتي في مجال توعية المرأة سواء في المغرب أو ألمانيا».
مبادرات متنوعة ما بين الورشات الثقافية والندوات الفكرية والمقالات المنشورة في عدد من المنابر الإعلامية، تضبط إيقاع العمل اليومي لفاطمة أنفلوس، في انتظار مشاريع أخرى واعدة تمنحها دعما أكبر لمواصلة مسيرة التألق المهني والإبداع الأدبي.

فاطمة تيمجردين (و.م.ع)

***

خمسة أسئلة لـ فتيحة عبد الله *

المدخل للتمكين الاقتصادي المستدام للنساء هو التمكين التربوي والتعليمي

تحكي فتيحة عبد الله، رئيسة الشبكة الوطنية للقراءة والثقافة، لوكالة المغرب العربي للأنباء، تجربتها في عالم نشر القراءة والمعرفة في صفوف الناشئة، في سياق نضال متواصل من داخل المؤسسات التعليمية ومراكز إعادة الإدماج والتأهيل بمختلف المناطق والمدن المغربية.

< ما هي أساسيات النهوض بالقراءة والثقافة في الوقت الحالي؟
> ثمة دوائر مختلفة يتحدد من خلالها مستوى انتشار القراءة والثقافة كممارسة: الأسرة، المدرسة، المحيط الثقافي، الإعلام. بل إن الأمر قضية المجتمع عموما، بمؤسساته المختلفة، الرسمية، وغير الرسمية، بما فيها المجالس المنتخبة، والأحزاب، والنقابات، والجمعيات، والأندية النسوية، والأندية الرياضية، ودور الشباب. إن القراءة أم القضايا، وينبغي أن تكون في صلب كل تنمية بشرية حقيقية، تنطلق من بناء الإنسان الفاعل في التنمية والمستفيد منها.

< لماذا اخترتم مشروع الشبكة الوطنية للقراءة والثقافة؟
> اختيارنا للشبكة الوطنية للقراءة والثقافة كواجهة للعمل ينبع من الإيمان بأن المعرفة هي المدخل الحتمي لكل تنمية مأمولة.
إن القراءة بمفهومهما الشامل، بغض النظر عن وسائطها المختلفة، تصب في الثقافة في شقها المادي واللامادي، وتحفز على تطوير المعارف والعلوم والآداب والفنون.

< كيف ساهمت مبادرات الشبكة الوطنية للقراءة والثقافة في نشر الوعي الثقافي والتحفيز على القراءة في أوساط الشباب؟
> أطلقت الشبكة الوطنية للقراءة والثقافة مشاريعها، لتساهم في دينامية عامة بدأت تتبلور في العقود الأخيرة، ليس في المغرب فقط، بل في العالم كله، في ظل ما أتاحته وسائل التكنولوجيا الحديثة من انفتاح على العالم، وتدفق المعرفة، وإمكانيات دمقرطة الحقول المعرفية التي كانت حكرا على النخبة، وفي أطر وهياكل مؤسساتية وأكاديمية معقدة وغير متاحة للجميع.
يأتي مشروعنا ضمن المشاريع الحالمة بمجتمع قارئ، ومواطن فاعل قادر على مواكبة التحولات بوعي ومسؤولية، أداته في ذلك التثقيف الذاتي المستمر، والتكوين الدائم، والقدرة على التكيف السريع مع المستجدات التي خلقها الزمن التكنولوجي المعولم. ونعتقد، جازمين، أنه ليس كالتعلم اليومي، والقراءة المطردة أدوات أخرى للتطوير الذاتي.
لذلك رهاننا في الشبكة الوطنية للقراءة، إعادة الاعتبار للكتاب، والتحفيز على مصاحبته، وتشجيع الناشئة على القراءة المتنوعة والهادفة، واكتساب مهاراتها والوعي بأهميتها وجدواها في تحقيق الاندماج والنجاح في الزمن المعاصر، الذي لا مكان فيه للجهل، ولا للجمود، ولا للتقليد. إن المطلوب في هذا العصر هو التفوق المعرفي، والإبداع، والقدرة على التأقلم السريع، والانفتاح على كل جديد واستيعابه. والسلاح الوحيد لكل ذلك هو المعرفة والعلم والابتكار.
لذلك أطلقنا مشروع تنمية القراءة في المؤسسات التعليمية، والمؤسسات السجنية، ومكتبات القرب، والمخيمات، والحدائق والفضاءات العمومية، وعملنا مستمر في الواقع وفي الفضاء الأزرق، وقريبا في وسائل النقل…

< ما هي أبعاد وآثار حملات تنمية القراءة والإبداع التي تقومون بها في المؤسسات التعليمية ومراكز إعادة التأهيل والإدماج؟
> أبعاد هذا العمل القرائي المتنوع، تتمثل في تحسيس المواطنين وتحفيزهم على اكتشاف متعة وفائدة القراءة وتطوير الذات، واكتشاف قدرات العقل الإنساني غير المحدودة واستثمارها لجودة الحياة. وأثر عملنا، رغم محدوديته لمحدودية إمكانياتنا البشرية والمادية، بدأ يتبلور في هذه الصحوة القرائية في صفوف المستهدفين وهذه الرغبة في الانخراط في اكتساب عادات القراءة من طرف الأطفال والشباب، بل والكبار.
لقد أعدنا فتح شهيتهم للعودة للكتاب، رغم ما يشاع من عزوف. نصحح ونقول إنه ليس عزوفا، ولكنه تيه عن الكتاب لعدم التنشئة القرائية، وعدم التوجيه إليها في الصغر في البيت والمدرسة، وعدم خلق ظروف التثقيف الذاتي والتحفيز عليه.

< كيف تنظرون لعملية تربية وتعليم الفتاة في علاقة مع التمكين الاقتصادي للنساء؟
> المدخل للتمكين الاقتصادي الصحيح والمستدام للنساء هو التمكين التربوي والتعليمي أولا، وهما شرط لذلك التمكين الاقتصادي، فلا يمكن النجاح في أي مشروع اقتصادي إلا بسلاح العلم والمعرفة والخبرة الميدانية، لحل أي مشكل يعترض المشروع. ولذلك نعتقد أنه بدل إعطاء النساء المال لبداية مشاريعهن، ينبغي تعليمهن وتبصيرهن بعالم الاقتصاد والسوق ومفاتيح الولوج الآمن لهذا العالم الصاخب. إن الفتيات والنساء المغربيات اليوم أكثر حضورا وانخراطا وفعالية في كل المجالات، في التعليم، والقراءة، والثقافة، والبحث العلمي، وقد سجلن تفوقا لا يمكن إنكاره في كل المواقع والمجالات.

*رئيسة الشبكة الوطنية للقراءة والثقافة

***

العميد الممتاز منى العراقي .. العين الحارسة للأمن الوطني

بقفازاتها المطاطية، تناول العميد الممتاز، منى العراقي، رئيسة مصلحة حفظ وسائل الإثبات بولاية أمن طنجة، بعناية شديدة، مجموعة من العينات البيولوجية المتحصل عليها من مسرح إحدى الجرائم، في انتظار إرسالها إلى مختبرات المديرية العامة للأمن الوطني، قصد إخضاعها لتحليلات معمقة واستنطاق مكوناتها.
حرص العميد الممتاز منى العراقي في التعامل مع الأدلة الجنائية وحفظها في منأى عن كل تأثير أو ضياع، ينبع من الأهمية القصوى التي أولتها المديرية العامة للأمن الوطني للدليل الجنائي، في كشف ملابسات القضايا، التي يكتنف الغموض التحقيق في تفاصيلها، من أجل مساعدة العدالة على الوصول إلى الحقيقة.
وأبرزت العميد العراقي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، الأهمية القصوى لمصلحة حفظ وسائل الاثبات، لكون المديرية العامة وضعت تحت إمرة ضباط الشرطة القضائية مجموعة من الموارد البشرية والمادية اللازمة للتحري والتحقيق، من بينها الفرق التقنية لمسرح الجريمة، التي تقوم بالمعاينات من أجل استخلاص الأدلة والقرائن المفيدة في البحث.
على يسار الباب الحديدي لمصلحة الحفظ والاثبات بولاية أمن طنجة، يافطة بارزة تمنع دخول المصلحة على غير العاملين بها، فأهمية الدلائل الجنائية تقتضي جعلها في منأى عن كل تأثير قد يحرف مسار العدالة في استجلاء الحقيقة، كما تنتشر كاميرات المراقبة والخزانات المصفحة تماشيا مع المعايير الدولية المعتمدة.
وأضافت المتحدثة، التي انضمت إلى أسرة الأمن الوطني عام 2009 بعد مسار دراسي متميز توجته بالحصول على شهادة الدراسات المعمقة في الهندسة الحيوية، أن الأدلة التي نقوم بحفظها تكون على شكل بصمات أو بصمات جينية أو بيولوجية إلى جانب الأدلة الرقمية، وأحيانا بقايا الحريق لمعرفة مسببات ومسرعات اشتعال النيران.
وتابعت أن هذه الدلائل تخضع لتحليل دقيق من طرف تقنيين وخبراء متخصصين بالمختبرات التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني، بالرباط والدار البيضاء، يتوج بتحرير تقرير خبرة يسلم لضابط الشرطة القضائية، ومن ثمة إلى العدالة، من أجل تبرئة أو إدانة المشتبه فيه، مشيرة إلى أن هذا الإجراء يؤكد حرص المديرية العامة للأمن الوطني على احترام حقوق الإنسان في المغرب.
داخل القاعة المصفحة بمصلحة حفظ وسائل الإثبات، تمتد رفوف لعدة أمتار مقسمة حسب نوعية الدليل، إذ تتطلب القرائن والأدلة معاملة خاصة حسب طبيعتها المادية، والعوامل التي قد تؤدي إلى الإضرار بها أثناء حفظها أو نقلها إلى المختبرات قصد التحليل.
وأشارت إلى أن السيارة المخصصة لنقل الأدلة إلى المختبرات الوطنية للمديرية العامة للأمن الوطني، أي مختبر الشرطة التقنية بالرباط ومختبر الشرطة العلمية بالدار البيضاء، بدورها تتوفر على معايير خاصة تضمن عملية نقل الدليل في ظروف مثالية.
تماشيا مع أهمية الدليل الجنائي في كشف ملابسات القضايا، حرصت المديرية العامة للأمن الوطني على حصول مختبر الشرطة العلمية بالدار البيضاء على شهادة «إيزو 17025» من أحد مكاتب التصديق الأمريكية، وهي شهادة تثبت أن النتائج المحصل عليها في المختبر تتطابق والمعايير الدولية في مجال تحليل الأدلة الجنائية، كما توضح العميد الممتاز منى العراقي.
وتشير المتحدثة إلى أهمية العنصر النسوي في العمل اليومي للمديرية العامة للأمن الوطني، فالتعامل مع مسرح الجريمة الجامدة يتطلب مهارات تقنية مهمة، بينما التعامل مع مسرح الجريمة «الحي» يتطلب خصالا إنسانية رفيعة، موضحة أن مسرح الجريمة «الحي» يتمثل في الأشخاص الذين عاينوا أو كانوا ضحايا لحوادث، ومن بينها جرائم العنف ضد النساء.
من هذا المنطلق، عملت المديرية العامة على إحداث خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف ومواكبتهم خلال زيارتهم لمرافق الشرطة القضائية، والعمل على إصلاح ذات البين إن كان الحادث داخل العائلة، من منطلق الحفاظ على تماسك نواة المجتمع، أي الأسرة.
في هذا السياق، لم تخف منى العراقي اعتزازها كأم وامرأة بالعمل في المديرية العامة للأمن الوطني، موضحة أن المرأة تشتغل في هذه المهنة النبيلة «ندا للند» مع الرجل، لكن في جو من الاحترام والتضامن والتآزر، بل اكتسبت المرأة بجدارة واستحقاق مناصب المسؤولية داخل جهاز الأمن، سواء بالمصالح المركزية أو اللاممركزة، بفضل كفاءتها وتفانيها في العمل.

> هشام المساوي (و.م.ع)

Related posts

Top