خبراء: المدن المغربية العتيقة تشكل مصدر إلهام لمدن المستقبل

أجمع المشاركون في ندوة دولية حول المدينة في العالم الإسلامي، احتضنتها مؤخرا أكاديمية المملكة المغربية بالرباط، على أن المدن المغربية العتيقة، على غرار مدن فاس وتطوان وطنجة، تشكل مصدر إلهام حقيقي لمدن المستقبل التي تحترم البيئة.
وأبرزت المهندسة المعمارية، نائبة رئيس مؤسسة طنجة المدينة، هناء بكاري، في مداخلة لها بعنوان “فيما وراء الجدران، أي تأهيل؟”، في إطار الندوة الدولية التي تمحورت حول موضوع “المدينة في العالم الإسلامي، المنطلقات والتحولات”، أن قيم المدن العتيقة وغناها التراثي والمعماري يمكن أن يساهم بشكل كبير في تصميم وبناء مدن المستقبل وتحسين جودة العيش داخلها.
وأوضحت بكاري، في مداخلتها خلال ورشة الجغرافيا والتعمير والاقتصاد والهندسة المعمارية حول “المدينة الإسلامية: أبعاد جغرافية متعددة”، أن هذه المدن الإسلامية-العربية العتيقة، على غرار مدينة طنجة، تحمل إرثا تاريخيا هاما وتزخر بمقومات اجتماعية ومعمارية هائلة يمكن الاقتداء بها في الحفاظ على التراث وتعزيز النظام البيئي وكذا توطيد الروابط الإنسانية بين السكان.
كما أكدت المهندسة المعمارية على ضرورة اعتماد مقاربة الاستماع للساكنة وتسجيل شكاواها من أجل فهم أفضل لمنطق تطور الأحياء القديمة، مشيرة إلى أن الهدف الرئيسي يجب أن يتجلى في تحسين الظروف المعيشية والبيئية للسكان. واستشهدت المحاضرة، في هذا الصدد، بالمجهودات الكبيرة المبذولة على مستوى مدينة طنجة، والتي أعطت ثمارها من خلال تنفيذ مشاريع عملاقة على غرار “طنجة ميتروبول” وبرنامجها “مدينتي أجمل” وأخرى صغيرة، لكنها لا تقل أهمية، مثل برنامج “من حومة الشوك إلى حومة الورود”.
من جهتها، سلطت الأستاذة الجامعية نعيمة لهبيل تجمعتي، خلال مداخلتها بعنوان “حرفيو بيئة معيشية جديدة”، الضوء على إشكالية نزوح السكان من المدن العتيقة، وخاصة مدينة فاس، التي تعرف منذ سنة 1994 تراجعا هاما في عدد سكانها.
وعزت الأستاذة الجامعية هذا النزوح إلى قلة الاستثمارات العمومية والخاصة حتى عهد قريب، وركود تجارة المنتوجات الحرفية بمختلف أنواعها، داعية، في هذا الصدد، إلى ضرورة تنويع الموارد الاقتصادية.
ونوهت المحاضرة بالمجهودات المبذولة في السنوات الأخيرة لإعادة ترميم المآثر التاريخية للثلاثي الذهبي (بوجلود، لالة يدونة وباب المكينة) وحدائق تاريخية على غرار (جنان السبيل)، وكذا تهيئة الفنادق وتحسين الولوجيات داخل هذه المدينة العتيقة.
أما العضو المراسل للأكاديمية الملكية للتاريخ في مدريد، امحمد بن عبود، فقد دعا إلى إشراك المجتمع المدني في التفكير حول سبل الحفاظ على تراث مدينة تطوان العتيقة وإعادة ترميم مآثرها التاريخية على غرار دار بن مرزوق العربية.
كما أكد المحاضر على ضرورة تثمين التراث التاريخي للمدينة خاصة من خلال تهيئة مقابر مساجد المدينة العتيقة التي تجاوز عددها 33 مقبرة وكذا ترميم النافورات والأسوار. ودعا إلى إطلاع الأجيال الجديدة على الموروث الحضاري لتطوان من خلال تنظيم فعاليات ثقافية واجتماعية وترفيهية للساكنة المحلية، مشيرا إلى ضرورة تسريع تنفيذ المشاريع الملكية الهامة المتعلقة بالمدينة، من أجل تثمين موروثها وتحسين جودة المعيشة لساكنتها.
وجرت أشغال هذه الندوة الدولية، التي نظمت بالتعاون مع مجلة (هيسبريس-تمودا) الصادرة عن كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، في شكل أوراش متوازية حسب التخصصات، حيث انطلق كل ورش بإلقاء محاضرات عامة. وتناولت هذه الأوراش مواضيع “البحوث الأثرية الخاصة بالمدينة الإسلامية”، و”الجغرافيا والتعمير والاقتصاد والهندسة المعمارية”، و”تاريخ المدينة في العالم الإسلامي”.
وجاء في ورقة تقديمية للندوة أن الاهتمام بالمدينة الإسلامية من طرف المستشرقين يرجع إلى القرن ال19 والنصف الثاني من القرن ال20، بفضل الدراسات المونوغرافية التي أنجزها جامعيون مغاربة والتي تجددت في نطاق تخصصات إنسانية متقاربة مثل الجغرافيا وعلم الاجتماع والهندسة المعمارية والتاريخ إلى درجة بات من الصعب تجاهلها عند دراسة المدينة في عالم إسلامي، كما نشرت دراسات جديدة فتحت آفاقا مستجدة للبحث في المدينة الإسلامية.
وشكلت هذه الندوة التي نظمت على مدى ثلاثة أيام، فرصة لتنظيم نقاش عرض من خلاله المشاركون إسهاماتهم العلمية، التي ستصدر في عدد خاص من المجلة المذكورة حول المدينة في العالم الإسلامي.
وتأتي هذه المبادرة الرامية إلى جمع باحثين من مختلف المشارب قصد بلورة خلاصات تركيبية لمجموعة من المعارف المشتتة بفعل الفارق الزمني وتعدد التخصصات، وفسح المجال للباحثين للوقوف أين وصل البحث الخاص بالمدينة الإسلامية واقتراح خلاصات تركيبية.

Related posts

Top