خبراء مغاربة العالم والمختصون المغاربة كثلة موحدة لمواجهة ندرة المياه وآثار التغيرات المناخية

في سياق اللقاءات التشاورية التي ينظمها مجلس الجالية المغربية بالخارج مع كفاءات مغاربة العالم، نظم المجلس، مؤخرا بالرباط، مائدة مستديرة حول موضوع “إشكالية الحكامة الجيدة في مجال تدبير الموارد المائية.. سياسات وإجراءات لمواجهة ندرة المياه والتغيرات المناخية”.

وتأتي هذه المبادرة المواطنة، معززة للجهود المبذولة لكل القطاعات الوصية والمرتبطة بالإشكالية المائية، وفق مناخ عام يدعو للقلق سواء على المستويين الإقليمي أوالمتوسطي أو بشكل خاص بالمغرب. وأفضى تراجع التساقطات المطرية وتعاقب سنوات الجفاف عن انخفاض الرصيد الاحتياطي المائي المغربي. وكشفت أرقام  رسمية عن مؤشرات منذرة. وبدا في الأفق تهديد ندرة المياه للأمن المائي المغربي خصوصا أمام إعلان المغرب “حالة طوارئ مائية”،  من هنا برزت التفاتة مجلس الجالية المغربية بالخارج لتأسيس شبكة من الخبراء لتكون منصة فاعلة في دعم السياسات العمومية والتشاور في القضايا الوطنية المرتبطة  بتدبير الطلب على الماء ومختلف الإشكاليات ذات الصلة.

استهل الملتقى الدكتور عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، متناولا أهمية اللقاء والتواصل مع خبراء مغاربة العالم، ومعتبرا الندوة التشاورية مع مغاربة العالم تروم عقد لقاء موسع يضم كفاءات مغاربة العالم من ذوي المكانة الدولية المرموقة في مجال تدبير المياه الإشكاليات المناخية.

ويندرج اللقاء، يضيف الدكتور عبد الله بوصوف، في سياق الخطاب الملكي في 20 غشت بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك الشعب ،حيث أكد العاهل المغربي على إيجاد آلية للتواصل مع كفاءات مغاربة العالم، ذلك أن المغرب في حاجة إلى كل أبنائه في داخل المغرب وخارجه من أجل تنمية حقيقية وشاملة تستجيب لمتطلبات المواطن المغربي.

وذكر الدكتور بوصوف بكون  المجلس سبق أن تناول إشكالية تغير المناخ في مناسبات سابقة. وأشار إلى مسوغ وسبب الهجرة العالمية المرتبطة بشكل أساس بالتغيرات المناخية وندرة المياه المؤدية إلى ندرة الغذاء ثم الجفاف،  مذكرا  بالأرقام مهولة والمخيفة التي صدرت عن مؤسسات دولية متخصصة في مجال الهجرة والتي تتمثل في سيناريوهات سيئة جدا في أفق 2050. ذلك أن هناك عدد هائل من المهاجرين من جراء التغيرات المناخية والجفاف من الشمال إلى الجنوب، وكذا الهجرات الداخلية داخل كل بلد على حدة، التي ناهزت ملايين من اللاجئين. فالهجرة المناخية ظاهرة واقعية وحقيقية. ومنظمة الهجرة العالمية تصدر أرقام مهولة في الهجرات المرتبطة لندرة المياه والجفاف والتغيرات المناخية بصفة عامة، وبالتالي يستوجب رسم سيناريوهات لمستقبل الهجرة وكيفية الحفاظ على مستوى يحد من خطورة ظاهرة الهجرة، و يمكن كذلك من  التحكم فيه وتدبيره والتخفيف من حدته يؤكد الدكتور عبد الله بوصوف.

وأوضح الدكتور بوصوف أن من دواعي عقد هذا اللقاء التشاوري أيضا هو نسج شبكة من خبراء وعلماء مغاربة العالم وتشكيل كثلة موحدة بينهم وبين كافة الخبراء مغاربة، للاستفادة من مختلف القدرات والخبرات الرائدة والمتميزة سواء داخل المغرب أو خارجه، وإشراكهم في النقاش العمومي بمقاربة تشاركية من أجل بلورة سياسات عمومية رشيدة.

تميزت الندوة بتناول محورين دقيقين يرومان استنباط أهم الأفكار والتجارب من خلال مواضيع وازنة، تناولها الخبراء المشاركون وفق تخصصاتهم وتجاربهم. تم تدارسها بالتحليل والدقة لتستجمع في توصيات عملية وواقعية وذات راهنية مع المشهد العام الذي يميز المملكة المغربية في مجال تدبير قطاع المياه ومختلف التحديات من مناحي وزوايا متقاطعة ومتنوعة، خالية من كل الأطناب وإسهاب في البعد النظري، والتركيز على الالتقائية بين الأفكار والتجارب والتصورات الملموسة.

الجلسة الأولى ناقشت باستفاضة محور الموارد المائية والسياسات المائية في المغرب مع تقويم واستشراف ومقترحات حلول، في حين حدد محور الجلسة الثانية في نهج الحكامة في تدبير الموارد المائية بالمغرب وإبداء مقترحات وتوصيات لتحقيق الأمن المائي والغذائي، ليتم تناول محاور فرعية متوافقة، أثرت محتوى الرؤية المعرفية للندوة من خلال توليد عدة أسئلة، استوضحت أفق التفكير التعاوني بين خبراء وعلماء مغاربة العالم ونظراءهم داخل المغرب لبلورة مسار إستراتيجي تشاوري للسياسات العمومية المعتمدة.

واستعرض كل من الخبراء حمو العمراني، كبير الخبراء في الأمانة الفنية للمجلس الوزاري العربي للمياه – جامعة الدول العربية، ومستشار التكيف مع تغير المناخ في قطاع المياه وخبير في الماء والزراعة والمناخ في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الاسكوا” ببيروت – لبنان، وحورية التازي صادق عضو المجلس العالمي للماء ورئيسة الائتلاف المغربي للماء، ومولاي ادريس الحسناوي مكلف بمهمة بوزارة  التجهيز والماء، وجهات نظرهم حول السياسات المائية المستوجب نهجها وإجراءات عملية من أجل مواجهة مشكلة ندرة المياه في المغرب.

أما موضوع السبل الكفيلة بالحفاظ على المياه الجوفية وكافة الموارد المائية في المغرب والإجراءات المطلوبة من أجل تعزيزها فتناوله بالدرس والتحليل كل من السادة الخبراء جواد الخراز، خبير  في الاستشعار الفضائي وتحلية المياه عضو الجمعية الأوروبية لتحلية المياه. والمدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، القاهرة مصر، وعبد القادر العربي خبير ومستشار لدى المنظمات الدولية في إدارة الموارد المائية والتغيرات المناخية، مدير المركز الاقليمي للمياه المغاربية أستاذ هندسة المياه في المدرسة المحمدية للمهندسين بالمغرب.

“الدبلوماسية المائية والسياسات المائية على المستوى الدولي و سبل استفادة المغرب من التجارب الدولية الناجعة”، موضوع أسهب فيه كل من الخبيرين فاتن الزباخ، أستاذة باحثة في السياسات المائية ودبلوماسية المياه، جامعة جنيف، سويسرا وعبد الغني شهبوني، رئيس المعهد الدولي لبحوث المياه، مدير البحث في معهد البحث من أجل التنمية بتولوز، أستاذ باحث في جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية بالمغرب في إبراز أهم الاستنتاجات وإمكانية تلاقح المناهج والتجارب الدولية. 

 وشكل المحور الثاني حول “الحكامة في تدبير الموارد المائية في المغرب: مقترحات وتوصيات لتحقيق الأمن المائي والغذائي”، فرصة لاستعراض الأفكار والآراء وتشخيص المشكلات واقتراح حلول من خلال التطرق لموضوع  “الأمن المائي والأمن الغذائي بالمغرب: أية إجراءات لمواجهة آثار ندرة المياه على الأمن الغذائي؟”، من قبل الخبير محمد بازة، خبير في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) بروما -إيطاليا وكذا مولاي ادريس الحسناوي. أما موضوع “استخدام المياه العادمة ومياه الصرف الصحي لمعالجة في الزراعة بالمغرب أية امكانية وأية إمكانات وأية اجراءات؟”، فتدارس من خلاله الخبيران يوسف بروزين مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الدولي لإدارة المياه(IWMI) ورضوان شكر الله أستاذ باحث في جامعة محمد السادس متعدد التخصصات التقنية آفاق وأهمية استخدام المياه العادمة كبديل لإشكالية ندرة المياه.

ولتقديم اجراءات ومقترحات عملية تروم تحسين كفاية المياه في الزراعية في المغرب عرض كل من الخبير حمو العمراني، وفيصل عزيز عياض أستاذ  باحث في علوم الماء وهندسة البيئة بجامعة القاضي عياض مراكش ومنسق شبكة شباب الموسط للماء بمرسيليا والباحث في شعبة فيزياء المواد بالمعهد الملكي للتكنولوجيا بستوكهولم، خلاصات ومقترحات مستشرفة لأفاق واعدة وسياسات رشيدة .

وللإجابة عن سؤال “ما المطلوب من أجل تحقيق استفادة المغرب من نظم المعلومات والتكنولوجيا الفضالية في تحسين الموارد المائية ومواجهة ندرة المياه وآثار التغيرات المناخية”، أبدى كل من  الخبيرين عبد الغني شهبوني وجواد الخراز، تصوراتهم وآراءهم باستثمار الجانب العلمي في رفع كفاءة استعمال المياه وتطوير الموارد المائية أمام الإكراهات المطروحة.

وأشار كل من الخبيرين محمد بازة  ویوسف پروزين، إلى الإجراءات العملية المطلوبة لإدارة المياه والزراعة  عبر الطاقات المتجددة والحكامة. ولتوفير الحماية القانونية للموارد المائية عبر الحكامة ومن خلال الآليات القانونية، تناولت الخبيرة حورية التازي صادق، الإجراءات والتشريعات الكفيلة بالحماية قانونية المرجوة. في حين ذكر الخبير عبد القادر العربي، بالإجراءات المطلوبة من أجل إدارة استباقية لمواجهة التغيرات المناخية وندرة المياه. ثم عرض كل من الخبيرين فاتن الزباخ، وجواد الخراز، مختلف السياسات والإجراءات المطلوبة للاستفادة من كفاءات مغاربة العالم في مجالات المياه والزراعة والطاقات المتجددة والتغيرات المناخية .

وأكد المشاركون، من خلال المحاور المدرجة في الندوة، على وجوب نهج سياسة مائية رشيدة مع استحضار  الأمن المائي  في بلورة السياسات الوطنية مع باقي القطاعات، وإدماج العدالة المائية ضمن أبعاد السياسة المائية المعتمدة في المغرب.

وكان من أبرز المطالب لأغلب المشاركين بضرورة خلق وكالة وطنية لتدبير المياه لضمان التقائية التدخلات والتنسيق والتدبير التشاركي بين القطاعات الحكومية المختلفة، مع تفعيل هيئات التشاور والتنسيق مثل المجلس الأعلى للماء والمناخ، ومجالس الأحواض المائية واللجنة الوزارية للماء.. ثم ملاءمة استراتيجيات القطاعات وتبيان تخصص كل المؤسسات المعنية بمجال المياه. وذكر الخبراء المشاركون على ضرورة نهج حكامة رشيدة ومرنة في إدارة الموارد المائية وفق مقاربة عامة تعتمد على التكوين والتربية والتواصل تستهدف عقلنة وترشيد استعمال المياه.

وناقش الخبراء الإستراتيجية الوطنية للماء في  سياق تأمين الأمن المائي والتدبير الرشيد للمياه. وتدارس المشاركون، كذلك، سبل الاستثمار في الحلول المعتمدة في السياسة المائية الوطنية، أمام شح  المياه والتغيرات المناخية و التدهور البيئي عامة. كما أجمع الخبراء على وجوب إدماج بعد تغير مناخ في الدراسات والتصاميم  الخاصة بالمشاريع المهيكلة الكبرى.

وأشار المشاركون على وجوب التركيز  على السدود ذات المنفعة الاقتصادية مع مراعاة الحد الأدنى من التأثيرات الاجتماعية والبيئية السلبية. وأجمع المشاركون على تعزيز مهارات مكافحة  الكوارث وتطوير تدبير المخاطر، ورسم سياسة مائية وفق مقاربة استباقية ترسم حلولا وبدائل لوضعية المياه وتراجع التساقطات المطرية وتفادي الكوارث البيئية.

وفي أفق دمج كفاءات مغاربة العالم وكافة الخبراء المغاربة في السياسات الوطنية والاستعانة بهم في تقوية كفاءة التعامل مع المخاطر البيئية وإعداد دراسات مستقبلية حول وضعية المياه والبيئة العامة في المغرب، وتفادي الكوارث البيئية والتقليل من مخاطر الجفاف والتغيرات المناخية،  يستوجب خلق منصة للتباحث والتبادل بين الخبراء المغاربة، ومأسسة إدماج علماء مغاربة العالم في مساعي مكافحة التغيرات المناخية وبلوغ التنمية المستدامة، وذلك من خلال إحداث منصة إلكترونية للكفاءات والخبراء والباحثين من مغاربة العالم في التخصصات المطلوبة، وإحداث فضاء للتفكير ليشكل مجالا للخبرة خاصة بتدبير  الموارد المائية ومكافحة  آثار التغيرات المناخية، يضم الخبراء والعلماء من مغاربة العالم وأبرز الخبراء المغاربة في مجالات المياه والتغيرات المناخية والطاقات المتجددة.

وتحدث المشاركون  عن ضرورة مراجعة  الاستثمارات الفلاحية التي تستنزف الفرشة المائية، وتوجيهها نحو استعمال التكنولوجيات الحديثة بما يضمن الحفاظ على الموارد المائية، ثم تحسين مردودية شبكات توزيع المياه وتحديثها وصيانتها بشكل مستمر لتقليل المياه المهدرة .

وأبرز المشاركون في الندوة دور البحث العلمي في التنمية من خلال دعم الجامعات ومراكز البحث العلمي وتعزيز الجانب التكنولوجي من قبيل تحلية المياه، ومعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استعمالها واستخدام الطاقات المتجددة في معالجة المياه العادمة وفي تحلية المياه، وكذا تعزيز إنتاج المعرفة حول تدبير الموارد المائية والتغيرات المناخية بين ذوي القرار، لتأكيد إدماج مختلف القرارات المرتبطة  بالسياسات المائية بالمعرفة والبحث العلمي. واعتماد أنظمة المعلومات في تحيين الأبحاث والدراسات. وتفعيل نظام المعلومات الوطني للمياه من خلال اعتماد قواعد البيانات المعتمدة على الاستشعار الفضائي، خاصة حول الفرشة المائية والمياه الجوفية وجودة المياه، وذلك لدعم صناعة القرارات تبعا  لبيانات دقيقة، يتم تحيينها بشكل مستمر،هذا فضلا عن تعزيز الاعتماد على الابتكار والتكنولوجيات الحديثة، وفي مقدمتها تحلية مياه البحر والاستشعار الفضائي والطاقات المتجددة، واقتصاد الهيدروجين الأخضر  المعتمد على الطاقات المتجددة والمياه.

واختتم الملتقى في جو بهيج تخللته رغبة جامحة لجميع المشاركين في بذل كل ما لديهم من خبرة ومعرفة لدعم وطنهم الأم بكل وطنية وهمة، وثمنوا هذه المبادرة الصادقة التي فسحت المجال لكفاءات مغاربة العالم من أجل  حمل القميص الوطني في المجال العلمي والمعرفي والأكاديمي.

الرباط : محمد التفراوتي

Top