خبراء وجامعيون مغاربة في ضيافة دار الشعر بتطوان

أكد المشاركون في ندوة “الشعر والإبداع في زمن كورونا” أن العرض الرقمي للقاءات الشعرية والفنية لا يمكن أن يعوض اللقاء المباشر بين الشعر وعشاقه والمسرح وجمهوره والسينما ومحبيها، واللوحة وتأثيرها المباشر في زوار المعارض الفنية. جاء ذلك ضمن وقائع الندوة النقدية والفكرية التي نظمتها دار الشعر بتطوان، بداية شهر يوليوز الجاري. وهي الندوة التي أقيمت عن بعد، بينما قربت من المهتمين وعشاق الشعر والفنون الكثير من الأسئلة المستجدة التي أثارها الفيروس المستجد.
رئيس المركز الدولي لدراسات الفرجة الدكتور خالد أمين أعلن، منذ بداية تدخله، أن “لا مسرح دون لقاء بين مؤدين وجمهور”. وبسبب جائحة كورونا، اضطرت المسارح إلى إبقاء ستائرها مغلقة إلى حين زوال الوباء، الذي هو “عدو المسرح بوصفه ملاذ التلاقي والتجمهر”، يشدد الباحث.
أما الإغلاق المؤقت للمسارح، فقد “دفع العديد من البنيات المسرحية والفنانين إلى ابتكار بدائل على الشبكة العنكبوتية؛ قصد ممارسة شغفهم الأبدي، في نوع من الهروب الفني الاستثنائي ارتباطا بظروف الحجر الصحي”. وبهذا، تعددت منصات “المسرح الرقمي” وأصبحت “فرجات البيت” في تدفق مستمر على الشبكة، وفي بث مباشر أحيانا… وهي بحسب المتحدث “حالة استثناء مستحبة ومرغوب فيها”، لكنها لا يمكن أن تصير قاعدة في مرحلة “ما بعد كورونا”. ذلك أن “عادة الذهاب إلى المسرح في وطننا العربي تظل ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى”.
فالعرض المسرحي آني وزائل وزئبقي، ولذلك فهو غير قابل للحفظ أو التوثيق؛ وحينما يحفظ إنما نكون إزاء شذرات فقط من توهجه، وهي شذرات موجهة بواسطة من يتحكم في الكاميرا والمونطاج… بينما تكمن حياة الفرجة المسرحية في الحاضر فقط، فلا يمكن حفظها أو توثيقها أو تسجيلها، أو بالأحرى المساهمة في انتشارها من حيث هي تمثيل للتمثيل. وحتى حينما تحفظ، عبر وسيط ما، فإنها تتحول إلى شيء آخر ليس بفرجة مسرحية (وهذا تحديدا ما يميز الفرجة المسرحية عن الفيلم السينمائي).
فالفرجة المسرحية لا تتحقق إلا جراء انبعاثها داخل فضاء زمكاني مخصوص واختفائها في ذاكرة مؤديها ومتلقيها بعد ذلك. وكونها آنية، فذلك لأنها تنبعث؛ خلال لقاء المؤدين والجمهور وتفاعلهما في المكان والزمان. كما تعد الفرجة المسرحية زائلة؛ لأنها تختفي وتزول فور حدوثها، من حيث هي حدث استثنائي بيني.
ومع ذلك، تتوق الفرجة المسرحية إلى التوثيق والأرشفة، متحدية عوامل الاندثار والنسيان. لذلك تعددت منصات المسرح الرقمي التي تتعامل مع المسارح الكبرى بهدف توثيق العروض الحية على الشاشة وإتاحتها أمام الباحثين والجمهور البعيد… ونحن حينما نزور مسرح الشمس في باريس أو مسارح كبرى أخرى في برلين أو لندن نجد دائما ركنا للمقتنيات يضم أيضا أقراصا مدمجة لمسرحيات مسجلة من ريبرتوار الفرقة.
فمنذ تسعينات القرن الماضي، والمسرح يجرب الواقع الافتراضي، ويدعو الجمهور إلى لعب دور نشط في العروض التفاعلية والفرجات الخاصة بالموقع… لكن، لا شيء يمكنه أن يعوض الذهاب إلى المسرح… يخلص خالد أمين، مطالبا في النهاية بضرورة “ترسيخ الحاجة إلى المسرح في مجتمعاتنا العربية”.
أما الناقد الأدبي والفني شرف الدين ماجدولين، فانطلق في مداخلته من اعتبار زمن الوباء متقاطعا مع تنويعات لخيبة الأمل في السياق العربي على الأقل، وأنه “عمق هذا الإحساس المرزئ بخسارات متعاقبة، كانت ملهمة للتعابير الإبداعية المختلفة، من الشعر إلى الرواية والقصة والفنون البصرية”. غير أن التعبير عن لحظة الأزمة هذه ليس طارئا على مشهد الإبداعي، وإنما “له نظائر ممتدة من امرئ القيس إلى المتنبي إلى أحمد شوقي وأمل دنقل، ومن نجيب محفوظ في “ملحمة الحرافيش” إلى آخر روايات المرض والعزلة والبطالة والجوع”… وبحسب الدكتور شرف الدين ماجدولين، فإن زمن الوباء هو أيضا زمن توابعه من علل اقتصادية واجتماعية، ومن ثم فإن الروايات السجنية وروايات مرضى السرطان وروايات المنفى، كلها تشكل ذاكرة روائية للإبداع في الزمن الراهن.
ومضى الدكتور ماجدولين موضحا أن تجارب الكتابة والتشكيل لا يمكن أن تنطلق فقط من موضوعات الأزمة، وإنما قد تكون سابقة لها واخترقت بزمن الحجر الصحي، سيما في مجالات الكتابة الروائية الممتدة في الزمن. فالرواية لا تكتب غداة الأزمات وإنما تحتاج إلى مسافة لتبين الأثر، على خلاف ما هو الأمر عليه في التشكيل، حيث تصور اللحظة في حينها. وهنا، سوف يستعرض المحاضر تجارب عدد من التشكيليين العرب ممن اشتغلوا على فكرة “النافذة” التي تطل على الشارع وعلى المجتمع وعلى الفضاء العام، وقد بات بعيدا ومتلاشيا، وكيف تحولت تلك النوافذ إلى جسور ومعابر، للنفاذ إلى الداخل العميق.
من جهته، استعرض الخبير السينمائي المغربي أحمد حسني آثار وباء كورونا على السينما، بعد إغلاق القاعات السينمائية وإلغاء المهرجانات السينمائية. وهي أزمة قاسية على القطاع السينمائي في العالم، وفي المغرب، على حد توصيفه، باتت تشكل تهديدا حقيقيا لصناعة السينما.
في هذه الظروف الصعبة، يقول المتحدث، “انتشرت المنصات الرقمية للبث الالكتروني للأفلام، والتي حققت أرباحا طائلة، خاصة على منصة “نتفليكس”، عندما انتقل عدد المشاركين، منذ أواخر مارس، من 16 مليون إلى 350 مليون، وحين حققت بعض الأفلام مشاهدات كبيرة جدا على غرار فيلم “دماء دا 5” للمخرج الأمريكي سبايك كلي، وهو من ‘نتاج نتفليكس. فبهذا الفيلم، تكون هذه المنصة استقطبت كبار مخرجي الأفلام في العالم من عيار مارتن سكرسيس … مثلما حقق فيلم “جولة ترولز العالمية” إيرادات عالية عبر طريقة “الفيديو حسب الطلب” وهو من توزيع شركة يونيفرسال، التي قررت إعادة التجربة مع أفلام أخرى، حتى بعد فتح القاعات السينمائية. وهو القرار الذي أثار غضبا كبيرا في أوساط أصحاب القاعات السينمائية في أمريكا، ما دفعهم إلى مقاطعة أفلام يونيفرسال.
انطلاقا من هذه المعطيات، يتساءل رئيس مؤسسة مهرجان تطوان الدولي للسينما عما إذا كان من شأن المنصات الرقمية أن تصبح بديلا مستديما عن القاعات السينمائية؟ هنا، استحضر محدثنا ما قاله السينمائي الفرنسي الشهير جان لوك غودار بمناسبة الاحتفال بمائوية السينما، حين أيقن أن التطور العلمي والرقمي سيطور السينما والفرجة الجماعية، التي من شأنها أن تعمر في القاعات السينمائية لسنوات عديدة ومديدة.
وفي مقابله، استحضر حسني رأي مخرج فرنسي آخر، هو فرنسوا تروفو، والذي يرى أن مشاهدة الفيلم في قاعة السينما أشبه ما يكون بقراءة كتاب عن آخره، أما مشاهدة الفيلم عبر وسائط أخرى فلا تعدو أن تكون تصفحا لذلك الكتاب ليس إلا.

Related posts

Top