رواية “طريق الغرام” للكاتبة المغربية ربيعة ريحان

عرفت الكتابة الروائية النسائية في المغرب كما في باقي الدول العربية مع مطلع الألفية الثالثة انتعاشة كبيرة، فخلقت في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين تراكما، تجاوز من حيث الكم والنوع كل ما أبدعت الأنامل الناعمة عبر تاريخها منذ اقتحامها
عباب الكتابة الروائية، فإلى حدود 2010 لم يكن للنساء في المغرب إلا 53 رواية كتبن منها 34 رواية في العشرية الأولى من الألفية الثالثة، ويتضح من  خلال التتبع أنه إلى حدود نفس التاريخ لم يقتحم الكتابة الروائية من نساء المغرب إلا 39 امرأة ، تسع وعشرون منهن لكل واحدة نص روائي يتيم، وست روائيات لهن روايتان، وأربع روائيات لهن ثلاث روايات.. وهو عدد قليل جدا إذا ما قورن بالتطلعات والآمال.  ومن الروائيات اللواتي اقتحمن الكتابة الروائية حديثا رغم حضورهن الوازن في الكتابة السردية، نقف في هذه الدراسة على تجربة  الكاتبة ربيعة ريحان، فبعد إصدارها لعدة مجموعات قصصية، قصت شريطها بمجموعة ( ظلال وخلجان) التي قدم لها  الروائي العربي الكاتب السوري حنا مينا وقال فيها وقتئذ :(لقد ولدت مع هذه المجموعة قاصة رائعة في المغرب العربي كله ومعها سيكون للقصة العربية القصيرة شأن آخر، مع قصص المرأة في الوطن العربي بأسره ..) لتدفق نتاجها القصصي عبر مجموعات مثل  ( مشارف التيـه سنة 1996، ( شرخ الكـلام) و ( مطر المسـاء) سنة 1999وقد توجت هذه المجموعة الأخيرة بـ( جائزة الإبداع النسائي)، إضافة لمجموعة (بعض من جنون) سنة 2002  ومن أحدث مجموعاتها القصصية (أجنحة للحكي)  و(كلام ناقص). بعد هذا المشوار الحافل في المساحات السردية القصيرة تقتحم ربيعة ريحان غمار الكتابة الروائية ومسافاتها الطويلة بأول رواية لها ( طريق الغرام ) الصادرة سنة 2013 عن دار
توبقال للنشر، وهي رواية تمتد ورقيا عبر 180 صفحة من الحجم المتوسط، تؤكد من خلالها الكاتبة  استعدادها تقديم رؤيتها للعالم من خلال جنس الرواية. الرواية تحكى بضمير المتكلم على لسان البطلة فوزية أو (فوز) كما يناديها عشيقها الافتراضي يوسف، يتراوح السرد فيها بين الماضي  (تجربة حب أثمرت  زواجها بسميـر، زواج لم يعمر طويلا بعد اكتشافها لإدمانه وشذوذه وتغير سلكه وتصرفاته معها)  وبين الحاضر (علاقة حب افتراضية نشأت عبر التواصل الإليكتروني مع يوسف الشاب العراقي المستقر بلندن )، وبذلك تتمحور أحداث الرواية حول تجربتين لفوزية  السيدة المطلقة، ابنة مدينة آسفي، التي تجتر فشل تجربة الزواج بـ “سمير”وتصف وتفاعل أسرتها ومحيطها مع طلاقها، لتجد نفسها أمام إغواء تجربة جديدة عبر علاقة افتراضية بيوسف جاءت في مرحلة فراغ عاطفي  وكأنها كانت (وفي حاجة إلى من يملأ فراغها وتفرغ عليه همومها)1. ومن تم يكون عنوان الرواية (طريق الغرام) قد قدم للقارئ فكرة مسبقة عن هذا الطريق الذي قالت فيه الساردة (طريق حب وغرام محفوف بالمخاطر)2 سلكته ربيعة ريحان، وهي تصف ما ينشر على حافة هذا الطريق من عادات، تقاليد، أعراف.. ومما تكتنز به الذاكرة الخاصة للكاتبة والذاكرة الجمعية للمرأة المغربية عامة في علاقة المرأة بالرجل، مستحضرة عقلية المرأة المغربية وطريقة تفكيرها في علاقتها بالرجل، وما يشوب هذه العلاقة من طقوس عادات.. وما يروج من أمثلة شعبية  أوردتها الرواية  على لسان شخصياتها  وخاصة عمة الساردة، وهي أمثال مقتبسة من واقع الحياة اليومية، تلخص عصارة تجربة أمة في موضوع العلاقة بين الجنسين، وهو ما أكسب أحداث الرواية واقعية سعت الساردة إلى تكريسها وتوهيم  القارئ بواقعيتها من خلال الإحالة على أمكنة وشخصيات حقيقية، بمن فيها الكاتبة نفسها، تقول الساردة: (أشتغل
على بعض القصاصين المغاربة الذين أحببتهم كثيرا وشدتني تجربتهم  بدءا من  شكري وبوزفور وزفزاف مرورا بلطيفة باقا وربيعة ريحان)3 وكأنها بذلك  تريد  التمييز بين الكاتبة (ربيعة ريحان) والساردة (فوزية) والرد على من يتهمها بكتابة سيرتها في عمل روائي، ويحاول ربط تفاصيل الرواية بحياة الكاتبة. إن رواية طريق الغرام تجعل من الحب تيمتها الأساسية، وعلى الرغم من كون الحب شكل محور الكثير من المؤلفات السردية في الثقافة الإنسانية منذ  القديم، فإن ربيعة ريحان وسمت هذه التيمة بتجربتها الخاصة، فنسجت أحداثا (لا يهمنا في شيء إن كانت واقعية أو خيالية) أبطالها ثلاثة شخصيات تفاعلت في مسار سردي يشد القارئ، فبعد فشل فوزية في تجربتها مع سمير، تدخل عبر البوابة الإلكترونية تجربة ثانية وكلها حيطة وحذر وخوف من تكرار فشلها: (من يضمن لي أن هذا التمادي الحلو لا يقودني إلى حتف آخر؟)4 قبل أن يجرفها طريق الحب وتجد نفسها منساقة مع تياره الجارف، بعد أن فعلت رسائل يوسف فعلها السحري (كتابات غيّرتْ واقع حياتي وجعلتني أفتح نوافذي لأستقبل تلك الإشارات التي يرسلها إليّ، والمشاعر الحنون التي تمتلئ بها روحي. «أنا بانتظارك»، موحية وجذابة هذه الكلمة لامرأة رومانسية مثلي، كانت عاشقة بامتياز وانصدمتْ، لكنّها لم تستطع أن تتخلص من تحليقها الحالم وستظلّ إلى الأبد تهزها بعمق تعابير شفافة كأنما هي ضوء باهر)5هكذا يكون طريق الغرام في الرواية، طريقا سيارا باتجاهين مختلفين: – طريق واقعي غير سالك، بدأ  في رحاب الجامعة عند  التقاء فوزية وسمير، لقاء نتج عنه علاقة تعارف انتهت إلى علاقة حب وعشق ثم زواج، ليعيش العشيقان تحت سقف واحد، وتكون النهاية الماسأوية باكتشاف فوزية لإدمان زوجها وشذوذه بعدما استحالت علاقتهما عنفا ولامبالاته وبرودة جنسية من قبل زوج غدا يتجاهلها يعنفها ويبحث عن لذته مفعولا به مع أبناء جنسه، فكان الطلاق نهاية طبيعية لتطور الأحداث.  – طريق افتراضي حالم كانت بدايته بالتعرف على يوسف عبر رسائل إليكترونية، تطورت لتصبح رسائل غرامية طافحة  بلغة شعرية وتعابير رومانسية لم تجد أمامها فوزية سوى سلك هذه الطريق الناعمة إلى نهايتها، وإذا كان طريق الغرام الواقعي قد انتهى بالفراق، فإن الساردة اختارت لطريق الغرام الافتراضي نهاية أخرى بالتقاء العشيقين وإخراج غرامهما من الواقع الافتراضي إلى الواقع الأمبيريكي الملموس، حبا طاهرا صادقا مفضلة وضع حد لأحداث الرواية بمجرد التقاء العشيقين. إن ربيعة ريحان بتمييزها بين هذين المسلكين في طريق الغرام تكون قد  انحازت إلى الحب الافتراضي الإليكتروني، بإنجاحها لعلاقة لم ير فيها العشيقان بعضهما البعض، وحكمها بالفشل على علاقة اختار العشيقان بعضهما عن قناعة، وأحبا بعضهما وتحديا بحبهما سلطة الأسرة والمجتمع، وكأنها بذلك تمرر رسائل لأولئك المتخوفين من ربط علاقات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتهمس في آذانهم بأن العلاقات الافتراضية أأمن من علاقات الواقع الملموس، وحتى تُبقي الحب الافتراضي طاهرا، اضطرت إلى إنهاء السرد بمجرد التقاء العشيقين في الواقع بمراكش،  وكأنها تخشى على هذا الحب من ملوثات الواقع، في مقابل ذلك أناطت بحب الواقع (مع سمير) كل الشرور من شعوذة، خرافة، سحر، شذوذ وهي أمور لا أثر لها في العلاقات الافتراضية حسب تطور الأحداث ! وعلى الرغم من تكرار البطلة رفضها لكل تلك السلوكات المرتبطة بالسحر والشعوذة التي نصحتها بها النساء، فإن الرواية حاولت رصد بعض ما تقوم به النساء للحفاظ على الرجل.
*جزء من دراسة طويلة
هوامش:

1- ص  92 2- ص  122  3- ص 118  4- ص  106  5-  ص111

 بقلم: الكبير الداديسي

Related posts

Top