دار الشعر بمراكش تواصل الانفتاح على الجهات الست في الجنوب المغربي

أدى الشاعر والفنان عابد أوطاطا، بمعية فرقة آيت ياسين أحواش، وضمن تناسق وتواشج فني يمتح من التراث المغربي، مقاطع من هذا الموروث الشعري – الغنائي المنغرس في الوجدان المغربي. ظل صوت الشاعر والفنان عابد، مكرم الدورة الثالثة لملتقيات الشعر الجهوية (جهة سوس ماسة) والتي نظمتها دار الشعر بمراكش في مدينة طاطا يومي 20 و21 مارس احتفاء باليوم العالمي للشعر، يستعيد ألق اللحظة في اختتام فعاليات المهرجان، وأمام جمهور حج بالمئات إلى المركب السوسيو ثقافي بطاطا طيلة فعاليات المهرجان. واختتم الحفل الفني بفقرة “الشاعر.. أنظام”، والتي شهدت مشاركة الشعراء إبراهيم البيهي، عبد المالك مساعيد، عابد أوطاطا، محمد تايشينت.

فقرة الشاعر: يأتون من الجبل بالقصائد

الشاعر محمد تايشينت، ومن ديوانه “سآوي إلى جبل”، يخيط للحب مداه قائلا: “أحب. لست أجاري في الهوى أحدا/ فالحب أدركه إن قلبي ارتعدا/ ما ضرني في الهوى أن أكتوي بيدي/ إن لاح لي وجع أوغلت فيه يدا/ هذا نصيبك، فانعم بالهوى قدرا/ لحسن حظك هذا القلب ما خمدا”.

أما الشاعر عبد المالك مساعيد، أحد المتوجين بجائزة أحسن قصيدة لدار الشعر بمراكش، فيرى أنه “آخِرُ الآبِقِينَ”، حيث يقول “أَسِيرُ عَلَى صَبْرِ الأَثَافِي، يَسِيرُ/ الشَّكْلُ حَوْلِي/ حَفِيفًا/ أَوْ خَفِيفًا، أَسِيرُ وَيَمْسَحُ الرَّمْل/ ظِلِّي / – لَا خَرِيفًا لَا عَرِيفًا – أَسِيرُ/ وَفِي نِيَّتِي/ يَصَّاعَدُ الأَقْرِبَاءُ كَأَنَّهُمْ لَا يُغَاثُونَ،/ لَكَمْ قُلْتُ: أَنَّى”.

ويعود الشاعر ابراهيم البيهي، ابن طاطا، للغة الضاد هاتفا: “وحب الشعر يدني كل بعد// وتلغي في قوامسه الحدود/ سيأتي من سقاه الضاد شهدا// عجولا خلفه بحر وبيد/ شممت من الخليج نسيم ورد// وطيف لزايد يشدو سعيد”.

ملتقى طاطا الشعري الجهوي في دورته الثالثة، والذي نظمته دار الشعر بمراكش، تحت إشراف وزارة الشباب والثقافة والتواصل، قطاع الثقافة وبتنسيق مع المديرية الجهوية لقطاع الثقافة جهة سوس ماسة، احتفاء باليوم العالمي للشعر، شهد على مدى يومين تنظيم قراءات شعرية وفقرات موسيقية وندوة محورية ترتبط بأسئلة الشعر والتراث الثقافي المادي واللامادي، ومعرض لإصدارات دار الشعر بمراكش ودائرة الثقافة بالشارقة، وحفل تكريم الشاعر والفنان عابد أوطاطا.

الاحتفاء بالشعر وبالشعراء وبالتنوع الثقافي المغربي

وتندرج هذه البرمجة الجديدة، والتي أطلقتها دار الشعر بمراكش سنة 2021 في دورة أولى، بجهة مراكش أسفي تلتها الدورة الثانية 2022 بجهة العيون الساقية الحمراء، ضمن تظاهرة “ست جهات.. ستة ملتقيات شعرية جهوية”، للاحتفاء بالشعر المغربي وبالشعراء المغاربة، بمزيد من الانفتاح على حساسيات وتجارب القصيدة المغربية الحديثة، وعلى مختلف أنماط الكتابة الشعرية، وبانفتاح بليغ على مختلف التجارب الشعرية وأجيالها المشكلة لشجرة الشعر المغربي الوارفة.

وككل دورة من الملتقى، يوجه شاعر مغربي نداء اليوم العالمي للشعر، فبعد الشاعر عبد الرفيع الجواهري في دورة ملتقى مراكش أسفي (2021)، والشاعرة خديجة أبي بكر ماء العينين في دورة ملتقى العيون السمارة (2022)، خص الشاعر سعيد الباز، أحد شعراء الحداثة الشعرية المغربية، دار الشعر بمراكش بكلمة موسومة بـ “لسنا بعد في هذا العالم” أشار من خلالها إلى أن “للحضور في العالم شعريا يقتضي الأمر سيرا باتّجاه الشعر بالحدّية الكاملة، بالانصراف الكليّ، بالتجاوز العارم لكلّ الحدود المسيّجة، بالارتماء في نهر الحياة الجارف… لمواجهة شتى الانهيارات الكامنة في دواخلنا وفي عالمنا الخارجي..”.

واحتضن المركب السوسيو ثقافي بطاطا، الاثنين 20 مارس، الحفل الافتتاحي للتظاهرة، بافتتاح معرض خاص بالإصدارات الشعرية والنقدية لدار الشعر بمراكش ومنشورات دائرة الثقافة بالشارقة، وعرف حضورا لممثل السلطات المحلية بالإقليم وممثل لوزارة الشباب والثقافة والتواصل، قطاع الثقافة، وجمهور غفير غصت به قاعة المركب. وأكد الشاعر عبد الحق ميفراني، مدير دار الشعر بمراكش، أن “مدينة طاطا تستحق أن تحتضن فعاليات الدورة الثالثة لملتقيات الشعر الجهوية، هذه المبادرة الثقافية التي تمثل نموذجا خلاقا للتعاون الثقافي المشترك بين وزارة الثقافة المغربية ودائرة الثقافة بالشارقة، والتي تسعى إلى الاحتفاء بالشعر وبالشعراء المغاربة وبالتنوع الثقافي المغربي، وتشجيع وتحفيز الأصوات الشعرية الجديدة، وتوسيع قاعدة الفعل الثقافي في اعتماده على القرب، ومد إشعاع الدار إلى مختلف الجهات الترابية التابعة لها.. كما تستجيب للحاجة الدائمة للشعر وقيمه، ولمزيد الإنصات والانفتاح على التجارب الشعرية المغربية، على اختلاف تجاربها ورؤاها، وأيضا التداول في آليات ترسيخ الفعل القرائي خصوصا بالجنوب المغربي، الغني بروافده المادية واللامادية، وبرموزه الشعرية والثقافية المغربية..”

ونوه باشا إقليم طاطا، باسم عامل الإقليم، على تقديره لهذه المبادرة النبيلة في الاحتفاء بالشعر وبالشعراء، خصوصا عندما كرمت دار الشعر بمراكش أحد أيقونات الشعر وفن أنظام الشاعر والفنان عابد أوطاطا، إلى جانب انفتاح هذه المؤسسة الثقافية الرائدة على مختلف مدن وجهات المملكة. وتقاطعت، كلمة السيد محمد أوحمو، باسم المديرية الجهوية لقطاع الثقافة (ماسة درعة)، مع أهداف ومرامي هذه المبادرة الثقافية الكبرى، فضمن استراتيجية وزارة الشباب والثقافة والتواصل، قطاع الثقافة، والساعية دوما إلى توسيع قاعدة الفعل الثقافي والاحتفاء بتنوعه مغربيا. وبعد قراءة نداء الشاعر سعيد الباز، وحفل تكريم الشاعر والفنان عابد أوطاطا، أحد أبرز الوجوه الشعرية والفنية بالجهة وبالمغرب، التقي عشاق الشعر مع أولى الأماسي الشعرية ضمن فقرة “سحر القوافي”، وشهدت مشاركة الشعراء: مولاي الحسن الحسيني، حكم حمدان،  أحمد الراجي البعقيلي، ولطيفة أثر رحمة الله. وسهر كل من الشاعر بدر هبول وهند بوهما على تقديم فقراتها، كما أحيت حفلها الفني فرقة شباب البلاد لفن الهوارية بطاطا.

سحر القوافي: سحر القصيدة وبهاء الحرف

وافتتح الشاعر مولاي الحسن الحسيني، أحد أبرز الأصوات الشعرية في الجهة، لقاء “سحر القوافي” بقصيدة طويلة يقول في بعض مقاطعها: “في اللوز في بهجة النوار ما عشقا/ فلا تلمني إذا ما عشقنا انبثقا// بين الظهيرة والأرواح حين غفت/ حلم خفيف من أكناف الهوى سرقا// لا رمز يوحي لنا بالحسن محتفلا/ غير المحبة، عفوا غير ما اتسقا// يا عاشق المشرقين ما لحيرتنا/ فاضت على أفق نرتاده شفقا”. 

وإلى مساحات البوح والولع، حلق الشاعر حكم أيت حمدان مع جمهور قاعة العروض، بالمركب السوسيو ثقافي، نحو الأقاصي: “لكِ الآن/ تفاحتي/ فاقضميها/ ولي/ أنْ أنفِّذ/ حُكمَ السماءْ// على بُعدِ عُمرين/ كنا نداري/ جحيمَ الثواني/ ببرْد اللقاء// ونرتاحُ/ فوق الندى/ والأماني/ تعاتبنا/ كي يطول اللقاء// أعاو/ ترميم قلبي/ لأني/ تورطتُ/ في حب كل النساء// وأقبرتُ بوحي/ وأحرقتُ رؤيا/ ترددُ / ما قاله الانبياء// يقول الشتاءُ:/ تريثْ ،/ فبعدي/ سيفضحُ صيفٌ/ خبايا الشتاء// ستمطرُ/ رؤياكَ،/ في كل وادٍ/ ويخضرُّ في ظلّكَ/ الكبرياء”. و”في غفلة الذكرى” أنشد الشاعر أحمد الراجي البعقيلي، أحد الأصوات الشعرية الجديدة من مدينة طاطا، “رُدِّي إلى هذا الشقي سَحائبَهْ / يا موجةَ البحر المحيط الصّاخبَةْ// رُدِّي إلى هذا التقي قشورَهُ / إنّ احتواءَ اللُّب أتعبَ طالِبَهْ // في غفلة الذكرى.. أتيتُ يَقُودني/ شوقٌ يُعاتِبُ فوق عرشكِ نائِبَهْ // يقتاتُ مِن قلبي شعورٌ جائعٌ / في لُعبة.. تَطوي المساعي الخائبَةْ // حاولتُ حرق الذكرياتِ، تجاهلاً/ مِنّي.. فهاجَ الشوق ينصُرُ صاحِبَهْ// أنفقتُ فيكِ دماء قلبي -مِثلما / شاءَتْ عيونكِ- نبضَهُ ومتاعبَهْ // …// قد حَيّرَ العلماءَ أنِّي تائبٌ / لَمّا رأيتُ سِهامَ حُسنِكِ تائبَ”.

 أما الشاعرة لطيفة أثر رحمة الله فتناجي نفسها: “تعاش الحياة بعد النفس// وعد العداة وعد العسس/ إليها دنوت دنو الصبي//ـي يدنو الى أمه الغلس/ وكنت أظن المرام بلغـــ//ـــــــــــته حين أغدو بظهر الفرس/ ولكن وهما وثقت به// أضر بقلب ذوى وابتأس”

منتدى الملتقى/ محاورات: الشعر ذاكرة الموروث الثقافي المادي واللامادي

احتضن فضاء مركز مهن التربية والتكوين بإقليم طاطا، صبيحة يوم الثلاثاء 21 مارس، وضمن فقرة منتدى الملتقى: محاورات، ندوة علمية عرفت حضورا لافتا لمجموعة من النقاد والباحثين والشعراء إلى جانب المشاركة الراقية للأساتذة المتدربين من المركز، ضمن تفاعل إيجابي مع محور الملتقى.  وشارك الباحثان عمر أمارير وسعيد جليل في هذه الندوة المركزية، لنقاش محور راهني يهم “الشعر وذاكرة الموروث الثقافي اللامادي”، استمرارا للحوار المعرفي المفتوح، والذي أطلقته دار الشعر بمراكش، السنة الماضية ضمن الدورة الثانية للملتقى بالعيون في تقاطع مع الموروث الحساني.

واختارت الدار، في الدورة الثالثة، أن تمتح من وشائج التقاطعات مع ذاكرة الشعر والتاريخ وأنتروبولوجيا الموروث اللامادي سعيا لتوسيع قاعدة التأمل والتفكير، وانبرى الباحثان، في محاورات معرفية مائزة، إلى محاولة الغوص والحفر في مستويات التقاطع بين الشعر والذاكرة، هاته الأخيرة بصفتها سمة لصيقة بالشعر. وبعد محاولات النبش في مستويات التقاطع، عبر حفريات تاريخية، ركز كل من الباحث عمر أمارير على مفهوم المصطلح الدال على الشعر في الأمازيغية: في ربطه بأمارك، لينتقل الى تحديد علاقة اللغة بالشعر وبالفكرة وبالموسيقى خصوصا. واتجه الباحث سعيد جليل إلى الكشف عن مدرسة طاطا الشعرية، باعتبارها منبت الشعراء، مركزا على أهمية الشعر الأمازيغي في الحفاظ على الذاكرة باعتبار الشعر ديوان الشعوب.

في المحور الثاني، والذي خصص للشعر الأمازيغي، بصفته ذاكرة للتراث الثقافي المادي واللامادي، أشار الباحثان إلى الخصوصية المغربية وجانب تعدد التأويلات في المثن الشعري الأمازيغي. الذاكرة الشفوية، في هذا المثن، موثقة بالشعر الأمازيغي لكن في حفاظ على الرمزية والهوية، لكن مع ربط الذاكرة الشعرية بالحاضر. انتقل الباحثان في محور أخير، إلى جرذ لنماذج تطبيقية شعرية، في استدعاء لفنون أحواش والروايس والأكورا (أسايس، أبراز..)، والمعارضات (تاماواشت)، الرقائق البربرية.. ليتم الانتقال إلى فضاء التفاعل مع الجمهور الحاضر.

يشار إلى أن تظاهرة “ست جهات.. ستة ملتقيات شعرية جهوية”، تظاهرة شعرية وثقافية تنمي الحاجة لدينامية أشمل للفعل الثقافي داخل النسيج المجتمعي المغربي، وتستهدف هذه التظاهرة جهات:

 1/ مراكش – اسفي (الدورة1 / 2021). 

2/ جهة كلميم – واد نون.

 3/ جهة درعة – تافيلالت. 

4/ جهة سوس – ماسة (الدورة 3 / 2023).

5/ جهة العيون- الساقية الحمراء، (الدورة 2 / 2022).

6/ جهة الداخلة – وادي الذهب. 

ست جهات مغربية جنوبية، تشهد ملتقيات شعرية جهوية، في مبادرة نوعية غير مسبوقة، تسعى إلى خلق تقاليد ثقافية جديدة تتناسب وراهن المشهد الثقافي اليوم في المغرب، ولتجسير الهوة بين الشعر ومتلقيه.

دار الشعر بمراكش، هذا الفضاء الرمزي الذي جمع الشعراء المغاربة من مختلف الحساسيات والتجارب، سعت دوما إلى تجديد برمجتها الثقافية، وفق منظور جديد يراعي تداولية أوسع للشعر بين متلقيه. هي فقرات، تواصل من خلالها دار الشعر بمراكش، ضمن استراتيجيتها منذ التأسيس (2017)، إلى جعل الشعر كوتنا على الأمل وقيم الشعر في ترسيخ المحبة والتعايش والمشترك والإيمان العميق بإنسانية الإنسان.

Related posts

Top