دراسات: الكمامات وسيلة جيدة للوقاية من كورونا لكنها ليست بديلا عن التباعد الاجتماعي وتدابيرالنظافة

تفرض الكمامات القماشية نفسها اليوم بقوة وسط تفشي مستمر لفيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» على مستوى العالم، مع استمرار الجدل حول استخدام تلك الكمامات، بداية من مستوى فاعليتها في الوقاية وانتهاء بمساهمتها في نقل الفيروس إلى مستخدمها في حالات كثيرة.
ويدفع هاجس الخوف من الفيروس التاجي كثيرين حول العالم نحو هوس اقتناء الكمامات الطبية بشكل يتسم بالمبالغة في كميات شرائها، وهو الأمر الذي يجعل الكمامات القماشية خيارا متوفرا وأقل كلفة من الكمامات الطبية، ولكن هل هي ذات جدوى؟
للإجابة على هذا السؤال، أظهرت أكبر مراجعة للدراسات حول انتقال عدوى فيروس كورونا، أن الحفاظ على مسافة متر على الأقل بين الناس ووضع الكمامات وحماية العينين، هي أفضل الطرق للحد من خطر مرض كوفيد-19 الناجم عن الإصابة بالفيروس المستجد.
وفي هذه المراجعة لدلائل مجمعة من 172 دراسة في 16 بلدا، خلص الباحثون إلى أن غسيل الأيدي المتكرر والحرص على النظافة عاملان حاسمان أيضا على الرغم من أن جميع هذه التدابير مجتمعة لا توفر الحماية الكاملة.
وستساعد النتائج التي نشرتها دورية “لانسيت” الطبية يوم الإثنين الماضي في توجيه الحكومات ووكالات الصحة بعد أن قدم بعضها نصائح متضاربة حول التدابير الوقائية لأسباب أبرزها توفر معلومات محدودة عن كوفيد-19.
وقال هولجر شونمان من جامعة ماكماستر في كندا والذي شارك في قيادة المراجعة: “النتائج التي توصلنا إليها هي الأولى التي تجمع كل المعلومات المباشرة حول كوفيد-19 والتهاب الجهاز التنفسي الحاد (سارس) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس)، وتقدم أفضل دليل متاح حاليا حول الاستخدام الأمثل لهذه التدخلات البسيطة والشائعة للمساعدة في تسطيح المنحنى”.
وتشير الدلائل الحالية إلى أن طرق الانتشار الأكثر شيوعا لكوفيد-19 تكون عن طريق قطيرات الرذاذ وخاصة عندما يسعل الناس وتنتقل العدوى من خلال دخول القطيرات إلى العينين أو الأنف أو الفم إما مباشرة أو عن طريق الأسطح الملوثة.
ومن أجل هذا التحليل، أجرى فريق بحث دولي مراجعة منهجية لعدد 172 دراسة عن تدابير التباعد ووضع الكمامات وحماية الأعين للوقاية من انتقال ثلاثة أمراض تسببها فيروسات كورونا وهي كوفيد-19 وسارس وميرس.
وأشار باحثون إلى أنه في حين أن النتائج شاملة فهناك بعض أوجه القصور بخصوص الجائحة الحالية حيث إن معظم الدلائل تأتي من دراسات عن سارس وميرس.
ووجد الباحثون أن التباعد الاجتماعي لمسافة متر على الأقل يقلل خطر انتقال كوفيد-19 وأن مسافة المترين يمكن أن تكون أكثر فاعلية. وأضافوا أن الكمامات ووسائل تغطية العينين قد تعزز الوقاية على الرغم من أن الدلائل على هذا أقل وضوحا.
وقال ديريك تشو الأستاذ المساعد في جامعة ماكماستر الذي شارك في المراجعة إنه يجب على الناس فهم أن “وضع الكمامة ليس بديلا للتباعد الاجتماعي أو حماية العينين أو التدابير الأساسية مثل نظافة الأيدي”.
دراسات لـ100 عام من الأوبئة

وفي سياق ذي صلة، استدعى علماء كنديون دراسات قديمة تعود لزمن الانفلونزا الإسبانية قبل قرن من الزمان وقارنوها بدراسات حديثة تبحث مدى فاعلية الكمامات القماشية في الوقاية من عدوى فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”.
ونشر موقع CTV News الكندي، خلاصات أولية لدراسة قيد الإنجاز تقول أن أقنعة الوجه المصنوعة من طبقات متعددة من القماش قد تساعد –بشكل نسبي- في الوقاية من «كوفيد-19»، وفقا لفريق دولي من الباحثين ممن أخضعوا عديدا من الأقنعة القماشية بمواصفات مختلفة لاختبارات متنوعة بشأن الوقاية من الفيروسات بشكل عام.
ورغم أن الباحثين وجدوا أن أقنعة القماش المصنوعة منزليا ليست مثالية بما يكفي للوقاية من العدوى، لكنهم يرون أنها قد تساعد في توفير «انخفاض متواضع في نقل العدوى» إذا تم استخدامها على نطاق واسع، وفقا لورقة بحثية منشورة في حوليات الطب الباطني في فيلادلفيا بالولايات المتحدة في 22 مايو الجاري.
وفي الدراسة هذه تقول الكاتبة الرئيسية كاثرين كلاس، أستاذة الطب المساعد في جامعة ماكماستر بكندا وأخصائية أمراض الكلى في سانت جوزيف للرعاية الصحية في هاميلتون، بمدينة أونتاريو الكندية: “في أفضل حالاتها، يمكن أن تكون الكمامات القماشية جيدة حقا وتستحق بالتأكيد النظر في ظل هذه الظروف”.
وتشير كلاس إن المراجعة الكاملة للفريق بشأن الأبحاث المتعلقة بالكمامات القماشية لم يتم نشرها بعد، ولكن تتم مراجعتها حاليا من قِبل النظراء «مراجعة الأقران» حيث تكثف المجلات العلمية تقييمها لأبحاث فيرووس كورونا «كوفيد-19»، لكن المثير أن الباحثين حاليا ينظرون في دراسات بشأن الكمامات القماشية تعود لأكثر من 100 عام.
ونظر فريق العلماء الدوليين إلى نحو 100 عام من البحث، وعادوا إلى جائحة «الإنفلونزا الإسبانية» عام 1918 عندما قام العلماء وقتها برش البكتيريا على الشاش لمعرفة كيف يؤثر عدد الخيوط والطبقات على انتقال العدوى.
ورغم ذلك، وبعد قرن من الزمان، لا يزال هناك نقص في الأدلة لدعم فاعلية الأقنعة محلية الصنع في منع العدوى مجتمعيا، وفي هذا الصدد تشير كلاس: “لا توجد دراسات إكلينيكية تظهر أن ارتداء كمامة قماشية في المجتمع سيؤدي بالتأكيد إلى تقليل انتقال الأمراض الفيروسية”.
وأثبتت الدراسات منذ فترة طويلة فاعلية معدات الحماية الشخصية الطبية –وليست القماشية- في بيئة سريرية، لكن «كلاس» تعلق على ذلك بالقول “نظرا لأنه يجب حجز هذه الكمامات الطبية للعاملين في الخطوط الأمامية، فقد ركزنا أبحاثنا على كمامات القماش المصنوعة محليا”

الكمامات القماشية وحيرة العلماء

حتى الآن لا يوجد لدى العلماء ما يكفي من الأدلة للتوصية بشكل نهائي بنوع معين من القماش أو طريقة محددة لكمامات محلية الصنع، ومع ذلك حددت أكثر من 20 دراسة أنواعا من الأقمشة يتوقع أن تكون ذات فاعلية في الوقاية، منها القطن والكتان والموسلين والفانيلا.
وما يزيد الأمور تعقيدا أن درجة فاعلية الكمامة القماشية تتناسب عكسيا مع توفير التهوية الجيدة للتنفس، إذ أن مزيدا من الطبقات القماشية يعني مزيدا من الوقاية، ويعني أيضا مزيدا من الاختناق حيث تقل التهوية، وتقول كلاس: “إذا كنت لا تتحمل ارتداء الكمامة فمن الواضح أنك لن ترتديها أبدا”.
معنى هذا أنه لكي تكون الكمامة القماشية ذات فاعلية في حجب العدوى، ينبغي أن تصنع من طبقات قماشية عدة، وهذا ليس الشيء السلبي الوحيد بالكمامة، فهناك أيضا ما أسمته كلاس بـ”العواقب غير المقصودة” الأخرى لكمامات القماش المصنوعة منزليا، كإعطاء مرتديها شعورا زائفا بالأمان المطلق، إذ تقول: «إن أكبر مخاوفنا هو أن ارتداء قناع من القماش سيؤدي إلى إحساس زائف بالأمان»، مما قد يؤدي بدوره إلى الحد من نظافة اليدين والتباعد الجسدي.

ليست مثالية لكنها مفيدة

وفي حين أن البحث حول فاعلية كمامات القماش غير مكتمل حتى الآن، يشير الباحثون إلى وجود «ما يكفي من الأدلة المقنعة» التي ترجح إمكانية الاعتماد على تلك الكمامات للوقاية –ولو بنسبة قليلة- من عدوى فيروس كورونا «كوفيد-19».
وينتقل الفيروس التاجي «SARS-CoV-2» المسبب لفيروس كورونا «كوفيد-19» عبر جزيئات الهباء والقطرات التي يولدها الأشخاص أثناء التحدث والأكل والسعال والعطس، ويمكن لأقنعة القماش أن توقف هذه الجسيمات في مساراتها قبل أن تتمكن من نقل الفيروس.
ورغم أن مسام أنسجة الكمامة القماشية ربما لا تمنع نفاذ فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» عبرها، إلا أن طبيعة الفيروس الذي لا يعلق بالهواء توفر ميزة لتلك الكمامات، فحينها ستكون الكمامات القماشية مسؤولة فقط عن منع الرذاذ المحمل بالفيروس من النفاذ إلى الآخرين، وبالتالي حمايتهم من العدوى بنسبة أفضل من عدم ارتداء الكمامة بالكلية.
في هذا الشأن يقول الباحثون «تستطيع الكمامات القماشية منع الجزيء المثقل بالفيروس من التواجد على الأسطح، وتمنع بالتالي التقاطه لاحقا عن طريق اللمس، وهنا تكمن الفائدة»، إذ يرى خبير الأمراض المعدية المقيم في كندا، الدكتور عبده شرقاوي، في حديثه لتلفزيون «CTV» إن ارتداء مثل هذه الكمامات «أمر بديهي»، قائلا: «إذا كنا مصابين بالمرض ونستطيع حماية أفواهنا لتجنب نشر العدوى إلى شخص آخر على بعد ستة أقدام منا، فمن المنطقي أن الكمامة ستساعد على الأقل عند مستويات التباعد المحدودة».
ويضيف شرقاوي «يجب أن يكون المبدأ هو أن الكمامات ستساعد، لا يوجد سبب يمنعنا من ارتدائها في معظم الظروف للمساعدة في منع انتشار هذه العدوى»، مؤكدا في الوقت ذاته على أن الكمامات ليست «استراتيجية معزولة»، واصفا التباعد الجسدي وغسل اليدين كعناصر أخرى لـ«استراتيجية شاملة» لمنع العدوى.
وبشكل عام لا ترجح منظمة الصحة العالمية ومن ورائها خبراء علوم الطب والأوبئة ارتداء الكمامات الطبية بمختلف مستويات الوقاية بها في الظروف العادية، بهدف تقليل الضغط على توريد تلك المستلزمات وتأثير ذلك في نقص شديد تتأثر به الأطقم الطبية حول العالم، علاوة على أن الكمامات لا توفر حماية مطلقة من العدوى وحدها، وإنما إلى جانب النظافة المستمرة لليدين باستخدام الصابون، والتباعد الاجتماعي.

Related posts

Top