دراسة: 40 مليون شخص حول العالم عانوا من الرق الحديث خلال السنة الماضية

على الرغم من أن العبودية أصبحت أمرا محظورا ومذموما منذ عهود طويلة، وعلى الرغم من مصادقة الدول على اتفاقات وبروتوكولات عدة لمنع الرق والممارسات الشبيهة له، ما زالت العبودية تنتشر وتتوسع في العديد من المجتمعات، وإن اختلفت طرقها وأشكالها عما كانت عليه في العصور القديمة.
فقد كشفت دراسة جديدة، صدرت أول أمس الثلاثاء، أن أزيد من 40 مليون شخص كانوا ضحايا للرق الحديث عبر العالم، خلال السنة الماضية.
وصدرت الدراسة، التي أعدتها بشكل مشترك منظمة العمل الدولية ومؤسسة (ووك فري) بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، تزامنا مع أول أيام مداولات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتظهر التقديرات الجديدة أن النساء والفتيات يتأثرن بصورة غير متناسبة بالرق الحديث، إذ يبلغ عددهن نحو 29 مليونا، بنسبة 71 بالمائة من المجموع الكلي لعدد الضحايا. كما تمثل النساء 84 بالمائة من الأشخاص في الزواج القسري. وتكشف الدراسة أن من بين ضحايا الرق الحديث، البالغ عددهم 40 مليونا، كان نحو 25 مليونا في حالة عمل قسري، و15 مليونا يعيشون في زواج قسري.
بالإضافة إلى ذلك، أصدرت منظمة العمل الدولية تقديرات مصاحبة لعمل الأطفال، تؤكد أن حوالي 152 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاما، يخضعون لعمالة الأطفال.
وأضافت أن عمل الأطفال لا يزال يتركز أساسا في الزراعة (70.9 بالمائة)، كما يعمل واحد تقريبا من كل خمسة أطفال عمال في قطاع الخدمات (17.1 بالمائة) في حين يشتغل 11.9 بالمائة من العمال الأطفال في الصناعة.
وفي هذا السياق، قال المدير العام لمنظمة العمل الدولية غاي رايدر إن “الرسالة التي ترسلها منظمة العمل الدولية اليوم، جنبا إلى جنب مع شركائنا، واضحة جدا: لن يكون العالم في وضع يسمح له بتحقيق أهداف التنمية المستدامة ما لم نزد بشكل كبير من جهودنا لمكافحة هذه الآفات”، مشيرا إلى أنه “يمكن لهذه التقديرات العالمية الجديدة أن تساعد في تشكيل وتطوير التدخلات لمنع كل من العمل الجبري وعمل الأطفال”.
وقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه لا يجوز استرقاق أو استعباد إنسان، وأنه “لا يجوز إخضاع أحد أو استعباده، ويحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما”.
أما الاتفاقية التكميلية لإبطال الرق فقد وسعت الإطار ليشمل الأعراف والممارسات الحديثة الشبيهة بالعبودية.
لكن تقارير عدة منظمات وهيئات دولية تؤكد أن الاسترقاق مازال ممارسة منتشرة في سائر أقطار المعمورة، وتتركز على الخصوص في خمس دول آسيوية، هي الهند والصين وباكستان وبنغلاديش وأوزبكستان. 
وتضيف هذه التقارير أن الفقر والحروب والأنظمة الدكتاتورية ساهمت في زيادة نسبة الرق الحديث بصفة مخيفة. 

أشكال الرق الحديث

تبرز مظاهر العبودية الحديثة في استغلال أشخاص للعمل بلا مقابل أو بأجر زهيد لا يكفل لهم عيشا كريما، أو في الممارسات التي تستغل النساء في مجال الاتجار بالبشر، أو الأطفال لقلة إدراكهم وضعف حيلتهم من خلال تجنيدهم قسرا والزج بهم في الحروب والنزاعات أو استغلالهم وتحويلهم إلى أيد عاملة. وغير ذلك كثير من تلك الطرق التي تسلب المرء حريته وحقه مكرها أو تمعن في استغلال جهله أو حاجته، مثل الاستعباد الجنسي وتجارة الأعضاء والزواج بالإكراه وغيرها.
وفي نفس الوقت، تظل العبودية المعاصرة “غير مفهومة جيدا لأنها كثيرا ما تبقى مستترة داخل المنازل والمجتمعات المحلية وأماكن العمل”، حسب نفس المصدر. وتصف مسؤولة أممية الرق المعاصر.. “غالباً ما يحدث في المناطق التي يصعب الوصول إليها من الدولة أو ما يعتبر ‘عالما خاصا’، كما هو الحال في حالة العبودية المنزلية.
واعتمادا على المعطيات المتوفرة، تصنف الأشكال الرئيسية للرق في العصر الحديث كالتالي:
• العمل القسري: تصنف منظمة العمل الدولية العمل الإلزامي أو القسري بأنه أي “أعمال أو خدمات تفرض عنوة على أي شخص تحت التهديد بالعقاب والتي لم يعرضها الشخص بنفسه طوعا”. وتوجد الأشكال الشائعة من العمل القسري في الصناعات التي تفتقر إلى التنظيم أو التي تستخدم اليد العاملة على نحو كثيف مثل الزراعة ومصائد الأسماك والتشييد والتصنيع والأعمال المنزلية وصناعة الجنس. وقد سلط تقرير منظمة العمل الدولية لعام 2013، الضوء على بعض الشروط القاسية التي يُرغم الناس بموجبها على العمل في قطاع مصائد الأسماك. ويمكن تطبيق هذه الفئة على أشكال متعددة من الرق، حيث يجبر الأشخاص على العمل باستخدام أساليب متنوعة، غالبا ما تشمل التهديد بالعنف أو عبودية الدَّين (السلفات).
وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى أن عدد ضحايا العمل القسري يصل إلى نحو 21 مليون شخص.
• عبودية الدَّين: تعد أكثر أشكال الرق المعاصر شيوعا، وذلك وفقا للجمعية الدولية لمكافحة الرق، وهي منظمة غير حكومية تتخذ من لندن مقرا لها، حيث تقول أن “الشخص يصبح عامل سخرة عندما يُطالب بالعمل كوسيلة لسداد قرض حصل عليه. ثم يخدع الشخص أو يضطر للعمل مقابل مبلغ زهيد جدا من المال أو من دون أجرة، وغالبا ما يكون ذلك لمدة سبعة أيام في الأسبوع”.
وكشف تقرير، صدر عن الأمم المتحدة في عام 2010، أنه في القطاع الريفي في البرازيل، تم إغراء الكثير من العمال الفقراء للعمل في المناطق البعيدة عبر وسطاء قاموا بتحصيل مبالغ مقدمة على مرتباتهم، واعدين إياهم بأجور عالية. غير أن العمال وجدوا أنفسهم مضطرين لأخذ ديون كبيرة لتغطية تكاليف الانتقال والغذاء، دون وجود أي مؤشر واضح لكيفية حساب تلك الديون أو الأجور.  
• الاتجار بالبشر: اتفاقية الأمم المتحدة المعنية بمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية تعرّف الاتجار بالبشر بأنه “تجنيد أو نقل أو تحويل أو إيواء أو استلام أشخاص”، عن طريق التهديد أو استخدام القوة أو وسائل أخرى للإكراه “بغرض الاستغلال”.
وفي جمهورية بنين، تشير تقديرات المكتب الدولي للهجرة، إلى أن عدد ضحايا الاتجار بالبشر يصل إلى أكثر من 40.000 طفل.
• الزواج القسري: يحدث هذا النوع من الزواج عندما لا يدخل الفرد في الزواج بموافقة حرة وكاملة. وتصنف “الاتفاقية التكميلية لإبطال الرق” لعام 1956 أي ممارسة يتم فيها “وعد امرأة أو التخلي عنها، دون أن يكون لها الحق في الرفض، من أجل الزواج، نظير دفع مبلغ من المال أو مقابل عيني لوالديها، أو الوصي عليها، أو الأسرة أو أي شخص آخر أو مجموعة” بأنها عمل غير قانوني. كما تحظر الاتفاقية تنازل الزوج عن زوجته مقابل مبلغ من المال، وتحظر أيضا الاستيلاء على إرث المرأة بعد وفاة زوجها. وعلى الرغم من أن التعريف لا ينطبق إلا على النساء والفتيات (اللاتي يتحملن العبء الأكبر من الزواج بالإكراه) إلا أن هناك دعوات لأن يشمل هذا الرجال والفتيان أيضا.
• استرقاق الأطفال: استرقاق الأطفال واستغلالهم، بما في ذلك استخدام الأطفال في الصراعات المسلحة، هو صنف آخر من الأصناف الشائعة للرق المعاصر. ويشمل أسوأ أشكال عمل الأطفال، وفقا لتعريف منظمة العمل الدولية، بيع الأطفال والاتجار بهم، والعمل القسري، والعبودية والاستخدام الإجباري للأطفال في الصراعات المسلحة.
• العبودية: هي حالة يعتبر فيها شخص أو مجموعة من الأشخاص ملكا لمالك العبيد وتمكنه من الاتجار بهم، لكنها أقل صور العبودية شيوعا في الوقت الحاضر. وفي مثل هذه الحالات، يتحكم مالك العبيد في الضحايا وذريتهم، وبالتالي يصبح هؤلاء الأفراد في الغالب مستعبدين منذ الولادة. 
وعلى الرغم من أنه قد تم أخيرا تجريم الرق في موريتانيا في عام 2007، وهو ما أدى إلى عتق رقاب الكثير من الناس، ولكن لم تتم إدانة سوى عدد قليل من ملاك العبيد بتهمة ممارسة هذه الجريمة. ولا تزال العبودية تمثل مشكلة خطيرة في الدولة، إذ تفيد تقديرات المؤشر العالمي للرق بأنه لا يزال هناك ما بين 140.000 إلى 160.000 عبد في موريتانيا.

Related posts

Top