“دعونا نتحرك، قبل فوات الأوان”.. مبادرة أبيدجان لتحقيق الأمن الغذائي والتنوع البيولوجي

تتواصل بالعاصمة الإيفوارية ابيدجان فعاليات مؤتمر الأطراف في معاهدة الأمم المتحدة حول محاربة التصحر،  في نسخته الخامسة عشر (COP15).
وعلى مدى أسبوعين (9 إلى 20 ماي الجاري)، يناقش المجتمع الدولي شبل مكافحة الخطر البيئي الكبير المتمثل في محاربة التصحر ومخلفات الجفاف، حيث يعتبر الخبراء قمة ابيدجان بمثابة الفرصة الأخيرة لتقديم حلول لتدهور التربة المتسارع في جميع أنحاء الكوكب. بينما يعتزم العشرات من رؤساء الدول الحاضرين إيجاد حلول ملموسة أخذا بعين الاعتبار تزايد عدد سكان العالم. هذا المؤتمر الذي يأتي في زمن يتميز بالتقاعس عن العمل البيئي ممالا يترك مجالا كبيرا للتفاؤل. هذا التجمع البيئي الكبير الأقل شهرة من مؤتمرات المناخ ولكنه يتعلق بخطر لا يقل خطورة عن الاحتباس الحراري، ويهدف المؤتمرون إبطاء زحف التصحر وإزالة الغابات واستنزاف الأراضي الصالحة للزراعة أو تلوث التربة، ويشارك سياسيون بمن فيهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في القمة عبر تقنية الفيديو. بينما هناك ما مجموعه 197 طرفا ودولة لديها مهمة التفاوض على أهداف مشتركة ليتم تنفيذها على مدى السنوات العشر القادمة.
وقد أعرب الرئيس الإيفواري الحسن واتارا، الذي يرأس القمة، خلال جلسة الافتتاح، عن مخاوف جدية: “قمتنا تنعقد في سياق حالة طوارئ مناخية”. وأشار الرئيس الإيفواري إلى أن تدهور التربة يؤثر على 52٪ من الأراضي الزراعية ويهدد 2.6 مليار شخص. ووفقا لتقرير هيئة الأمم المتحدة يتم فقدان 12 مليون هكتار من الأراضي كل عام – وهي مساحة تعادل مساحة بنين أو بلجيكا. وفي مواجهة هذه الحالة الطارئة، وعد رئيس الدولة المضيفة لمؤتمر الأطراف الخامس عشر بجعل كوت ديفوار “مختبرا لاستراتيجية جديدة لاستعادة الأراضي المتدهورة”. ومن بين المشاريع المطروحة: السور الأخضر العظيم وهو مشروع كبير يهدف إلى استعادة مائة مليون هكتار من الأراضي القاحلة في إفريقيا بحلول عام 2030. وفي نفس السياق قال رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد إن “مكافحة إفريقيا للجفاف وتداعياته أدت إلى ظهور العديد من الاستراتيجيات وفي الحقيقة كل هذه الاستراتيجيات وكل هذه المؤتمرات لم تحقق النتائج المرجوة” بل لن يكون هناك ما يثير الدهشة فوفقا للعديد من النشطاء البيئيين: مؤتمرات الأطراف والقمم الرسمية الأخرى ستكون فقط “معارض” حيث تقوم الشركات متعددة الجنسيات “بشراء تصاريح للتلويث فقط”.
وسيكون التصحر والتعرية والاستغلال المفرط للتربة في قلب جدول الأعمال البيئي طيلة أسبوعين في أبيدجان حيث يهدف هذا الاجتماع الدولي، “الأخ الشقيق الصغير” لقمتي المناخ والتنوع البيولوجي، إلى مكافحة تدهور الأراضي، وهي ظاهرة تؤثر على 40٪ من سطح الكوكب وتؤثر على نصف البشرية وتتفاقم وفق هذا “السيناريو” “سيؤدي إلى تدهور إضافي لمنطقة تعادل مساحة أمريكا الجنوبية في عام 2050″، وفقا لتقرير تم الكشف عنه قبل مؤتمر الأطراف الخامس عشر هذا والذي يحذر من “إساءة استخدام موارد الأرض – التربة والمياه والتنوع البيولوجي – يهددان صحة وبقاء العديد من الأنواع ، بما في ذلك أنواعنا ” فعلى المدى القصير يعد الموضوع حاسما للأمن الغذائي للقارة الأفريقية.

جلالة الملك محمد السادس يدعو إلى إرساء “تحالف إفريقي فعلي لمواجهة الجفاف”

جلالة الملك محمد السادس، دعا إلى “إرساء تحالف إفريقي فعلي لمواجهة الجفاف”مع تمكينه من الموارد المالية والتكنولوجية الملائمة، والكفيلة ببلورة إجراءات فعالة وناجعة في هذا الشأن. وأشاد جلالة الملك، في خطاب وجهه الاثنين إلى أشغال القمة المنعقدة بأبيدجان حول الجفاف والتدبير المستدام للأراضي، “بمبادرة أبيدجان، التي ستتوج أشغال قمتنا، راجين أن تشكل أرضية لتعبئة مستدامة وعملية، حتى يتسنى ترجمة الالتزامات السياسية إلى إجراءات ملموسة”، وبعد أن أكد جلالته العزم الراسخ “على محاربة هذا العدو المشترك، بسلاح العمل المنسق والتضامني”، أبرز أن هذه القمة من مستوى عال تندرج ضمن العديد من المبادرات الإقليمية البارزة، المتوافقة مع ظروف الواقع الإفريقي، والتي تسهم مجتمعة في انبثاق قدرة القارة الإفريقية على التأقلم مع الجفاف، وأوضح جلالة الملك في الخطاب الذي تلاه وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات محمد صديقي، أنه لا مناص من الإقرار بأن المناخ ماض في التغير، وأن الموارد المائية آخذة في التناقص، فضلا عن تزايد أعداد السكان، وتوسع نطاق المدن، في مقابل انحسار الأراضي الزراعية وتدهورها. وشدد جلالة الملك على أنه بموازاة الاستحقاق المنبثق عن الدورة الخامسة عشرة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، فإن قمة أبيدجان تطرح “تصورا عمليا لا يسعنا إلا الترحيب به، وأكد جلالته أن “اقتناعنا بحتمية مكافحة الجفاف وتدهور الأراضي أمر محسوم” وأنه قد آن الأوان للانتقال الفعلي إلى تسريع تنزيل البرامج التنفيذية لمكافحة التصحر، في إطار تعاون إقليمي وثيق وملموس يتسم بالواقعية، مهنئا جلالته رئيس جمهورية كوت ديفوار، فخامة السيد الحسن درامان واتارا، على التنظيم الناجح لهذه القمة المنعقدة حول الجفاف والتدبير المستدام للأراضي، على هامش الدورة الخامسة عشرة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر.
كما أشاد جلالة الملك بكون “مبادرة أبيدجان”، تشكل استمرارا للزخم الذي أسفرت عنه “قمة العمل الإفريقية من أجل انبثاق قاري مشترك”، وهي القمة التي نظمت بمراكش على هامش الدورة 22 لمؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، ولاحظ جلالة الملك أن هناك تكاملا تاما بين “مبادرة أبيدجان” ولجان المناخ الثلاث الخاصة بإفريقيا، والتي انبثقت عن قمة مراكش لسنة 2016. وهي: لجنة حوض الكونغو؛ ولجنة منطقة الساحل؛ ولجنة الدول الجزرية، مؤكدا جلالته أن مبادرة أبيدجان تنسجم تماما مع “مبادرة تكييف الزراعة في إفريقيا” و”مبادرة الاستدامة والاستقرار والأمن في إفريقيا.
كما تطرق الخطاب الملكي إلى الوضع في إفريقيا حيث أصبح التصحر يهدد ملايين الهكتارات، بفعل زحف الرمال الذي يتزايد في بعض المناطق بمعدل خمسة كيلومترات في السنة، مبرزا جلالته أن تدهور الأراضي يشكل عاملا يسهم في استفحال أوجه الضعف والهشاشة وشدد صاحب الجلالة على أن الأمن الغذائي والأمن الإنساني، والأمن بوجه عام، أصبح إلى جانب الأمن البيئي، موضوعا على المحك، مؤكدا جلالته أن كل أرض تهجرها الحياة يستوطنها انعدام الأمن.
وفي هذا الصدد، أبرز جلالة الملك أن “المناطق المعروفة بتدهور ظروفها البيئية بشكل بالغ، هي في الغالب، المناطق نفسها التي تندلع فيها الصراعات والنزاعات، ويضطر فيها السكان للنزوح والهجرة، وتسعى الجماعات الإرهابية والانفصالية إلى التسلل إليها وأكد جلالة الملك أن مكافحة التصحر وتدهور الأراضي “تمثل بحق، معركة من أجل البقاء، يتحتم أن ينخرط فيها الجميع، ولا سيما إفريقيا. بل ويجب ألا يقف في طريق هذا الكفاح، لا غياب القدرات التكنولوجية، ولا انعدام الموارد الاقتصادية، بل ولا حتى ضعف الإرادة السياسية وحرصا على ضمان النجاح في هذه المعركة ضد التصحر، حدد الخطاب الملكي الجبهات التي يجب الانخراط فيها ، والتي “تتمثل في الحد من قابلية التأثر بالجفاف؛ وبناء القدرات من أجل الإدارة المستدامة للأراضي؛ والعمل على تضافر الجهود الإقليمية والدولية؛ وتيسير إعداد وتنفيذ حلول تستهدف مشكلات محددة، والتحكم في استغلال الموارد المائية وفي هذا السياق، فإن قمة أبيدجان حول الجفاف والتدبير المستدام للأراضي، وكما أكد ذلك جلالة الملك، “تجسد قوة العزم على تعبئة ملموسة لمواجهة مشكلة الجفاف، التي تشكل تحديا هيكليا في قارتنا الإفريقية، أكثر من أي مكان آخر. كما أنها تعكس بجلاء صورة هذه القارة الإفريقية العزيزة علينا جميعا: إفريقيا المبادرة التي تأخذ زمام مصيرها بيدها
ممارسات أكثر استدامة

التصحر هو تدهور الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة. وهو ناتج في المقام الأول عن الأنشطة البشرية والتغيرات المناخية. لا يشير التصحر إلى توسع الصحاري الموجودة يحدث ذلك لأن النظم الإيكولوجية للأراضي الجافة التي تغطي أكثر من ثلث مساحة اليابسة في العالم معرضة بشدة للاستغلال المفرط والاستخدام غير الملائم للأراضي ويمكن أن يؤدي الفقر وعدم الاستقرار السياسي وإزالة الغابات والرعي الجائر وممارسات الري السيئة إلى تقويض إنتاجية الأرض.
ويتم الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف كل عام لتعزيز الوعي العام بالجهود الدولية لمكافحة التصحر. يعتبر هذا اليوم لحظة فريدة لتذكير الجميع بأن حيادية تدهور الأراضي يمكن تحقيقها من خلال حل المشكلات والمشاركة المجتمعية القوية والتعاون على جميع المستويات، فالأمر يتطلب المزيد من الاهتمام الآن فعندما تتدهور الأرض وتتوقف عن كونها منتجة، تتدهور المساحات الطبيعية وتتحول وبالتالي، تزداد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وينخفض التنوع البيولوجي، وهذا يعني أيضا أن هناك عددا أقل من المساحات البرية لحماية الأمراض الحيوانية المنشأ، مثل كوفيد19، وحمايتنا من الأحداث المناخية القاسية، مثل الجفاف والفيضانات والعواصف الرملية والترابية، لذلك تدعو أمانة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر المجتمع العالمي إلى التعامل مع الأرض بوصفها رأسمال طبيعي محدود وثمين، وبالتالي إعطاء الأولوية لصحتها في التعافي من الجائحة والضغط بشدة لاستعادة النُظم الإيكولوجية للأرض من خلال عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظام الإيكولوجي. ولكل فرد دور يضطلع به، فالجميع شركاء في المستقبل.

المغرب بطلق برنامج العمل الوطني لمحاربة التصحر

في أعقاب قمة ريو وتحت إلحاح الدول النّاميّة ثم تشكيل لجنة مفاوضات لتدارس موضوع اتّفاقيّة الأمم المتّحدة حول محاربة التّصحر والتي عملت لمدّة سنتين من أجل إعداد مشروع الاتفاقية المتبناة في سنة 1994 و انضم المغرب إلى هذه الاتفاقية في نفس السنة وقام بالمصادقة عليها سنة 1996، من بين التزامات أطراف معاهدة الأمم المتحدة لمحاربة التصحر ولاسيما الدول الأكثر تضررا فقد ثم التركيز على ضرورة إعطاء الأولويّة لمحاربة التصحر من خلال تخصيص الموارد الكافية، ومعالجة الأسباب الجذريّة للتصحر مع إيلاء اهتمام خاص للعوامل السوسيو-اقتصاديّة والقيام بالإصلاحات اللازمة في إطار سياسات جديدة على المدى البعيد وبرامج عمل جديدة، التزاما ووفاء منه بتعهداته اتجاه المجتمع الدولي من جهة، ووعيا منه بمحدودية المقاربات المتّبعة من أجل التخفيف من تدهور الموارد الطبيعية من جهة أخرى، فإن المغرب كان مدعوا لاعتماد برنامج عمل وطني لمحاربة التصحر في يونيو 2001 وتعزيز جهوده وتعبئة الوسائل الضرورية لمحاربة التصحر مع إدماج استراتيجيات القضاء على الفقر ضمن المجهودات المبذولة للقضاء على هذه الآفة، إن الاختيار الذي اتخذه برنامج العمل الوطني لمحاربة التصحر كان إعطاء الأولوية لإتمام البرامج القطاعيّة القائمة وتحفيز تنفيذها وخلق دينامية حقيقية للتنمية القروية على أساس الإدماج الترابي والشراكة والمقاربة التشاركية، وصمم برنامج العمل الوطني لمحاربة التصحر في أفق تكريس الالتقاء والانسجام بين مختلف البرامج القطاعية، وذلك عبر تحفيز الإجراءات المتخذة في كل مراحلها والتي تهم دعم ومتابعة عمليّ مكافحة التصحر ودعم المبادرات المدرة للدخل، ودعم اتخاذ إجراءات لمحاربة التصحّر والتخفيف من آثار الجفاف، وتعزيز وتطوير المعارف وأنظمة الرصد حيث تهدف المجموعة الأولى من الإجراءات بصفة خاصة إلى تعزيز المناخ السياسي والتشريعي والمؤسساتي وكذلك قدرات الفاعلين، بينما المجموعة الثانية من الإجراءات ترمي إلى تجربة نماذج جديدة للتنميّة التشاركية وكذا تطوير وتحسين الولوج إلى القروض الصغيرة لتمويل الاستثمارات المحلية في حين تهم الحزمة الثالثة من الإجراءات التنمية المندمجة للمناطق النموذجية الغابوية وضواحي الغابات، إنشاء غابات قروية ومصدات الرياح وكذا تشجيع عملية تجميع مياه الأمطار واستعمال الطاقات المتجددة، وأخيرا ترمي الحزمة الرابعة من الإجراءات إلى القيّام بجرد الموارد الطبيعية وتعزيز شبكة المراقبة البيئية، وإنشاء مرصد للجفاف وتتبع وتقييم آثار هذه البرامج، ويتولى قطاع المياه والغابات مهمة تنسيق السياسة الحكومية في مجال محاربة التصحر، تسهر مديرية محاربة التصحر وحماية الطبيعة التّابعة للقطاع على تنفيذ اتفاقية الأمم المتّحدة المتعلقة بمحاربة التصحر على المستوى الوطني، وتقوم بتتبع وتنفيذ برنامج العمل الوطني لمحاربة التصحر، وتشغل كذلك منصب الأمانة الدائمة للجنة ريادة برنامج العمل الوطني وهيئة التنسيق الوطنية، ومكنت عملية التشاور مع الشركاء في التنمية من تعيين اثنين من القيادات الرائدة وهما: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وذلك على مستوى الشركات المتعددة الأطراف، وجمهورية ألمانيا الاتحادية بالنسبة للشراكات الثنائية ويتوخى من هذه الشراكات دعم المغرب في مجال البحث وحشد الدعم لاسيما الدعم المادي من أجل تنفيذ برنامج العمل الوطني، ويوفر أيضا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الدعم لمحاربة التصحر في إطار برنامج الدعم للقضاء على الفقر في المناطق القروية ومحاربة التصحر والأثار الناجمة عن الجفاف والذي يهدف أساسا إلى تنفيذ مبادئ استراتيجية 2020 للتنمية القروية. تبلغ التكلفة الإجمالية لهذا البرنامج حوالي 3.310.000 دولار تقدر فيه مساهمة الدولة ب 2.625.000 دولار وذلك بدعم من وكالة التنمية الاجتماعية ووكالة إنعاش وتنمية الشمال ووزارة الفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري وقطاع المياه والغابات، وتقدم الجمهورية الألمانية الاتحادية دعمها لإنجاز مشروع الدعم الخاص بتنفيذ برنامج العمل الوطني لمحاربة التصحر على فترة ست سنوات (2003-2008) من أجل تعزيز آليات التنسيق على مختلف الأصعدة قصد تنفيذ برنامج العمل الوطني وتفعيل مبدأ المشاركة والإدماج والشراكة على مستوى جهة نموذجية سوس-ماسة-درعة، فقد قامت الآلية العالمية لمشروع اتفاقية مكافحة التصحر بتقديم دعمها من أجل تحديد حافظة للمشاريع ذات الأولوية التي تمت الموافقة عليها في شتنبر 2014 والتي تم عرضها على الشركاء في التنمية من أجل إدراج التزامات محتملة، و بالفعل جرى تمويل بعض المشاريع التي تحظى بالأولوية أما الأخرى فهي حاليا قيد الدرس والمناقشة، إن انتقاء هاته المشاريع يقوم على أسس موضوعية ومكانية وقد عرضت سنة 2007 خلال انعقاد ورش تعزيز الشراكة الهادفة إلى تنفيذ برنامج العمل الوطني لمحاربة التصحر، وبدوره يقوم الاتحاد الأوروبي بتقديم دعمه للمغرب من خلال مرصد الصحراء والساحل وذلك في إطار مشروع التتبع البيئي والتنبيه المبكر للجفاف، ومن جهة أخرى، فإن كل من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية والصناعية التابع لمنظمة الأمم المتحدة وصندوق البيئة العالمي يدعمان المغرب من خلال مشروع مكافحة التصحر في النظم البيئية الجافة وشبه-الجافة بالهضاب العليا الشرقية. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من المشاريع ذات الصلة بمحاربة التصحر وآثار الجفاف أنجزت بدعم من التعاون التقني.
ويقوم مرصد الصحراء والساحل بدعم كل ما يتعلق بتداول المعلومة وتتبع ظاهرة التصحر وكذا آليات التتبع والتقييم الخاصة بكل من برنامج العمل الوطني، وآثار المشاريع على الموارد الطبيعية ومراقبة مختلف النظم البيئية، كما أن هذه المؤسسة تقوم بتوفير الدعم لتعريف مؤشرات تتبع التصحر وتنفيذ برنامج العمل الوطني، على صعيد آخر، يتوفر المغرب على ثلاثة مواقع مصنفة في إطار مشروع روزيلت والتي يمكن استخدامها في اختبار مؤشرات تتبع وتقييم التصحر وأثر المشاريع المخصصة لمكافحة التصحر، وفي إطار تعزيز مشاركة المجتمع المدني المغربي في تنفيذ برنامج العمل الوطني لمكافحة التصحر، تم إنشاء جهة وصل ريود مع تعيين الجمعية إيندا مغرب كمركز تنسيق لهذه الشبكة، وشرعت الأخيرة في عملية تأمل بدعم من الآلية العالمية بشأن أشكال المساهمة ودور المنظمات غير الحكومية في مجال مكافحة التصحر. ولهذه الغاية، تم تنظيم ورشتي عمل إقليميتين (فكيك – مراكش) وورشة عمل وطنية (الرباط) من أجل مشاركة وتقاسم أهداف ومكونات برنامج العمل الوطني لمحاربة التصحر التي تم تطويرها في إطار اتفاقية مكافحة التصحر مع الجمعيات، وتعميق فهم الإشكاليات البيئية المطروحة في المناطق الجافة وشبه الجافة، وخاصة إشكالية التصحر، وتحفيز النقاش حول الحلول التي ينبغي تنفيذها مع حث الجمعيات على التفكير في الدور الذي يمكن أن تلعبه في مجال محاربة التصحر وإشراكهم في تحديد أفكار المشاريع وأخيرا شرع المغرب وبدعم من الآلية العالمية في عملية تأمل وتفكير لتحديد الموضوعات والمجالات وكذا المشاريع ذات الأولوية المزمع تنفيذها في إطار برنامج العمل الوطني من ناحية، ووسائل وآليات التمويل التي سيتم تعبئتها من ناحية أخرى. وقد تم إطلاق ثلاث مشاورات في هذا الشأن، وأخيرا سيتطلب نجاح هذا البرنامج في بعده المزدوج من التزام سياسي وآلية للتخطيط للإجراءات المتجددة والملموسة لا من حيث التدخلات أو مناهج التنفيذ، مع تعبئة جميع الطاقات المتاحة، حيث سبق للمغرب أن أكد غير ما مرة أن إطلاق لجنة المناخ للدول الجزرية ضرورة بيئية، واقتصادية، واجتماعية، وإنسانية أكثر من أي وقت مضى حيث أن الالتزام الكامل للمملكة بمواصلة الدينامية التي انطلقت خلال القمة الإفريقية الأولى للعمل لفائدة صعود قاري مشترك حول مشاريع عابرة للحدود طموحة وملموسة، فالمغرب اليوم يقدم الدعم المالي والتقني للجهود الرامية إلى ضمان فعالية لجنة المناخ للدول الجزرية بنفس العزيمة التي أبان عنها في تفعيل لجن المناخ الأخرى لحوض الكونغو ومنطقة الساحل، وبنفس الوسائل التي تم توفيرها.
وأضاف أن الإطلاق الرسمي للجنة المناخ للدول الجزرية، الذي يدشن مرحلة مهمة في مسلسل تفعيلها، يندرج في إطار استمرارية مسلسل انطلق خلال القمة الإفريقية للعمل، والتي دعا إليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، على هامش الكوب 22 في 2016 بمراكش حيث أن القارة الإفريقية تعاني بشكل غير عادل من انعكاسات التغيرات المناخية حيث لا تتجاوز نسبة إصداراتها للغازات المسببة للاحتباس الحراري على المستوى العالمي أقل من 4 في المائة، مشيرا إلى أن ” عملنا أصبح ضروريا أمام الحاجة إلى رفع مستوى الانخراط اتجاه القارة بشكل عاجل، في وقت ينتظر فيه أن تقوم الاستثمارات الضخمة بتخفيض الخطر الذي تمثله التغيرات المناخية”، وعلى غرار القارة الإفريقية، تؤدي الدول الجزرية ثمن تداعيات التغيرات المناخية والتي لا تساهم فيها على الإطلاق، فهذه البلدان الشقيقة تواجه تحديات استثنائية بالنظر للظواهر الجوية الخطيرة التي تهدد السلامة ووسائل العيش الضرورية لساكنة هذه المناطق”، فالاهتمام الذي يجب إعطاؤه للجنة المناخ للدول الجزرية نابع من ضرورة منح الأولوية لمشاريع التنمية التي دائما ما يتم تعليقها لتمنح المجال لنفقات عمومية موجهة للاستعدادات ولإجراءات الإنقاذ في حال وقوع كوارث.

من أنقرة إلى أبيدجان .. للمغرب حاضر في مؤتمرات الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر

تبقى من أهم المخرجات البيئية للدورة الثانية عشرة لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر التي عقدت في العاصمة التركية أنقرة بمشاركة المغرب إنشاء صندوق مليار دولار لتمويل الحياد من حيث تدهور الأراضي حيث كان ينتظر أن يعمل هذا الهيكل الجديد الذي سيدخل حيز التنفيذ اعتبارا من عام 2016 على تعبئة الأموال اللازمة لدعم حياد تدهور الأراضي من أجل تعزيز الاستثمار في الإدارة المستدامة للأراضي وتقييم مؤشرات التدهور، ويعرف حياد التدهور وفقا للأمم المتحدة بأنه الحالة التي تكون فيها كمية الأراضي السليمة والمنتجة مستقرة أو متزايدة من حيث الإنتاجية البيولوجية والاقتصادية ويمكن تحقيق هذه الحالة من خلال تجنب تدهور الأراضي وإعادة تأهيل تلك التي تدهورت بالفعل ضمن أطر زمنية وأنظمة بيئية محددة.
وخلال هذه الدورة الثانية عشرة لمؤتمر الأطراف، والتي مثلت المغرب فيها من قبل المندوبية السامية للمياه والغابات ومكافحة التصحر، تم اتخاذ عدة قرارات بهدف الحد من تأثير تدهور الأراضي من خلال دمج هذا المفهوم حيادية الأراضي كهدف استراتيجي حيث تقرر إنشاء مؤشرات مشتركة لتقييم التقدم المحرز وتعزيز المبادرات التي تمكن الأرض من التكيف مع تغير المناخ كما تم الاتفاق أيضا على تدابير لتعزيز التفاعل بين اتفاقيات ريو دي جانيرو الثلاث وتعبئة الموارد المالية من خلال أهداف طوعية متعددة الأبعاد ، لوضع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في سياق دولي أوسع بهدف الحصول على تمويل أكبر. الموارد وإبرام اتفاقية جديدة مع مرفق البيئة العالمية ميزانية أولية قدرها 8 مليارات دولار ستخصص لتحديد الأهداف ومؤشرات الحياد بشأن تدهور الأراضي كما اتفق المشاركون في هذا المؤتمر على تعزيز دور اللجنة العلمية والتقنية ومشاركة الشبكات ومنظمات المجتمع المدني في تبادل المعلومات المتعلقة بتدهور الأراضي والإدارة المستدامة للتربة وعقد هذا المؤتمر في سياق محدد للغاية بعد اعتماد برنامج عالمي جديد للتنمية المستدامة لكوكب الأرض وعقد المؤتمر الحادي والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 2015

لماذا مؤتمر الأطراف لمحاربة التصحر؟

تم إنشاؤه بمناسبة قمة الأرض في ريو دي جانيرو في عام 1992 – في نفس الوقت مع مؤتمري الأطراف الآخرين المخصصين لتغير المناخ والتنوع البيولوجي – ودخلت حيز التنفيذ في عام 1996، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD) تم الاجتماع منذ عام 1997. وفقًا للأمم المتحدة ، يشير التصحر إلى “تدهور الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة نتيجة لعوامل مختلفة ، بما في ذلك التغيرات المناخية والأنشطة البشرية”. أقل شهرة من مؤتمرات الأطراف الأخرى، يتصور هذا المؤتمر ظاهرة ذات أهمية خاصة للإيكولوجيا والتنمية المستدامة ووفقا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فإن ربع مساحة الأرض الخالية من الجليد قد تدهورت. تقدر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر أن أكثر من ثلاثة مليارات شخص يتأثرون بظاهرة تدهور الأراضي ويعيش 500 مليون منهم بالفعل في مناطق تتعرض للتصحر. هذا الوضع له أيضا تأثير على الهجرة، هدفت الدورة الرابعة عشرة لمؤتمر الأطراف ، التي عقدت في دلهي ، الهند ، في الفترة من 2 إلى 13 سبتمبر 2019 ، إلى تنفيذ حلول ملموسة لإعادة تأهيل الأراضي: منع تآكل التربة ، وإدارة موارد المياه ، وتحسين إدارة المراعي والغابات والثروة الحيوانية ، وإعادة التحريج. ولذلك حددت 122 دولة من الدول الأطراف في الاتفاقية لنفسها أهدافًا في هذا الاتجاه ، واعتمد 80 دولة أهدافا وطنية بهدف الحد من تدهور الأراضي. بمشاركة 9000 مشارك من 196 دولة كان موضوع الدورة الرابعة عشرة لمؤتمر الأطراف هو “الاستثمار في الأرض: توسيع الفرص”. من خلال الجمع بين ضرورة استعادة الأراضي والتنمية الاقتصادية وتحسين الظروف المعيشية، مكن مؤتمر الأطراف الرابع عشر من اعتماد حوالي ثلاثين قرارا يجعل من الممكن جعل الحياد فيما يتعلق بتدهور الأراضي أولوية. كانت مشاركة الجهات الفاعلة غير الحكومية وتعبئة الموارد المالية المبتكرة في صميم مؤتمر الأطراف الرابع عشر، والذي مكن بشكل خاص من إطلاق مبادرة “غابة السلام” في كوريا الجنوبية.

تقرير ناري للمنبر الحكومي الدولي للتنوع البيولوجي

“الكثير من اللحوم والكثير من الدهون والكثير من السكر والكثير من المنتجات المصنعة … النظام الغذائي الغربي المعولم بشكل متزايد هو السبب الرئيسي لفقدان التنوع البيولوجي في العالم”. هذا هو أحد الدروس الرئيسية من الملخص لصانعي القرار الذي تم اعتماده من قبل 132 دولة عضو في المنبر الحكومي الدولي للتنوع البيولوجي وهو ما يعادل هيئة علماء المناخ، هذا الملخص الذي تم التفاوض عليه سطرا بسطر من قبل الوفود لمدة أسبوع، يأتي من تقرير مكون من 1800 صفحة عمل عليه 450 خبيرا لمدة ثلاث سنوات من 15000 مرجع، إنه التقييم العلمي الأكثر شمولا لحالة الطبيعة منذ تحليل الألفية التاريخي المنشور في عام 2005 ومن بين العديد من البيانات الواردة فيه يقدر الباحثون أن مليون نوع على ما يقدر بثمانية ملايين على الكوكب مهددة بالانقراض بالإضافة إلى ذلك تظهر 75٪ من البيئة الأرضية و 40٪ من البيئة البحرية “علامات تدهور كبيرة”.

زراعة صناعية وممولة بشكل متزايد

ويشير التقرير في المقام الأول إلى التغيرات في استخدام الأراضي بسبب الزراعة والصيد الجائر للمحيطات فمنذ عام 1970، كانت هناك زيادة بنسبة 300٪ في الإنتاج الزراعي منذ عام 1970 ويمثل هذا ثلث مساحة اليابسة عندما يتم تغطية أكثر من 55٪ من مساحة المحيط بالصيد الصناعي فخلال عشرين عاما تم فقد 100 مليون هكتار من الغابات الاستوائية، ويرجع ذلك أساسا إلى تربية الماشية في أمريكا اللاتينية والمزارع، وخاصة أشجار النخيل الزيتية ، في جنوب شرق آسيا، حيث تم فقدان ما يقرب من ثلث مساحة الغابات في العالم مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة و يرجع هذا التوسع المتزايد للمناطق الزراعية إلى النمو السكاني وظهور طبقات وسطى جديدة تصل إلى مستويات استهلاك كثيفة الاستخدام للموارد بشكل خاص. تدفع العولمة إلى تجانس الإنتاج الغذائي والزراعي. نظام اللحوم ، على سبيل المثال، يعبئ ثلث المحاصيل عن طريق الحبوب لتغذية الحيوانات وفي المجموع ثلاثة أرباع الاستخدام الزراعي للأرض.
“السبب الأول لفقدان التنوع البيولوجي هو التغيير في استخدام الأراضي، لصالح الزراعة الصناعية والتمويلية بشكل متزايد، لإرضاء نظام غذائي معولم بشكل متزايد والمزيد والمزيد من اللحوم والدهون والحلويات”، يلاحظ يان لورانس مدير برنامج التنوع البيولوجي والنظم البيئية في منظمة IDDRI حيث نشرت المنظمة مؤخرا تقريرا يعتبر أن الزراعة الإيكولوجية يمكن أن تطعم جميع الأوروبيين في عام 2050.

حفظ الطبيعة.. حماية البيئة.. وإنقاذ المناخ

من بين العوامل الأخرى المسؤولة عن انهيار التنوع البيولوجي، هناك أيضا تغير المناخ. وجد المؤلفون أنه في ظل ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويتين، فإن 5٪ من الأنواع مهددة بالانقراض مقارنة بـ16٪ في عالم عند 4.3 درجة مئوية، وهو مسارنا الحالي. وحتى في ظل الاحترار العالمي الذي يقتصر على 1.5 درجة مئوية، فمن المتوقع أن تتقلص معظم نطاقات الأنواع الأرضية بشكل كبير. وكتب المؤلفون “مما يعني أننا تسببنا بالفعل في خسائر لا يمكن تعويضها في عالمنا الطبيعي”.
وعقبت لورانس توبيانا، المدير العام لمؤسسة المناخ الأوروبية (ECF): “هناك الكثير من العوامل المشتركة بين أسباب تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي، وهذا التقرير يثبت أنه لا يمكننا إنقاذ المناخ إلا إذا حفظنا الطبيعة أيضا”. لتحويل مجتمعاتنا أو سنعرض وجودنا ووجود العالم الطبيعي الأوسع للخطر. ما مقدار الأدلة التي يحتاجها السياسيون لتسريع الجهود لحماية بيئتنا ومستقبلنا؟”.
في حين أن أهداف أيشي لحماية التنوع البيولوجي ، التي حددتها الدول في عام 2010، لن يتم الوفاء بها إلى حد كبير بحلول عام 2020، ستتم مناقشة حلول أكثر تفصيلا العام المقبل في الصين في الاجتماع الخامس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع البيولوجي. قدر روبرت واتسون، رئيس IPBES، أن “شهر أبريل هذا يمكن أن يمثل بداية نقطة تحول باريسية مماثلة لـCOP21 للمناخ”. تقول ريبيكا شو، كبيرة العلماء في الصندوق العالمي للطبيعة، “نحن بحاجة إلى تحديد أهداف صارمة للغاية لعام 2030″، في إشارة إلى طموح يتمثل في إدارة 50٪ من الأرض على نحو مستدام بحلول عام 2030.
وفي الأخير تجسد قمة أبيدجان حول الجفاف والتدبير المستدام للأراضي، قوة العزم على تعبئة ملموسة لمواجهة مشكلة الجفاف، التي تشكل تحديا هيكليا في قارتنا الإفريقية، أكثر من أي مكان آخر. كما أنها تعكس بجلاء صورة هذه القارة الإفريقية العزيزة علينا جميعا: إفريقيا المبادرة التي تأخذ زمام مصيرها بيدها.

محمد بن عبو

خبير في المناخ والتنمية المستدامة رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة

Related posts

Top