دور المجتمع المدني في تنمية السياحة البيئية

شكل “دور المجتمع المدني في السياحة المسؤولة والمستدامة” محور ملتقى إقليمي نظمته، من 25 إلى 27 يوليوز الماضي في عمان بالأردن، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) ومؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، بمشاركة ممثلين عن مصر ولبنان ودولة فلسطين والمغرب وتونس والأردن.
وأعربت ابتسام أيوب، أمين سر اللجنة الوطنية الأردنية، خلال الجلسة الافتتاحية عن رغبتها في بلوغ مرامي الملتقى من خلال تبادل الخبرات حول السياحة البيئية والتراث الثقافي والبيئي ودور المجتمع في تنميتها والنهوض بها، من أجل تحقيق التنمية المستدامة. وأكدت أن السياحة البيئية تعد من أشكال السياحة الحديثة مقارنة بغيرها كالسياحة الترفيهية والتعليمية والدينية، مشيرة أن البعض أطلق عليها بأنها السياحة المستدامة نظرا لأنها تسعى إلى المحافظة على المواقع الطبيعية والتراثية والمساهمة في دمج المجتمعات المحلية في التخطيط للمشاريع التي تهدف إلى تطوير البيئة، والعمل على تقديم وعرض المنتج الطبيعي والتراثي للزوار على نحو ملائم.
وقالت ابتسام أيوب أن السياحة البيئية هي عبارة عن زيارة المواقع الطبيعية من أجل الاستمتاع بالطبيعة وما يصاحبها من معالم ثقافية، وذلك بروح المسؤولية البيئية التي تتضمن المحافظة على المواقع الطبيعية وعدم المساس بها، وتقلل من التأثيرات السلبية للزيارة وتوفر فرصا للمشاركة الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين، في” ضوء اتفاقنا جميعا على أهمية السياحة البيئية المسؤولة وهدفها الرامي لتحقيق تنمية مستدامة فلا بد أن تعمل المؤسسات المجتمعية كافة، حكومية وغير حكومية، على ترسيخ  مفهوم السياحة البيئية”.
وأكدت أن السياحة في الأردن أصبحت النشاط الاقتصادي الثالث المدر للدخل بعد تعدين “الفوسفاط” و”البوتاس”. وأدخل مفهوم السياحة البيئية إلى الأردن في أوائل التسعينات، ليترسخ عنصرا رئيسيا في خطط السياحة الوطنية، خاصة مع نجاح تجربة محمية “ضانا”.
ومن جهتها أستعرضت لبنى شاوني، عن مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة،  مسار نشأة المؤسسة ومهامها، ودور الأميرة الجليلة للا حسناء في جعل التنمية المستدامة مرتكزا مهما تنطلق منه المؤسسة في عمل البرامج لدمج كافة شرائح المجتمع، من قبيل التربية البيئية وحماية الساحل والمناخ، وغيرها. ذلك أن الأهمية المتزايدة للقضايا البيئية والتنمية المستدامة على مستوى العالم، و دعت إلى أهمية المشاركة في البرامج العالمية المتخصصة والمصادقة على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمحافظة على البيئة والتنمية المستدامة. ومن هذه الشراكات شراكة المؤسسة محمد السادس لحماية البيئة مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة.
ودعت شاوني إلى إيلاء الأهمية الازمة للسياحة وتحقيق التوازن بينها و بين البيئة والمصالح الاقتصادية والاجتماعية. إذ المؤسسة تقوم ببرامج متخصصة للتوعية بأهمية السياحة البيئية المسؤولة، دون المساس بالمصادر الطبيعية كالمياه والتربة والنظام البيئي والتراث الثقافي المادي واللامادي.
وأضاف مصطفى عيد، ممثل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، أن السياحة والأنشطة المرتبطة بها هي من أكثر الصناعات نموا في العالم، نظرا إلى ما تقدمه من عائد اقتصادي، وفي تحقيق التنمية المستدامة. ذلك أن شراكة المنظمة الإسلامية ومؤسسة محمد السادس واللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم تعقد هذا الملتقى للتوعية بأهمية السياحة البيئية المسؤولة والمستدامة، والبحث عن السبل التي من شأنها التقليل من آثارها السلبية على الموارد الطبيعية، وكذا وخلق التوازن البيئي والتنوع الحيوي.
وذكر مصطفى عيد بجهود المنظمة الإسلامية في دعم السياحة البيئية والثقافية في الدول الأعضاء من خلال عقد ورش العمل والملتقيات للنهوض بالقطاع السياحي، والارتقاء بالمرشدين السياحيين وتطوير مهاراتهم، نظرا لأهمية دورهم في التعريف بالمواقع الأثرية والثقافية، من خلال الاستراتيجية التي تبنتها المنظمة الإسلامية في مؤتمر وزراء الثقافة العرب السادس في العام)2009(. 
وأثنى الدكتور أحمد عبيدات، عن وزارة البيئة الاردنية، على دور المنظمة الإسلامية في تعزيز أفاق التعاون بين البلدان الإسلامية وإيجاد شراكات مع المؤسسات البيئية والتنموية والمجتمعات المحلية حيث يندرج هذا الملتقى في سياق مواكبة مستجدات قطاع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتمكين من التواصل الحضاري والقافي بين الشعوب، معتبرا الأردن  من الدول الرائدة في مجال السياحة البيئية من خلال الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني في المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تقوم بها والمحميات الطبيعية والمناطق السياحية المنتشرة في الأردن والتي تجذب الكثير من السياح المحليين والدوليين.
وقدم مصطفى عيد، ممثل الايسيسكو، ورقة  تناول من خلالها  جهود الإيسيسكو في تنمية السياحة الثقافية والبيئية في العالم، وذلك من خلال افتتاح المنظمة لعدة مراكز للسياحة وحماية البيئة. كما تنفذ وتمول المنظمة مختلف الأنشطة الخاصة بالبيئة في كثير من الدول العربية .
واستعرض عيد مختلف الأنشطة التي تقوم بها الإيسيسكو في مجال السياحة البيئية و دور المرشد السياحي ووجوب اتصافه بالمعرفة والمهارات الخاصة بالمناطق التراثية والثقافية، لكونه الناطق باسم ثقافة البلد وتراثها. ثم ذكر بمختلف الملتقيات التي تروم  بناء استراتيجية السياحة الثقافية مند سنة 2009، وهي خارطة طريق تتضمن مجموعة من المفاهيم ومجالات العمل والبرامج التنفيذية الكفيلة بضمان التنمية المستدامة للحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي وهي متاحة في موقع الإيسيسكو. كما أن هناك خطة لتنمية التعاون السياحي تشرف عليها منظمة التعاون السياحي، حيث تركز على سبل تطوير التعاون السياحي ومهمة المنظمة تمويل بعض البرامج والمشاريع ذات العلاقة. 
مؤسسة محمد السادس للبيئة ودورها في تعزيز السياحة المستدامة

وعرضت الورقة الثانية مساعي مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة كمنظمة غير حكومية وغير ربحية. وتناولت من خلالها لبنى شاوني مهام تعزيز حماية البيئة ومجالات عمل المؤسسة التي تتجلى في التربية البيئية والسياحة المستدامة، وإعادة تأهيل المتنزهات، وحماية الساحل. كما أشارت إلى تأثير أنشطة السياحة على البيئة.
وتلعب المؤسسة  دورا مهما في  تحسين وتوعية قدرات المؤسسات السياحية من خلال تنفيذ برامج مختلفة من قبيل  “المفتاح الأخضر”، والذي ينشد دعم وتطوير السياحة المستدامة عن طريق تكوين المهنيين والحد من الأثر البيئي السلبي، إذ عرف المشروع مشاركة  85 مؤسسة تشتغل على  الزراعة الإيكولوجية وتدوير النفايات والتربية البيئية. كما انعكس المشروع إيجابا على البيئة حيث تم حشد جهود العاملين في السياحة البيئية والشركاء المهتمين بهذا القطاع وكذلك التعاون الدولي حيث أن 2600 مؤسسة عالمية حصلت على المفتاح الأخضر من 56 دولة.
وذكرت شاوني ببرنامج اللواء الأزرق، مبرزة أن 25 شاطئا حصل على اللواء الأزرق تبعا لتكوين مسؤولين عن الشواطئ. وكذلك هناك أدوات بيداغوجية تتضمن كيفية الحصول على هذا اللواء. وذكرت ممثلة المؤسسة أيضا بمبادرات المساهمة في تحسين جودة الهواء، مثل الميثاق البيئي حول جودة الهواء للمقاولات والتعويض الطوعي للكربون. كما تم التطرق الى كيفية المحافظة على الأماكن البيئية عن طريق التوعية المجتمعية من خلال الهرم الإيكولوجي بالحدائق العجيبة والخطارات بواحة نخيل مراكش. كما للمؤسسة دور في توعية الشباب من خلال برنامج “الصحفيين الشباب من أجل البيئة”.
وقدم جومان مولاي جهود كتابة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة لدعم الجمعيات الفاعلة في ميدان البيئة والتنمية المستدامة، من حيث تعزيز القدرات حيث تم عقد أكثر من 2000 نشاط توعوي و40 ورشة توعوية تتمحور حول مواضيع علمية ومواضيع تدبيرية ورؤى مستقبلية.
وتناول جومان التشريعات المغربية الخاصة بدعم اشتغال الجمعيات المحافظة على البيئة، من قبيل الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة.

جهود عربية متواصلة

واستعرض محمد أحمد صالح محور السياحة البيئية بمصر، ودورها في تنمية الدخل القومي وتحسين ميزان المدفوعات ومصدرا للعملات الصعبة، وكذا فرصة لتشغيل الأيدي العاملــة وهدفاً لتحقيـق برامــج التنميــة. كما ذكر بمختلف الأنشطة والإنجازات و إحصائيات الدخل الذي تدره السياحة البيئي على مصر .
وكان محور”السياحة الإيكولوجية بتونس: الرهانات والإمكان” موضوع عرض سليمان بن يوسف الأمين من تونس، الذي تناول بالشرح والتحليل أهمية السياحة البيئية وجهود الحكومة التونسية في مجال دعم السياحة البيئية .
وشدد سليمان على وجوب تعزيز السياحة الإيكولوجية والتصرف المستدام للتنوع البيولوجي وتدعيم سبل تثمينه وتقاسم المنافع المتأتية من استغلاله وفقا لمبادئ اتفاقية التنوع البيولوجي، مع الأخذ بعين الاعتبار البعد الاجتماعي وتحسين ظروف عيش السكان المحليين. وتعزيز البنية  التحتية وتهيئة محطات قابلة للتوظيف وتوفير فرص عمل للمجتمع المحلي.
واستعرض سليمان برامج ومشاريع وزارة البيئة في مجال السياحة البيئية. متحدثا عن برنامج النهوض بالسياحة الايكولوجية ودعم التنوع الحيوي البيولوجي الصحراوي الهادف إلى تثمين المشاهد الطبيعية والمنظومات الصحراوية والواحات ومختلف المعارف التقليدية خاصة بالمناطق المحمية بالجنوب التونسي واقتراح آليات لدفع الاستثمار على الصعيد الوطني وتحسين ظروف عيش السكان المحليين حول المناطق المحمية. كما تم تنفيذ مشروع مسلك الجزر التونسية ومشروع مسلك الماء من زغوان إلى قرطاج، ومشروع مسلك الغابات وغيرها.
وعالجت نعيمة الحسبان بمعية لارا المرزوق، من الأردن، مدى تضمين المناهج والكتب المدرسية في المملكة الأردنية الهاشمية للمفاهيم المتعلقة بالسياحة البيئية والتراث الثقافي والبيئي.
وقدمت مي رحال من دولة فلسطين ورقة عمل حول السياحة البيئية ودورها في التنمية المستدامة في المجتمعات المحلية. في حين عرضت أنسام ملكاوي من دائرة الآثار العامة في المملكة الأردنية الهاشمية عرضا حول التراث الثقافي المادي وغير المادي في المملكة الأردنية، و التنوع البيئي والحيوي في الأردن، وأنواع السياحة الرائجة فيها.

توصيات المشاركين

>وضع آليات للتنسيق بين مختلف المؤسسات المعنية بالبيئة من أجل تيسير بلورة وإنجاز ومتابعة مشاريع المجتمع المدني في ميدان السياحة البيئية.
> دعوة المؤسسات والوزارات في الدولة إلى وضع قوانين وأنظمة وطنية تسمح بمشاركة منظمات المجتمع المدني في تنفيذ مشاريع في مجال السياحة البيئية.
> تعميم مفهوم السياحة البيئية في مناهج التعليم العام لإيضاح الفكرة للناشئة وتعزيزها.
> وضع تدابير وإجراءات محددة لتعزيز مساهمة المجتمع المدني في تأهيل المرافق والمنشآت الموجودة على مستوى المحميات الطبيعية.
> تعزيز مفهوم السياحة البيئية في المناهج الدراسية وتشجيع ممارستها بما يضمن حماية البيئية من خلال الأنشطة اللامنهجية.
> تمكين مؤسسات المجتمع المدني وتفعيل دورها في ترسيخ مفهوم السياحة البيئية لدى السكان المحليين.
> ايجاد صيغة للتواصل المستمر وشبكة تضم المؤسسات المعنية بالسياحة البيئية لتوحيد الجهود وتعميمها بما يضمن شمولية العمل.
> دعوة الوزارات ذات العلاقة في الدول العربية إلى اتخاذ التدابير الاستراتيجية من أجل إبراز أهمية السياحة البيئية نظرا لعلاقتها المباشرة بالحفاظ على البيئة وحمايتها.
> الارتقاء بقدرات الإعلاميين والصحافيين البيئيين لتمكينهم من مواكبة الأنشطة المتعلقة بالسياحة البيئية بشكل دقيق.
> الطلب من الجهات المختصة في الوزارات المعنية النهوض بقدرات المرشدين السياحيين وتطوير معارفهم ذات الصلة بالسياحة الثقافية والتراثية من جهة وبالمسارات السياحية من جهة أخرى.
>رفع مستوى التنسيق بين الدول الإسلامية من أجل وقف تجاوزات الاحتلال الاسرائيلي بحق الإرث الطبيعي والثقافي الفلسطيني.
•عقد لقاء خلال عام (2018) وتوسيع دائرة المشاركين ليشمل الدول العربية والإسلامية. 

محمد التفراوتي

Related posts

Top