ذكرى الكتلة…

في ماي الماضي، ذكرنا اليوم السابع عشر منه، بحدث سياسي وطني لم يعد يذكره الكثيرون اليوم، أو على الأقل لم يعد ممتلكا لنفس الجاذبية الإعلامية، ويتعلق بتأسيس” الكتلة الديموقراطية” عام 1992.
ليس الأمر مناسبة لاجترار كلام خشبي أو تكرار عبارات خطابية ومنبرية مسكوكة، ولكن هو مناسبة لنتأمل جميعا الفقر الذي لف مشهدنا الحزبي الوطني في السنوات الأخيرة، وانعدام أي مبادرات كبيرة ذات أثر أو امتداد في الأرض، وأيضا لطرح أسئلة قد تكون البلاد والسياسة في أمس الحاجة إليها عندنا اليوم.
الكتلة الديموقراطية، في نهاية الأمر، مثلت جوابا من القوى الوطنية الديموقراطية على أسئلة وأوضاع مغرب التسعينات، وأحدثت مسارا متميزا في واقعنا السياسي الوطني، وفي دينامية الإصلاحات.
من المؤكد أننا جميعنا نمتلك ملاحظات وانتقادات وقراءات لما وقع، وللمسار الذي عاشته الأحداث التي تتالت، ومن المؤكد كذلك أن “الكتلة الديموقراطية” بصيغة التأسيس قد استنفذت دورها ومهامها ولا يمكن استنساخها اليوم كما كانت تماما، ولكن لا بد أن نسائل اليوم سلوكنا السياسي والحزبي الجماعي بخصوص تراجع المبادرات السياسية المنظمة.
إن الواقع الوطني اليوم يشهد عديد احتقانات اجتماعية، كما أن تجليات قلق كثيرة موجودة وسط شعبنا ونخبنا، وقوى الصف الديموقراطي، لا شك فقدت جانبا مهما من جاذبيتها وقوتها الاقتراحية والميدانية، ولكن رغم ذلك لم تبرز أي قراءة سياسية شجاعة لهذا الواقع أو مبادرة كبرى تتفاعل مع ميزان القوى الحالي لمغرب اليوم والانتظارات المطروحة في الساحة، تماما كما كانت خلفية ميلاد” الكتلة الديموقراطية” في 1992، والتي قدمت مقترحات ومطالب ومذكرات سياسية ودستورية، كانت في حينها جوابا من الأحزاب المشكلة لها عن أسئلة تلك المرحلة.
اليوم كثيرون يتحدثون عن ارتباك في التدبير، وينتقدون سلوكات ومواقف متعددة في عمل الأحزاب، وفي العلاقات بين بعضها البعض، ويذهب البعض حتى إلى طرح تصورات وسيناريوهات للمستقبل السياسي والمؤسساتي القريب، وهناك كذلك حديث متنامي عن ضرورة نموذج تنموي جديد للجواب عن مختلف ما يعانيه شعبنا من أزمات اجتماعية واقتصادية، ولكن قليلون يتوقفون عند المطلوب، سياسيا، من أجل قيادة هذا الجيل الجديد من الإصلاحات، ولإحداث هذا النفس الديموقراطي الجديد، وللتفاعل مع ميزان القوى الحالي في المغرب، هنا والآن.
البلاد اليوم ليست قطعا في وضعية سنة 1992، وموازين القوى مختلفة، والمطالب هي غير المطالب، والفاعلون الحزبيون ليسوا نفس الفاعلين، أو على الأقل لم يعودوا وحدهم في الساحة، ومن ثم، هناك حاجة اليوم لفتح تفكير عقلنا الحزبي الجماعي على ضرورة البحث عن جواب لسؤال كتلة جديدة تنطلق من ميزان القوى الحالي، ومن وضع المغرب كما هو، وليس كما يتخيله بعضنا، وأيضا أن تخرج كل الأطراف ذات الصلة من منغلق القراءة الأحادية اليقينية لما حدث في الماضي، وأن تقتنع بفضيلة التواضع والنقد الذاتي الجماعي، وبأن لا أحد يمتلك الحقيقة لوحده، ثم أن تنكب على التفكير وابداع شروط ميلاد مرحلة سياسية جديدة في بلادنا، تستطيع أن تطرح أجوبة جريئة لواقع اليوم مع أجيال اليوم، وأن تقود دينامية الإصلاح من أجل مستقبل بلادنا وشعبنا.
الدرس الأهم اليوم من تأمل ذكرى ومسار”الكتلة الديموقراطية” هو إذن السير نحو بعث مبادرة مماثلة، لكن انطلاقا من شروط مغرب اليوم وموازين القوى الحالية، ولكي تقود النضال الوطني لتحقيق الاصلاحات المطروحة اليوم على بلادنا، وأن تعيد الثقة والتفاؤل بالمستقبل لشعبنا.

محتات الرقاص

الوسوم ,

Related posts

Top