ذكرى وكالة القدس…

خلدت وكالة بيت مال القدس الشريف، الجمعة الماضي بالصخيرات، يوبيلها الفضي، واحتفلت بالمسار والمنجز العملي لربع قرن منذ إنشائها برعاية جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، لتكون الذراع الميداني للجنة القدس، المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، والمؤسسة الموكول لها تنسيق الدعم العربي والإسلامي الموجه للقدس.
الوكالة، وإن كان يفترض أن كل أعضاء منظمة التعاون الإسلامي معنيون بالمساهمة فيها وتمويل برامجها، فالواقع أنها اقترنت في المنجز والنتائج بالدور المغربي أساسا، وبحرص جلالة الملك محمد السادس على استمرارها ونجاحها، وهي تجسد رؤية المملكة المغربية وعاهلها لدعم المدينة المقدسة ومساندة أهلها.
منذ البداية، في 1998، ابتعد عمل وكالة القدس عن الخطب الرنانة وعن نفخ الأوداج، ولم تخلط العمل التنموي الملموس بالسياسة والشعارات، ولهذا كان طريقها واضحا، وركزت على ما يهم الناس في حياتهم اليومية.
لقد عملت الوكالة في مجالات الصحة والتعليم والفلاحة والسكن والإعمار والثقافة والشباب والفن والرياضة والطفولة والحرف والإعلام والنشر والتدوين، كما ركزت على الاقتصاد المحلي ودعم الأشخاص في وضعية إعاقة والمسنين والأنشطة المرتبطة بالتنمية البشرية والحد من الفقر، وأيضا على حيازة العقارات وترميم المنازل وتحسين الأوضاع المعيشية والاجتماعية للساكنة المقدسية، ودعم صمودها وبقائها في القدس…
ورعت الوكالة، في الإطار ذاته، برامج متنوعة للمساعدة الاجتماعية المباشرة، وذلك على غرار مشروع: «العيش الكريم»، ومشروع: «كفالة الأيتام»، كما نظمت برامج أخرى بمناسبة رمضان أو خلال العطل المدرسية لفائدة التلاميذ….
وبحسب مسؤولي الوكالة، فقد تم صرف حوالي 65 مليون دولار خلال الخمس وعشرين سنة المنصرمة، وجرى تنفيذ أزيد من مائتي مشروع وبرنامج في قطاعات مختلفة، وأغلب هذه المنجزات نفذتها المملكة بتوجيهات من جلالة الملك.
اليوم، وبعد أن انصرم ربع قرن من عمر وكالة بيت مال القدس، يحق للمملكة أن تعتز فعلا بهذا المنجز، وهو المجسد على أرض الواقع بشكل ملموس في مدينة القدس وفي واقع سكانها، وهو المنجز الذي يوجه كذلك رسالة إلى كل الدول العربية والمسلمة بأن «يقلدوا» المغرب، وينضموا لجهوده، من خلال دعم الوكالة وتسديد التزاماتهم المالية لإنجاح مختلف البرامج، ولدعم ساكنة القدس الصامدة على أرضها.
إن رعاية العاهل المغربي لعمل وكالة القدس تبرره العلاقة العاطفية العميقة للمغاربة مع المدينة المقدسة، وذلك منذ قرون، ولديهم بها آثار ومعالم قائمة إلى اليوم، ومن ثم لم يكن الدعم المغربي للقدس ولفلسطين مشروطا بالسياسة أو المواقف أو الضغوط أو الولاءات أو المحاور، ولكنه بقي دائما دعما من القلب للإنسان وللمكان وللرمزيات وللمقدس المشترك.
وكالة بيت مال القدس ترعى اليوم مشاريع وبرامج تندرج ضمن العمل الاجتماعي والإنساني الميداني والملموس لفائدة القدس والمقدسيين، كما أنها تسهر على حيازة عقارات، متى استطاعت ذلك، وتحويلها إلى منشآت فلسطينية، وذلك صيانة للهوية الحضارية للمدينة المقدسة، وإسنادا لأهلها المرابطين فيها، وفي نفس الوقت تواصل المملكة المغربية وعاهلها الحضور القوي في الترافع السياسي والديبلوماسي من أجل القدس وفلسطين، ولا تخلط بين الواجهتين، وأيضا لا تمارس لعبة الابتزاز بذلك.
المملكة تدرك أدوارها وتقوم بمسؤولياتها عن قناعة واضحة، وفي الآن نفسه تحترم القرار الفلسطيني، وتمتنع عن كل تدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني، وتلتزم دائما بالعقلانية والواقعية والمسؤولية في صياغة وتدبير مواقفها ذات الصلة.
عمل وكالة بيت مال القدس ليس عادة موضوع عناوين صحف أو مضمون خطب وشعارات ومنابر، ولكنه منجز عملي كبير تحفظه زوايا وأركان المدينة المقدسة، ويذكره أهلها، ويلمسه المقدسيون في واقعهم اليومي المعيشي، ولم يعتبره المغرب يوما منة أو عملا للتبجح والمزايدة والابتزاز، وإنما هو واجب طبيعي ومستمر، بأشكال مختلفة، منذ قرون، وسيتواصل بحكم ارتباط المغاربة بالقدس، قلبا ومشاعر…

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم , ,

Related posts

Top