رئيس الحكومة في… التلفزيون

الخرجة التلفزيونية لرئيس الحكومة عبر القناتين التلفزيونيتين الأولى والثانية لتقديم حصيلة مائة يوم من عمل فريقه، يمكن الاتفاق بداية على أنها ليست مناسبة موضوعية أو مدى زمني واقعي لإجراء التقييم السياسي المناسب أو استعراض حصيلة متكاملة.
الموعد نفسه هو تقليد مستحدث ولا يرتكز لأي أساس تحليلي أو قانوني منطقي، ولكنه، مع ذلك، يقدم مناسبة تواصلية مفيدة لقراءة التصورات الحكومية وتقييم سلوكها التدبيري العام.
إن تواصل الحكومة ورئيسها مع الرأي العام الوطني ليس ترفا أو أمرًا ثانويا، ذلك أن مثل هذه الظرفيات الصعبة التي يحياها بلدنا والعالم برمته، تستوجب الحرص على الحديث المستمر مع الشعب وتعبئته، خصوصا بشأن القرارات والإجراءات التي تؤثر بشكل ملموس في حياته اليومية وظروف عيشه.
الحكومة يفترض أنها مشكلة من قوى سياسية، وأنها تمارس فعلا وتدبيرا سياسيين، ومن ثم هي معنية بالشارع والمجتمع، ودورها هو أن «تملأ» الساحة، وتحضر في النقاش السياسي العمومي بقوة.
الجميع يسجل على الحكومة الحالية فشلها على هذا المستوى، وهروبها الدائم نحو الصمت والعزوف عن الكلام مع المغاربة، وحتى رئيسها لم ينكر أول أمس ذلك، وفضل أسلوب الهروب إلى الأمام، والتصريح بأن حكومته تفضل العمل بدل الكلام والتصريحات، ثم قال بأن الشعب يريد النتائج ولا يريد أن يرى فقط الوزراء.
وإن كان شعبنا بالفعل يتطلع لتحقيق انتظاراته وتحسين ظروف عيشه، ولكنه في نفس الوقت يريد أن تشركه حكومته في القرارات التي تعنيه، وأن تشرح له وتمنحه الثقة والطمأنينة على مستقبله، وهذا لن يتحقق بدون تواصل حكومي وسياسي مستمر ومحكم وذكي.
حتى الخرجة التلفزيونية لأول أمس لم تستثمر ولم تحقق الهدف، ذلك أن ارتباكا عاما كان باديا على كامل مجرياتها، وأن (الضيف الخاص) فضل من البداية معانقة اللغة الفضفاضة ورمي الكرة بعيدا عن عرينه، ونسي أن المرور عبر التلفزيون يتطلب الإعداد والتدريب، وليس مجالا للارتجال والهواية.
التلويح بكون الفريق الحكومي ينعم بالانسجام بين مكوناته، والتقليل من كل الأخطاء والزلات التي اقترفت منذ تشكيل الحكومة، وتكرار اتهامات التشويش على الحكومة، فضلا عن بعض العثرات اللغوية والتعبيرية، كل هذا جعل اللقاء التلفزيوني باعثا على الملل، وتغيب عنه الجاذبية، وهي شرط ضروري في كل عرض تلفزيوني أو تواصلي.
تبعا لما سبق، يبقى العجز التواصلي لحكومتنا قائما، ومعه مطلب تمتين حضورها الإعلامي والسياسي في الساحة الوطنية لتنوير شعبنا وتعزيز انخراطه وتقوية الإحساس بالثقة لديه.
أما الحصيلة الحكومية، فيجب أن يشعر بها الناس في حياتهم اليومية، وأن يكون أثرها ملموسا على أرض الواقع، وهنا نحيل على وعود أحزاب الأغلبية والتزاماتها الانتخابية والحكومية بشأن معدل النمو مثلا، وما سينجم عن ذلك من مناصب شغل، ومن انعكاسات على الأوضاع المعيشية والاجتماعية للمغربيات والمغاربة.
ونحيل أيضا على إنعاش الاقتصاد، وتفادي أخطاء دعم عدد من القطاعات، وإلى سياسة الأسعار ومستوى ثقة الأسر، وإلى معاناة صغار الفلاحين، خصوصا هذه الأيام، كما نلفت إلى أهمية التواصل المنتظم في تدبير الأزمة الوبائية والتصدي للأخبار الزائفة والشائعات المتصلة بذلك.
وإذ نسجل إيجابية بعض المبادرات التي أقدمت عليها الحكومة، وأيضا بعض التغيير الذي أحدثته في سلوكات تدبيرية لعدد من القضايا، ففي نفس الوقت، نذكر أن برنامجا استراتيجيا كبيرا مثل التغطية الاجتماعية، كان قد جرى الإعلان عنه قبل ميلاد هذه الحكومة، كما أن رعايته من لدن جلالة الملك ومواكبته له، يجعله خطوة أساسية يتعلق المغاربة بإنجاحها، كما تشمل انتظارات شعبنا ملفات جوهرية أخرى لا زالت الحكومة لم تقترب منها، وهي التي تفرض وضوحا سياسيا بخصوصها، كما يتطلع المراقبون لمعرفة قدرة الفريق التنفيذي الحالي على تدبيرها بما يخدم المطالب الشعبية، وبما يكشف المواقف السياسية الصريحة من تفاصيلها وتداعياتها.
ليس القصد هنا البحث، عسفا، عن أخطاء أو تجليات قصور وعجز للحكومة، وليست الغاية تسجيل أي نقاط أو أهداف في مرماها، ذلك أن ظروف بلادنا وسياقات محيطها الإقليمي والدولي، تجعل كل ذي غيرة على المغرب، يتمنى أن تنجح هذه الحكومة في كسب كل التحديات، وتحقيق كل الإنتظارات، وأن تخرج أولا من عزلتها التواصلية لتتحدث مع المغاربة، ومع الإعلام الوطني كله، وأساسًا مع المؤسسات، وأن تعزز حوارها السياسي مع البرلمان، وانفتاحها على قوى المعارضة، وذلك بما يساهم في تقوية حضورها السياسي الوطني، ويقدم التجربة الديموقراطية في بلادنا.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top