ربع قرن على فقدان الرفيق ندير يعته

رحل الفقيد ندير يعته عن هذه الحياة قبل خمسة وعشرين سنة بالتمام والكمال، وبالضبط يوم الجمعة 12 أبريل 1996 بمدينة الدار البيضاء، بعد أربع سنوات من حادثة السير المفجعة التي تعرض لها في الطريق السيار بين مدينتي الرباط والدار البيضاء، ومعاناته مع تداعياتها القاسية وما سببته له من إعاقة حركية، تاركا مساحة فارغة في الحقل الإعلامي المغربي تعذر ملؤها، وبصمات فكرية وسياسية في المشهد الحزبي يصعب محوها.
وفي هذا الصدد، يقدم الإعلامي محمد الشرقي، ومحمد برادة المدير العام السابق والمؤسس لشركة «سابريس»، شهادتها في حق الراحل:

محمد برادة: ندير يعته.. صفحة لن يطويها النسيان من سجل الصحافة الوطنية

بعد خمسة وعشرين سنة على رحيل الإعلامي المناضل والمسؤول السياسي والمهني المرحوم ندير يعته، افتقدنا قامة مهنية لها نصيب وافر من اسمها، لأنها قامة نادرة في سماء الإعلام، وفي أراضيه الخصبة والمستعصية في ذات الوقت. عرفت الفقيد كالكثيرين، بميزات النضج الذي ربط رسالة الصحافة المهنية بالقيم الوطنية، وقد كان سليل أسرة تلقت مبادئ الكفاح المقرون بالمبادئ المهنية من الوالد رحمة الله عليه السي علي يعته، لكني عرفت فيه أيضا الجار، الطيب، دمث الأخلاق و رفيع السلوك الاجتماعي، حيث تجاورنا في حي لوازيس بالدار البيضاء الكبرى، التي احتضنت كل تجاربنا المهنية الحارقة والصعبة في ذلك الزمان العذب الممتنع .
الرفيق ندير رحمه الله، عاش عمر عريضا، وليس طويلا، لأن المنية وافته في سن الـ 44، سن، من غريب المصادفات، إنه ارتبط برحيل العديد من أيقونات اليسار ومناضليه، الذين تعرفت عليهم في عز السخاء النضالي والمهني.
أكاد أقول إنه نضج باكرا، للخلود في تاريخ مهنتنا.
كل الذين عرفوه، رفاقا وزملاء وأصدقاء، عرفوا فيه رجل المواقف المبدئية، لذي لم يكن يتردد في الإفصاح عنها، حتى ولو لم تكن تعجب مفنديه وتثير السجالات الحارة. ولم يتوانَ أبدا في التعبير عن مواقفه، في أقسى اللحظات وأصعبها من تاريخنا المعاصر، الشيء الذي جعله رجلا محترماً مسموع الكلمة في أوساط مهنته وفي الأوساط السياسية الوطنية ولدى المسؤولين.
ومن بصماته أنه كان يملك ناصية اللغة، فهو لم تكن له أفكار بارعة ولامعة فقط، بل كانت له العبارة القوية والجملة الملتمعة والإشراقة اللغوية البليغة للتعبير عنها.
فإلى جنب أصالة الأفكار التي تميزت بها حياته، انضافت قوة البلاغة والأسلوب في لغة تتطلب الكثير من المجهود لإتقانها، والتعبير بها بسلاسة في نفس الوقت..
ومن المحقق أن تجربته المهنية، في دروب البيان، قد أعطت لهذه اليومية المناضلة خطا تحريريا متميزا، لم يكن ليترك القاري، مُداوما كان أو مجرد قارئ عفوي، محايدا أمام تجربته وزاوية معالجته للقضايا الوطنية والقومية والدولية.
رحم الله ندير يعته، لقد كان لوحده!، صفحة كاملة من سجل المهنية المغربية المثاليةً!

الإعلامي محمد الشرقي: حس وطني عال كان يعكسه الراحل ندير في كتاباته وأسلوبه الفرنسي الرشيق..
رحم الله الفقيد ندير يعته.. كان لي شرف التعرف عليه خلال حملته الانتخابية في الدارالبيضاء مطلع التسعينيات، وقد برز نجمه بعد لقائه مع الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، وتجهيز جريدة «البيان» بمطبعة حديثة قالت عنها بعض الجهات الصديقة «العلم، الاتحاد الاشتراكي وأنوال…» إن الشيوعيين المغاربة حصلوا على دعم أمريكي جزاء لموقفهم من التدخل العراقي في الكويت التي عارضها حزب التقدم والاشتراكية وجريدته «البيان».
تكررت لقاءاتنا في بيت الراحلة نادية برادلي بمعية صحفيين وسياسيين من توجهات مختلفة، حيث كنا نتقاسم كمجموعة إعلامية، رغم المرجعيات المتباينة، حسا وطنيا عاليا كان يعكسه الراحل ندير في كتاباته وأسلوبه الفرنسي الرشيق..
بعد حادثة السير المأساوية فقد الراحل كثيرا من حركته ونشاطه …، لكنه داوم على الكتابة وحافظ على نشاطه السياسي رغم صعوبة الحركة..
وخلال فترة إقامته بالمستشفى العسكري في الرباط قصد العلاج، كنت أحرص على زيارته يوميا في الساعة الخامسة، وأحمل له المجلات والجرائد الصادرة في اليوم التالي.. وفي إحدى المرات جئت له بجهاز استقبال القناة الثانية التي كانت مشفرة آنذاك، وكانت مفاجأة سارة بالنسبة لندير من إخراج صديقته الزميلة الصحفية غيثة برادلي.
رحم الله ندير يعتة وكل الزملاء الصحفيين الأعزاء الذين فقدناهم تباعا.. كان زمنا جميلا بكل المقاييس، كنا نحب بعضنا حتى في خصاماتنا وخلافاتنا .. وهو شيء شبه نادر في أوساط الإعلاميين حاليا.

Related posts

Top