رحلة مسح ميداني وعلمي لإشكالية تغير المناخ بحوض أوريكا

لا مناص للباحث العلمي ومهندسي المستقبل من مقاربة إشكالات تغير المناخ ونضوب المياه والفياضات والتصحر والتعرية ومختلف مظاهر النظم البيئية بالوسط الطبيعي والغابوي عن قرب، مع تناول بالدراسة والتحليل الواقع المعيش لساكنة القرى الجبلية ومعاناتها اليومية مع التأقلم وتطويع جغرافية المكان وتوفير سبل العيش.
في هذا السياق، أبى مؤطرو الرحلة الاستطلاعية بقيادة البروفسور عبد اللطيف الخطابي، منسق المشروع، إلا أن تكون نوعية أبحاث طلبتهم لفوج السنة الدراسية الحالية، مختلفة وإضافة نوعية للأبحاث العلمية المنجزة سلفا في إطار المشروع (GIREPSE)، والتي أغنت البحث العلمي ووفرت خلفية معرفية رصينة تساعد ذوي القرار لتنفيذ برامج تنموية تراعي سياسة القرب والنوع.
عظمة جبال الأطلس الكبير تحف المكان بجلال. مسالك الطريق المتربة تبدو في الأفق كشريط ممتد يرتسم على ضفاف الوادي ومحاذاة الجبال السامقة والمنحدرات السحيقة. وما على فريق الرحلة إلا تجشم عناء مجاراة وعورة المسالك ومشاعر الترقب والتوجس.
كان صبيحة مشمسة وجميلة، من ذلك اليوم الموعود على ضفاف وادي “أوريكا”. انطلقت 3 سيارات رباعية الدفع تضم فريقا من الطلبة الباحثين وأساتذة مؤطرين وذلك من قرب زاوية ستي فاطمة. اخترق الباحثون بحذر وترقب مسالك جبلية وعرة وطرق ضيقة ومتعددة الالتواءات. هول تحدي الفجاج المرتفعة والتطلع للأعالي حال دون استمتاعنا برونق المشهد وجمال الفضاءات الطبيعية التي تؤثثها جداول ووديان ممتدة بين السفح والجبل وفي المنحدرات، والبنايات السكنية المتكيفة مع الإكراهات الجغرافية على الضفاف والأعالي.
تبدو مدرجات زراعية على أطراف الجبال مشعة اخضرارا، تنتشر و تتموج على جنبات الوادي، تحوي أشجارا مثمرة مدرارة للفواكه والثمار ومزروعات معيشية. وفي الأفق شعاب وفجاج منحدرة مع روافد وجداول تصب في السواقي والقنوات المائية.
تواصلت المسيرة العلمية للفريق وسط هذه الفضاءات الرحبة من الحوض المائي لأوريكا، مرورا بعدة دواوير، ووصولا إلى قمة جبل أوكيمدن، مع وقفات على بعض الخصوصيات والتفاصيل يقدم من خلالها كل من الدكاترة عبد اللطيف الخطابي وأحمد أوهمو ومحمد صابر وزين العابدين عبد النبي والامراني مصطفى وسعيد الاحسايني، ليشرحوا، وفق تخصصات علمية دقيقة، مختلف الإشكالات والمظاهر المرتبطة بتغير المناخ وما يسببه من أزمات ومعضلات على مستوى الثروات الطبيعية والأنظمة الايكولوجية والتجهيزات الأساسية والأنشطة البشرية. 
 ترتسم على وجوه أهالي المنطقة قسمات الطمأنينة الممزوجة بسمات التعب. وفي أعلى الوادي وعلى قارعة ممر ضيق بدوار “تورديو”، بعد المرور من دواوير تدرارت وإبعاشن ثم أنفلي، جلس فريق الرحلة، ضمن مجموعات انزوت تحت ظلال أشجار الجوز لتناول وجبة الغداء واسترجاع الأنفاس. التحق بنا محمد، أحد ساكنة المنطقة، الذي كان يرعى 4 معزات، لنتجاذب معه أطراف الحديث وليروي لنا معاناة أهالي الدوار مع الفيضانات المفاجئة التي تأتي على الأخضر واليابس والظروف المناخية القاسية والتجاء أهالي المنطقة إلى كهوف الجبال المعدة سابقا كإجراء احترازي للاحتماء من السيول الجارفة.
وقال محمد إن ساكنة المنطقة تقتني احتياجاتها من السوق الأسبوعي الذي يبعد عنهم مسافات طويلة. وبخصوص المسالك المعوجة والمدمرة، بفعل التساقطات المطرية القوية، أكد محمد أن شخصا يقوم بتسوية الحفر وتنقية الممرات الضيقة من الأحجار على طول المسالك الوعرة، مشيا، مع استعمال عربة ومستلزمات الخدمة. وتأسف محمد على وفاة هذا الشخص، مؤخرا، الذي كانت توكل له هذه المهمة مقابل دريهمات يقدمها له مستعملو الطريق التي تغدو سالكة لساكنة الدواوير المجاورة وبهائمهم وبعض السيارات المهترئة التي ألفت نقل ساكنة قرى وداوير متناثرة هنا وهناك.
يشهد طول جنبات الوادي من السفح إلى القمة تجمعات سكنية تنبض بكل مقومات الصمود والحياة بإصرار وتحد رغم قساوة العيش وشظفه ووعورة المسالك والتضاريس الجغرافية. مشاهد طبيعية تغري هواة ومكتشفي رياضة تسلق الجبال والمرتفعات والسياح الأجانب. وهكذا يستمر المسح الميداني للفريق العلمي مرورا بدواوير “إزكار” و”تمشي” و”أنمتر” ثم ” أكونس نوانسا”…
وبينما عجلات السيارات التي تقلنا تتلمس ولوج الطريق والتواءاتها المرهقة، المفضية إلى عدة تجمعات سكنية متفرقة، فوجئنا بقدوم سيارتين لسياح ألمان قادمين في الاتجاه المعاكس  لتتمكن السيارات من المرور بشجاعة والتجاوز بمهارة مدهشة.

محمد التفراوتي

Related posts

Top