رحلة مع الكتاب

من بين البرامج الثقافية الهامة التي تنتجها وتبثها القناة التربوية المغربية بتلفزتنا: رحلتي مع الكتاب، ويقوم هذا البرنامج التثقيفي على استضافة في كل حلقة كاتب مغربي، له رصيد محترم من المؤلفات، سواء في مجال الأدب أو الفكر أو العلوم السياسية أو غير ذلك من المجالات.
لا يحصر هذا البرنامج ضيوفه في الرد على أسئلة محددة ومقننة وجعلهم مقيدين على كرسي الأستوديو، بل يتركهم يتحدثون على سجيتهم في الفضاءات التي يفضلونها، والانتقال معهم إلى أماكنهم الحميمية، إلى بيوتهم ومكاتبهم وشوارعهم.
يتحدثون وهم جالسون أو يتمشون أو كما يحلو لهم.
وفي اعتقادي أن هذه المساحة من الحرية، تساعد ضيوف البرنامج كثيرا على الاسترسال في الحديث وتوليد الأفكار؛ لنستحضر الفلاسفة المشائين الذين كانوا يلقون دروسهم أو يتناقشون وهو يتمشون، كمن يتمشى لهضم الطعام.
وهو ما يتيح لمشاهد البرنامج التلفزيوني رحلتي مع الكتاب، من تكوين فكرة شاملة عن الضيوف المحتفى بهم، عن إنتاجهم الفكري والأدبي والعلمي، طبعا هذا لا يغني المشاهد عن قراءة مؤلفاتهم، وبالنسبة للذين لم يسبق لهم أن قرأوا لهذا الضيف أو ذاك؛ فإن البرنامج يكون حافزا لهم لأجل البحث عن كتبه والاطلاع عليها، وذلك بعد أن أحاطوا علما بتوجهه المعرفي وطريقة تفكيره.
لا تزال التلفزة وحتى الإذاعة تغري الكتاب والأدباء بالتنقل نحو قنواتها وتحمل كل المتاعب لأجل الظهور وإيصال أفكارهم وما يختلج في وجدانهم، على عكس الصحافة الورقية التي يبدو أن العديد من هؤلاء المبدعين يقدمون مختلف الأعذار لعدم نشر إنتاجهم فيها أو المشاركة في ملف ثقافي يكون من اقتراح المحرر.
بعضهم صار لا ينشر إنتاجه سوى في المنابر الصحافية الأجنبية، الخليجية منها على وجه الخصوص، على اعتبار ما تغدقه عليهم من تعويضات مالية، حتى وإن كانت هزيلة ومذلة.
غير أن وجود برامج تلفزية ذات بعد تثقيفي، من قبيل: رحلتي مع الكتاب، تتيح للمشاهد استحضار نخبة من أدبائنا ومفكرينا، بعد أن غابوا أو غيبوا أنفسهم أو تم تغييبهم.
يسمح لنا هذا البرنامج بأن نتعرف على الوسط الاجتماعي لكل واحد منهم، سيما وأنه يتم تسجيل الحلقات معهم في أماكن سكناهم، هناك من يقطن مسكنا فاخرا يحيط به بستان وقد نجد فيه مسبحا كذلك، ومنهم من لا يملك مسكنا أو بالأحرى أنه مجرد مكتري لشقة متواضعة في حي شعبي.
مثلما أن هذا البرنامج التلفزيوني يسمح لنا بتفقد وفحص مكتبات ضيوفه، هناك من يهوى النظام ويحرص على ترتيب رفوف مكتبته وفق طريقة صارمة، وهناك من لا يعير أي اهتمام للنظام، ومن الطرائف أن أحدهم كان قد أخبرني بأنه يحدث له في الكثير من الأحيان أن يبحث عن كتاب ما في مكتبته، وعندما يتعب من البحث، يقرر إعادة شراء الكتاب نفسه والاحتفاظ به في المكتبة نفسها، وهوا ما يفسر – حسبما قاله لي- وجود أكثر من نسخة لهذا الكتاب أو ذاك.
ما يمكن ملاحظته على البرنامج التلفزيوني رحلتي مع الكتاب، أن هناك بخلا في تسجيل الحلقات، قد يكون هذا راجعا إلى محدودية ميزانية الإنتاج، وهو ما يفسر اقتصار إدارة القناة على تكرار بث حلقات بعينها عدة مرات خلال الأسبوع الواحد، والعودة لبثها من جديد في ما يلي من الأيام والشهور، لعل هذا قد يكون في صالح من يجد صعوبة في الفهم والاستيعاب إلا بعد عملية التكرار، لكن من الضروري والمهم تكثير وتكثيف حلقات البرنامج.

عبد العالي بركات

الوسوم , ,

Related posts

Top