رحيل الممثل الكوميدي الكبير عبد الجبار لوزير

مسيرة فنية زاخرة بالعطاءات

بعد مسيرة حافلة بالعطاء في مختلف المجالات الفنية، توفي مساء أول أمس الأربعاء بمراكش، الفنان الفكاهي والمسرحي الكبير عبد الجبار لوزير.
ونعت النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية لسائر أعضائها ولعموم الفنانين المغاربة، وفاة المشمول برحمة الله تعالى الممثل الكبير وقيدوم المسرحيين المغاربة الفنان عبد الجبار لوزير الذي وافته المنية مساء الأربعاء 2 شتنبر 2020 بمراكش، عن عمر ناهز 92 سنة، بعد معاناة طويلة مع المرض.
وتوجهت النقابة بصادق عبارات العزاء إلى أسرة الفقيد الكبيرة والصغيرة وعموم الحركة الثقافية والفنية ببلادنا، سائلين الله العلي القدير أن يتغمد الراحل بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جنانه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.. وأن يلهم ذويه جميل الصبر والسلوان.
و”إننا في النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية، يقول بيان النعي، بهذه المناسبة الأليمة، نعتبر أن بلادنا، بهذا المصاب الجلل، فقدت أحد عباقرة فن التمثيل في التاريخ المعاصر للمسرح المغربي، الذي كرس حياته للفنون الدرامية بمختلف تعبيراتها في المسرح والسينما والتلفزيون.. بشهادة الأجيال المتعاقبة من مهنيي فنون الدراما بالمغرب مبدعين ونقادا.. ولا أدل على ذلك من غنى وتنوع الريبرتوار الفني الذي خلفه الفقيد والذي يعد تراثا يحق للمغاربة الاعتزاز والافتخار به”.
ويعد عبد الجبار لوزير، الذي ازداد بالمدينة الحمراء سنة 1928، من الشخصيات الفنية البارزة التي طبعت السجل الفني للمغرب عموما ومراكش خصوصا.
وكانت الانطلاقة الفنية لعبد الجبار الوزير، الذي بدأ حياته كحارس مرمى لفريق الكوكب المراكشي لكرة القدم، مع فرقة الأطلس الشعبي، لمولاي عبد الواحد حسنين، وهي المدرسة الفنية التي تخرج منها عدد كبير من الممثلين. وكان أول عمل مسرحي يؤديه هو مسرحية “الفاطمي والضاوية” (سنة 1951)، رفقة الفنان الراحل محمد بلقاس، التي عرضت عشرات المرات في مختلف مناطق المغرب، ومن بين من عرضت أمامهم جلالة المغفور له الملك محمد الخامس بفضاء قصر الباهية بمراكش سنة 1957.
ونجح لوزير كثنائي كوميدي مع الفنان الراحل محمد بلقاس، كما قدم عددا من المسرحيات والمسلسلات والأفلام الناجحة، من بينها مسرحية “الحراز” (1968)، وفيلم “حلاق درب الفقراء” (1982)، والسلسلة الكوميدية “دار الورثة” (2010)، وفيلم “ولد مو” (2009) وغيرها، إضافة إلى ماضيه المشرق ضمن صفوف المقاومة الوطنية، وشهرته مع فريق الكوكب المراكشي.
في ما يلي الورقة التي أعدها الباحث أحمد السجلماسي عن الفنان الراحل.

عبد الجبار لوزير.. مسار ممثل

انطلقت المسيرة الفنية لعبد الجبار الوزير، أحد رواد التشخيص المسرحي والإذاعي والتلفزيوني والسينمائي بالمغرب، منذ أواخر الأربعينات من القرن العشرين وظل حاضرا في ساحتنا الفنية، كممثل فكاهي شعبي، على امتداد ما يفوق ستة عقود من الزمان إلى أن أقعده المرض وحد من نشاطه.
شارك فيما يزيد على مائة (100) عمل مسرحي، إلى جانب عدد كبير من السكيتشات الإذاعية والتلفزيونية والوصلات الإشهارية ذات الطابع الكوميدي والمسلسلات والأفلام التلفزيونية وكذا التمثيليات الإذاعية والمسرحيات المصورة تلفزيونيا، فمسيرته الفنية الطويلة زاخرة بالعطاء ووجهه ظل مألوفا لدى المغاربة قاطبة.
إنه أحد أشهر وأقدم الممثلين الكوميديين المغاربة، الذين عرفوا بأسلوبهم المتميز في الأداء وبطابعهم الخاص والمتفرد الذي يحمل الكثير من روح الدعابة المعروفة لدى أغلبية المراكشيين.
دشن بدايته الفنية بالمشاركة في مسرحية “الفاطمي والضاوية” (1948 – 1951) رفقة زميله الراحل الفنان الأمازيغي محمد بلقاس (1930 – 2002)، الذي شكل معه ثنائيا فكاهيا أمتع المغاربة لعدة سنوات، وبعد ذلك توالت المسرحيات .. من قبيل “غلطة أم” و”الشلح العساس” و”أولاد جامع الفنا” و”الموسيقار المجنون” … والملاحظ أن أكبر عدد من هذه المسرحيات التي شارك فيها كانت من إبداع وإنتاج فرقة الوفاء المراكشية، ذائعة الصيت، حيث أبان في الأدوار التي شخصها عن حضور لافت وأسلوب متفرد، ولعل أشهر مسرحياته مع هذه الفرقة كانت من توقيع المخرج والمؤلف المسرحي الراحل عبد السلام الشرايبي (1936- 2006)، نذكر منها بالخصوص “الحراز” و”سيدي قدور العلمي” و”مكسور الجناح” و”لبس قدك يواتيك” وغيرها… من آخر مسرحياته مع الممثل والمخرج عبد العزيز بوزاوي (فرقة ورشة الإبداع دراما) من 2000 إلى 2011 عشر مسرحيات نذكر منها “ضرسة العقل”، “البسايطية”، “لحماق بعقلو”…
لم يقتصر حضور الفنان الشعبي عبد الجبار الوزير على خشبات المسرح المراكشية والوطنية فحسب، بل انفتح في وقت مبكر على السينما والتلفزيون والإذاعة من خلال مشاركته في العديد من الأعمال. وإذا ركزنا فقط على البعد السينمائي في تجربته الفنية نلاحظ أن أول وقوف محتشم له أمام الكاميرا كان في الفيلم العالمي الشهير “لورانس العرب” (1962) للمخرج البريطاني الكبير ديفيد لين (DAVID LEAN)، الذي صور جزئيا بالمغرب، وبعده بست سنوات شارك لوزير في الفيلم المغربي “عندما تنضج الثمار” (1968) للمخرجين العربي بناني وعبد العزيز الرمضاني، إلى جانب ثلة من كبار الممثلين كحمادي التونسي والراحلين العربي الدغمي وحبيبة المذكوري ومحمد بلقاس وعبد الرزاق حكم…
ومعلوم أن البداية الرسمية للفيلموغرافيا المغربية على مستوى الأفلام الروائية الطويلة كانت بفيلمين من إنتاج المركز السينمائي المغربي هما: “الحياة كفاح” (1968) للراحلين محمد بن عبد الواحد التازي (1936- 2019) وأحمد المسناوي (1926 – 1996) و”عندما تنضج الثمار”.
في عقد السبعينات شارك عبد الجبار الوزير في الفيلم القصير “البراق” (1973) من إخراج مجيد رشيش، إلى جانب ممثلين شباب أصبحوا فيما بعد عمالقة هم محمد مفتاح وعبد القادر مطاع والراحل محمد مجد. فيما بعد سجل حضورا شرفيا في بعض الأفلام المغربية نذكر منها بالخصوص “حلاق درب الفقراء” (1982) للراحل محمد ركاب (1938 – 1990) و”فرسان المجد” (1993) لسهيل بنبركة و”عبدو عند الموحدين” (2006) لسعيد الناصري و”الثلج في مراكش” (2006) و”عقاب” (2008) للمخرج المراكشي هشام عين الحياة…
من أشهر أعماله التلفزيونية الأخيرة نذكر فيلم “ولد مو” من إخراج داوود أولاد السيد وبطولة عبد الله توكونة (فركوس) وسيتكوم “دار الورثة” من إخراج هشام الجباري …
تجدر الإشارة إلى أن الدورة السادسة لمهرجان زاكورة الدولي للفيلم عبر الصحراء (2009) تميزت بتكريم مستحق لهذا الممثل الرائد، ومن خلاله لفن الفكاهة الشعبي الأصيل ورموزه المتشبعة بقيم التواضع والالتزام والمسؤولية الأخلاقية، كما تميزت أيضا بتقديم وتوقيع للكتاب الذي أصدره الباحث والصحافي عبد الصمد الكباص في نفس السنة بعنوان “حياة في ثلاث طلقات ونكتة وحلم كبير” حول حياة وأعمال هذا الفنان العصامي المعروف بتلقائيته وسرعة بديهته وقوة حضوره.

هامش:
مما جاء في ورقة نشرها السيد عبد الرزاق القاروني يوم الخميس رابع دجنبر 2014 بالموقع الإلكتروني “هسبريس” ما يلي:
ولد الفنان عبد الجبار الوزير سنة 1932 بدرب الكزا بمراكش. وكان شقيا جدا في طفولته، الشيء الذي دفع به إلى مغادرة المدرسة مبكرا ومعانقة عالم الحرفيين حيث عمل “شكايريا” (صانع حقائب تقليدية) و”شراطا” (صانع حبال) و”دباغا” (معالج ومصلح جلود).
وفي سن الخامسة عشر التحق بفريق الكوكب المراكشي لكرة القدم إبان تأسيسه سنة 1947، حيث لعب في مركز حراسة المرمى بفريق الفتيان.
انخرط في صفوف المقاومة، ضمن خلية حمان الفطواكي، من أجل استقلال المغرب وحكم عليه بالإعدام من طرف المستعمر الفرنسي، وفي سجن لعلو بالرباط تعلم قواعد الكتابة والقراءة وأساسيات بعض العلوم على يد مقاومين آخرين شاركوه نفس الزنزانة مثل العلامة المختار السوسي، وبعد استقلال البلاد التحق بالقوات المساعدة قبل أن يتفرغ نهائيا لفنون التشخيص سنة 1961. من النصوص المسرحية التي ألفها عبد الجبار الوزير: “دردبة عند الغشيم” و”عطيل بين الحلقة والأوطيل” بالإضافة إلى المسلسل الإذاعي “كنوز الفضايل”.
اسمه الحقيقي هو عبد الجبار بلوزير، وليس عبد الجبار لوزير الذي أطلقه عليه الفنان والصحفي إدريس العلام (الملقب بـ “با حمدون”) إبان إحدى الجولات المسرحية في الستينات.
تزوج يوم 15 يونيو 1957 من رقية القرشي ورزق منها بنتا (سعاد) وثلاثة أبناء (أحمد ومحمد وعبد الحكيم)، ومن غريب الصدف أن زوجته توفيت يوم 15 يونيو 2014 بعد 57 سنة من العشرة.

 > بقلم: أحمد السجلماسي

Related posts

Top