رد الفعل الخطأ

السجال ورد الفعل المتناميان هذه الأيام حول “رسوم النبي” في فرنسا وتصريحات رئيسها ماكرون، تتطلب كثيرا من العقل وبعد النظر، ووقفات التفكير الرصين.
بالفعل، الخرجات الإعلامية والكلامية للرئيس الفرنسي تعتبر لا مسؤولة، وتكشف عن افتقار فاضح للنضج السياسي، وبالفعل أيضا المقدسات الدينية لكل الناس ومشاعرهم الإيمانية تستحق التوقير والاحترام ضمن مقتضيات العيش المشترك ومقومات النظام الديمقراطي المدني المعاصر، ولكن لابد، قبل ذلك وبعده، أن نسجل وجود جريمة إرهابية بشعة أودت بحياة إنسان، وهذا الفعل الوحشي والهمجي يجب أن يستنكر من لدن الجميع وأن ينال مرتكبه العقاب المناسب.
هناك سلوك أحمق وأخرق جسدته السخرية من نبي الإسلام وإهانة معتقدات المسلمين، وممارسة غير تربوية ومرفوضة  اقترفها مدرس داخل الفصل أمام تلاميذ، وتصريحات رئيس دولة أججت كل ذلك، وتمعن اليوم في الركوب على اللحظة لغايات أنانية أو انتخابوية أو بسبب غياب النضج السياسي وبعد النظر، ولكن هناك كذلك جريمة بشعة وهمجية ارتكبت على سبيل رد الفعل، والمجرمون الذين كانوا خلفها وتولوا تنفيذها نجحوا في تحويل كامل السجال والكلام إلى خارج دائرته الأولى.
هؤلاء ليسوا فقط حمقى ومعتوهين، هم مجرمون وقتلة وأكبر المسيئين إلى دينهم ومقدساتهم.
من جهة ثانية، يستمر كلام المسلمين عن دينهم ومقدساتهم ضمن الدائرة العاطفية القريبة من التعصب ورفض أي نقاش منفتح على الآخر، وخصوصا داخل البلدان غير المسلمة، وهذا أنتج عديد توترات تتصل بالهوية والسياسات العمومية المختلفة وقواعد العيش المشترك، ويقدم المسلمون نماذج سلوكية في حياتهم اليومية ومواقفهم ونمط عيشهم، ليست، في الغالب، سوى مجرد فهم خاص لتعاليم الدين ويحاولون “فرضها” على الآخر غير المسلم، من دون أي احترام لحرياته أو هوية بلده، كما يعلمونها لأبنائهم ويربونهم عليها، وأيضا هناك أوساط متعصبة ومتطرفة داخل تلك الدول تستثمر هذا التعصب لتنتج تعصبا مقابلا في مواجهته.
المطلوب اليوم من فرنسا، أو غير فرنسا، الحرص على احترام معتقدات كل المقيمين فوق أرضها، وأن تنخرط ضمن قواعد احترام التعددية وشروط العيش السلمي لكافة المواطنات والمواطنين، وأن تستحضر كل تحولات العالم وتبدلاته، وفِي نفس الوقت مطلوب من كل المسلمين الذين يعيشون في فرنسا والمستظلين  بديمقراطيتها، والمستفيدين من خدماتها المتعددة، الحرص، من جهتهم، على احترام معتقدات غيرهم، والالتزام بأسس المواطنة وقواعد الديمقراطية ومرتكزات الدولة المدنية الحديثة.
هذا ما يجب التمعن فيه اليوم والسعي لتمثله، والتفكير في سبل إنجازه، بما في ذلك من طرف الرئيس الفرنسي ذاته وبعض الإعلام الفرنسي، ذلك أن التعنت الذي يصر عليه ماكرون لا يؤدي سوى إلى إشعال مزيد من النيران، وصياح بعض التيارات الدينية المتشددة لا تزيد، بدورها، سوى في توسيع دوائر الحمق  والجنون و… الهمجية.
أما على مستوى الشعوب المسلمة داخل بلدانها، فالتحديات المطروحة اليوم عليها وعلى دولها هي تطوير التعليم والتكنولوجيا والصناعة والاقتصاد، وتحقيق مختلف الإصلاحات التنموية الكبرى، وتقوية الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومحاربة الجهل والتأخر، وبذلك ستستطيع هذه الدول المواجهة الندية لفرنسا وغير فرنسا، واحترام حقوق شعوبها وكرامة مواطناتنا ومواطنيها…
موجة السخرية الفايسبوكية هذه الأيام من الرئيس الفرنسي وزوجته تكشف الوجه البشع لتأخرنا وضحالتنا، وهي تحولت إلى سخرية معاكسة من تفاهة ما يلفنا من تمثلات.
وتبعا لما سلف، من الضروري أن نمسك بعقلنا ونقدر حجم وأهمية ما نطلقه من نداءات ودعوات لا يتجاوز صداها الحواسيب التي تكتب عبرها التدوينات “الثورية”، وبدل ذلك يجب التأمل في واقع هذه الشعوب المسلمة، وتمتين النضال من أجل الإصلاحات الحقيقية، ولتقوية الديمقراطية، وأساسا لإشعاع العلم والوعي والتنوير، ومحاربة أفكار التخلف والدجل والخرافة والتزمت والانغلاق، وحشو أدمغة بسطاء الناس بالجهل والتعصب الأعمى.
بالعلم والعقل ومواجهة التحديات الداخلية وتحقيق التنمية والديمقراطية، وتمتين أسس الدولة المدنية الحديثة، سيستطيع المسلمون وقف كل الإساءات ضدهم وضد بلدانهم.

< محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم , ,

Related posts

Top