“رهانات المعرفة والثقافة”

صدر حديثا عن مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، مؤلف بعنوان “رهانات المعرفة والثقافة”، للأستاذة رحمة بورقية، يضم ست عشرة مقالة كتبت على مدى خمس عشرة سنة (2002-2017)، وألقيت كمحاضرات في إطار “أحاديث الخميس”، وكمداخلات في الندوات التي نظمتها الأكاديمية في إطار أنشطتها العلمية.
وإضافة إلى التقديم، يتضمن هذا الكتاب، الذي يقع في 328 صفحة من الحجم المتوسط، مقالات كتبتها الاستاذة بورقية، وهي عضوة أكاديمية المملكة المغربية، ما بين سنة 2002، سنة انضمامها إلى للأكاديمية، وسنة 2017 التي انعقدت فيها دورة الأكاديمية حول موضوع “من الحداثة إلى الحداثات”. وتتوزع هذه المقالات على خطاب دخول بورقية للأكاديمية، فضلا عن مواضيع متنوعة من قبيل الفقه والمجتمع والأسس والأبعاد الاجتماعية لمدونة الأسرة، والتطرف الديني ومرتكزاته.
كما يعالج الكتاب مواضيع أخرى من قبيل الظاهرة الدينية من منظور العلوم الاجتماعية، و”القيم والمجتمع: الأبعاد المحلية والعالمية”، و”الديني والسياسي: المغرب كأفق للتفكير”، ورهانات الجامعة المغربية، والتعدد اللغوي بين المجتمعي والسياسي، والحركات الشبابية والعالم الرقمي، والهوية متعددة الأبعاد والدستور، والمعرفة وبناء الثقافة، ومفهوم الأخلاقيات في النظريات المعاصرة، وتحديات الثقافة في المجتمع المعاصر، ونظريات الإنصاف والعدالة الاجتماعية: مقاربات نظرية، وكذا من السرد الكبير إلى حداثة التهجين.
وأكدت الكاتبة رحمة بورقية في تقديمها للكتاب، أن هذا المؤلف يعكس “الانشغالات المعرفية التي تزامنت مع عضويتي بالأكاديمية وارتباطي بالمهام التي زاولتها خلال هذه المدة كرئيسة لجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، وعضوة في اللجنة الملكية الاستشارية لتعديل مدونة الأحوال الشخصية، وبعدها في لجنة إصلاح العدالة، ومزاولة التدريس في ماستر 2011-2014 بجامعة محمد الخامس حول العولمة والتنمية البشرية، وهي مهام ذات أبعاد مجتمعية وتربوية كانت تتطلب مني مواكبتها بالتفكير والمتابعة المعرفية”.
ولذلك، تضيف المؤلفة، عكست بعض القضايا التي تم التطرق إليها في بعض المقالات تأثير تلك المهام، كالمقاولات حول الفقه والمجتمع، ومدونة الأسرة وأبعادها، ونظريات العدالة الاجتماعية، مشيرة إلى أن هذه المقالات تفصح أيضا عن بعض الأبعاد التي طبعت انخراطها ومساهمتها في أعمال الأكاديمية، في سياق حلقات الأحاديث أو الندوات العلمية.
وأوضحت بورقية أن البعد الأول يتجلى في بعض المواضيع التي تم تناولها كنتيجة للتفاعل الفكري مع أعضاء الأكاديمية، بحيث تمنح الاختلافات التي تعرفها طبيعة تكوين الأعضاء ومساراتهم العلمية والثقافية واللغوية، غنى في الرؤى والمقاربات، خصوصا عندما يتعلق الأمر بقضايا التراث الإسلامي، حيث يترتب عن هذا التفاعل المساهمة بالتطرق بقضايا بمقاربات سوسيولوجية وأنتروبولوجية سعيا لإثراء النقاش حولها.
وأكدت أن اختلاف مسار التكوين والمرجعيات الفكرية للأكاديميين “كان بمثابة حافز لفهم تأثير ذلك في معارفنا وفي نظرتنا للمعرفة والمجتمع وللعالم”، مشيرة في هذا السياق إلى أنه كانت لها مواقف نظرية، من زاوية علم اجتماع المعرفة، في الفقة كخطاب للمجتمع حول نفسه، وفي الظاهرة الدينية كظاهرة اجتماعية تاريخية، وفي الفرق بين الأخلاق والأخلاقيات، وفي غيرها من القضايا.
ويتجلى البعد الثاني في الكتاب، بحسب السيدة بورقية، في ما تعكسه بعض المقالات من تفاعل مع تطور الأحداث المحلية والعاملية، مؤكدة أنه لم يكن من الممكن تجاهل العولمة وانفتاح المجتمع المغربي على العالم، وهشاشة الحدود الثقافية، وكذا تأثيرهما على قضايا المجتمع، كالهوية والقيم والتعدد اللغوي والدين والسياسة، والتطرف الديني، والشباب والعالم الرقمي.
أما البعد الثالث، فيبدو حسب المؤلفة، في المقالات التي يمكن اعتبارها بمثابة ترافع حول المعرفة، وحول قيمتها في تطور الأمم، وأهميتها في فهم تاريخنا ومجتمعنا، واستيعاب دينامية العالم الذي نعيش فيه؛ وهو ما يتجلى في خطاب الولوج إلى الأكاديمية، وفي المقالات حول الثقافة وأبعادها الحضارية والتنموية، والتفكير في دور الجامعة والاهتمام بالثقافة وبمدلولها ودورها في المجتمع، ومكانتها في تقدم الشعوب.
وخلصت الأستاذة رحمة بورقية إلى أن هذه الأبعاد تعتبر الخيط الناظم لمقالات تعالج قضايا الواقع الراهن وما زالت تتطلب تعبئة المعرفة لإغناء النقاش حولها في سياق مجتمع مغربي وهو في ديناميكية التغيير.

Related posts

Top