رهان السياحة المغربية

في ظل تحسن الوضعية الوبائية عالميا وتراجع أخبار جائحة كورونا وما يحيط بها، لا زال المغرب يعتمد على نتائج اختبارات كورونا PCR للدخول إلى ترابه، إلى جانب التوفر على جواز التلقيح ضد كوفيد-19. وعندما نتأمل هذه الإجراءات نجد أن المغرب يبقى استثناء، باعتبار أن مختلف دول العالم، بما فيها الدول الأوروبية والأمريكية، لم تعد تعتمد إلا على جواز التلقيح مع إجبارية ارتداء الكمامة في الأماكن العمومية.
استمرار المغرب في فرض اختبار كورونا على الراغبين في الولوج لترابه، يتعارض مع سياسته في تشجيع السياحة، كما يبعث على التساؤل ويثير الشك حول جدوى الحقنة الثالثة والتوفر على جواز التلقيح، إذا كانت -لا تحمي من كورونا على ما يبدو ضمنيا من خلال الاستمرار في الاعتماد بدرجة أولى على PCR للتأكد من سلامة الوافدين-.
لقد نشرنا سابقا معطيات مديرية الدراسات والتوقعات المالية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، التي أكدت خلال فبراير الماضي على أن آفاقا واعدة تنتظر قطاع السياحة بالمغرب، مشيرة في مذكرتها الخاصة بالظرفية برسم شهر فبراير 2022، إلى أنه “مع الإعلان عن وضع مخطط استعجالي وإعادة فتح الحدود الوطنية اعتبارا من 7 فبراير 2022، بدت توقعات واعدة أكثر بخصوص هذا القطاع”.
لكن في مقابل توقعات المديرية، والمجهودات الكبيرة التي يقوم بها المكتب الوطني للسياحة، ومليارات الدراهم التي تخصص في هذا الشأن، لا تظهر مؤشرات نوعية على أرض الواقع، في ظل سياق هذه الإجراءات الصحية المتشددة التي لا زالت تنهجها السلطات، إضافة إلى البنية التحتية بالمطارات المغربية وسياسة تدبيرها، مقارنة مع نظيراتها بعدد من الدول المتقدمة (تعقيد المساطر مثلا).
في مقارنة بسيطة مع استحضار الفوارق، فيما يخص وسائل النقل من المطار إلى قلب المدينة، يجد المرء عند وصوله لمطار مدريد بالجارة الشمالية، على سبيل المثال لا الحصر، العديد من الاختيارات التي يمكن عبرها الذهاب إلى قلب العاصمة، وفي كل الأوقات، ابتداء من مترو الأنفاق والقطار، ثم حافلات النقل الخاصة وسيارات الأجرة، إلى حافلات النقل العمومي les bus، وهي وسائل نقل ترتقي لمستوى تطلعات الركاب من جميع النواحي…
في المقابل نجد أن مطار محمد الخامس بالعاصمة الاقتصادية، الذي يجب أن يكون نموذجا خاصا يحتدى به، باعتباره أكبر المطارات المغربية، ويستقبل مئات السياح الأجانب على مدار الساعة، بشكل يومي، يعرف تدبيرا عشوائيا لوسائل النقل… إذ بمجرد وصول السائح إلى تراب أي بلد ما، أول ما يفكر فيه هو وسيلة النقل إلى وجهته. والواصل إلى مطار محمد الخامس لا يجد أمامه إلا وسيلة نقل عمومية واحدة، هي القطار، الذي يتوقف عند الساعة الحادية عشر ليلا إلا عشرة دقائق، وهو الوسيلة التي حتى إن وجدها فهي لا تستجيب لتطلعاته، ولا ترقى للمستوى السياحي الذي تربو بلادنا للوصول إليه، حيث لا زال يعتمد في هذا الخط على صنف القطارات القديمة جدا -عويطة- التي تقدم صور سيئة عن بلد TGV.
أما الوسائل الأخرى من قبيل سيارات الأجرة، فيتم تدبيرها بشكل عشوائي، حيث تجد السائقين بقلب المطار يتجولون “لاصطياد” الزبائن، على خلاف مطارات دول أخرى، حيث توجد مكاتب خاصة بسيارات النقل وبأسعار ثابتة ومعقولة.
أما على مستوى البنية التحتية، سواء استقل هذا السائح سيارة أجرة أو القطار أو أي وسيلة متاحة، فإنه يمر عبر طريق تسوق للمملكة المغربية بشكل سيء جدا، حيث لا يؤخذ بعين الاعتبار ما يراه السائح في طريقه وما يستقبله في وجهته.
إننا اليوم في حاجة ماسة لسياسة حقيقية تشجع المواطنين الأجانب، للتوجه نحو المغرب لقضاء عطلهم، تنطلق أساسا من العمل على تجويد كل الخدمات المرتبطة باستقبال هذا السائح، منذ نزوله من الطائرة بالمطار، حتى وصوله إلى الفندق أو وجهته السياحية، لأن تلك الساعات الأولى التي يقضيها أي سائح منذ وصوله للبلد إلى حين دخوله للفندق، تعد بمثابة الواجهة الرئيسية للسياحة بالمملكة.
وقبل هذا وذاك يجب، بداية، تبسيط إجراءات ومساطر الدخول والخروج من المطار، في حدود ما يتناسب مع الحفاظ على الأمن والمراقبة الصحية والأمنية المعقولة، حيث أنه في الوقت الذي تجد فيها المطارات الدولية بالعديد من الدول، قبلة سياحية للمواطنين، يمكن الدخول إليها بسلاسة حيث تتواجد المطاعم والمحلات التجارية وما إلى ذلك، تجد أن الدخول للمطار المغربي شبه مستحيل، حيث أن التوفر على تذكرة الطائرة مسألة أساسية حتى للدخول من الباب الخارجي الرئيسي، هذا إلى جانب مسألة ضرورة مواكبة باقي الدول خاصة المتقدمة، في مسألة الإجراءات الصحية، بدل البقاء خارج السرب.
أما المسألة الثانية، فهي المرتبطة أساسا بضرورة توفير وسائل نقل عمومية بوفرة، وبجودة عالية ترقى لمستوى تطلعات السياح من جهة، وتسوق للمغرب بشكل لائق، يتناسب مع مليارات الدراهم المخصصة لتشجيع السياحة والترويج لها.
أما المسألة الثالثة، فترتبط بالطرقات -السيارة والوطنية والجهوية- والسكك الحديدية المؤدية إلى قلب المدن من المطارات، حيث يجب الأخذ بعين الاعتبار ما يراه السائح وهو في طريقه إلى وجهته، اعتبارا أن ذلك يعتبر من المسائل التسويقية بدرجة أولى للبلد بشكل عام.
وأخيرا، يجب التأكيد على مسألة مهمة تجمع السياحة الداخلية والخارجية، وتعد بمثابة العائق الأول لصنفي السياحة معا خاصة الصنف الأول (السياحة الداخلية)، وهي تكلفة قضاء العطل بالمغرب، حيث يلاحظ أن أسعار الفنادق المغربية والخدمات السياحية تفوق تكاليف قضاء العطل بأكثر الدول العالمية غلاء، وهو ما بات يفسر تغيير العديد من المغاربة وجهاتهم السياحية نحو تركيا وأوروبا بدل المغرب، رغم ما يزخر به من أماكن سياحية متميزة على المستوى العالمي، مما يستوجب التدخل لتمكين الشعب المغربي أولا من قضاء عطله ببلده بأسعار معقولة ثم تشجيع الأجنبي وإغرائه حتى يشد رحاله نحو المملكة، فهل سنكسب الرهان؟

< عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top