روائع في زمن الوباء

في زمن الوباء العابر للقارات، والذي يخلف الذعر والهلع، تبرز صور جميلة من خلال مبادرة أو سلوك، أو حتى تصرف تلقائي هنا وهناك، يسجل بهذه المدينة أو ذاك الحي، المهم أن هناك قبولا واستحسانا، وإشادة من طرف المواطن البسيط الذي لمس تغييرا إيجابيا في التعامل، وتعاطفا من طرف محيطه، وارتفاعا في درجة الوعي بالمسؤولية.
ولعل أهم صورة يمكن لأي مواطن مغربي الافتخار بها، هي الإشادة التي تخصصها مختلف وسائل الإعلام الدولية وكبريات الصحف، وحتى منظمة الصحة العالمية، هناك إجماع على إيجابية الخطوات التي يقدمها عليها المغرب، وحرص أغلب المواطنين المغاربة على تطبيق الإجراءات التي تحددها مصالح الدولة.
أفراد من رجال الأمن يعطون التحية للمواطنين وسط الأحياء والملتزمين بالحجر الصحي، يتواصلون معهم عن طريق مكبرات الصوت ومنبهات السيارات، تقديرا لهم على وعيهم وانضباطهم ويختمون هذه الجولات المسائية في كل حي من الأحياء بترديد النشيد الوطني.
عامل مسؤول بإحدى العمالات التابعة لجهة أكادير، يسأل بنفسه عن أثمان بعض المواد الأساسية، يتحقق عن طريق المستهلكين من احترام أصحاب الدكاكين التجارية للأسعار المعمول بها.
قائد إحدى المقاطعات بمدينة الرباط يخاطب المقيمين من جنسيات أفريقية جنوب الصحراء بالحي التابع له إداريا، بكلام راق ومعبر، معتبرهم مواطنين مغاربة، يرحب بهم ويعدهم بتلبية كل حاجياتهم شريطة البقاء بالمنازل التي يقطنونها، وهم يبادلونه بالتصفيق والهتاف.
قائدة بمدينة أسفي أصبحت وجها مألوفا، وهي تطوف يوميا الأحياء والأزقة، حاملة مكبر صوت تحاول توعية الناس بضرورة احترام الإجراءات الوقائية لما فيه مصلحتهم ومصلحة أفراد عائلاتهم، وتطلب الأمر منها اللجوء لاستعمال مفردات بالدارجة المغربية، في محاولة لإيصال الرسالة إلى عموم المواطنين.
قائدة أسفي ليست وحدها المسؤولة التي خرجت للشارع قصد التواصل، والحرص على احترام الإجراءات الوقائية، هناك العديد من أمثالها ممن هجرن المكاتب، قصد تبليغ الرسالة وتشريف المرأة المسؤولة، والقيام بالواجب المطلوب منها، كاملا وليس منقوصا، ولا تقليلا من قيمة المرأة، فالاختلاف الوحيد يكمن في نسبة الشعور بالمسؤولية، وتحريك الضمير المهني.
مواطنون من مختلف الشرائح يساهمون بطواعية في حملة التضامن عن طريق تحويلات مالية مهمة، إلى درجة لاحظنا نوعا من التسابق الإيجابي في الإعلان عن قيمة هذا الدعم، ليس تباهيا، ولكن تحريضا للآخرين على القيام بنفس الخطوة التي تعبر عن مواطنة صادقة، كما أن هناك من المواطنين من تكفل مباشرة بدعم العائلات التي تعيش وضعية هشة داخل الأحياء الفقيرة.
متطوعون من المجتمع المدني يقومون بتنسيق مع السلطات المحلية بعمل مهم من حيث التوعية والمواكبة، يتواجدون بمختلف الأحياء والشوارع رفقة أفراد من الإدارة، لشرح الإجراءات وتبسيط لغة الحوار للمواطنين، وهذا العمل من المفروض أن يتواصل، بل يزداد حجما وكثافة امام ازدياد الحاجيات، خصوصا بالنسبة للعائلات الفقيرة والمحتاجة والمتعددة الأفراد، ونتمنى أن يستمر حتى في أيامنا العادية بعد زوال الوباء.
الأكيد أن هناك مسؤولين بالإدارة عبر مختلف المدن المغربية يقومون يوميا بنفس العمل وأكثر، ونفس التفاني بعيدا عن الأضواء وعن أعين الكاميرات وعدسات المصورين، وهذا يحسب لهم انطلاقا من شهادات المواطنين المعبرة، والتي تكفيهم فخرا واعتزازا حتى وهم يقومون بالواجب المطلوب منهم في هذا الظرف الدقيق التي تمر منه بلادنا.
فالأمثلة كثيرة وكثيرة، إذ يصعب تعدادها أو حصرها ، إلا أن الأهم هو أن هناك إجماعا وطنيا على إيجابية التعامل والانخراط في تلبية الواجب الوطني، وإنجاح هذا الرهان الذي ننشده جميعا، ألا وهو الخروج منتصرين من هذه الأزمة، والأكيد أننا سنحقق مجتمعين هذا الانتصار بفضل الإجماع الذي شكل دائما النبراس الذي نهتدي به.

محمد الروحلي

Related posts

Top