روح تلميذة جماعة أحلاف تسائلنا

هلا منحتم لروح التلميذة مريم فرصة الدفاع والترافع الحقيقي عبر منصات أدمغتكم؟. اتركوها تكشف لكم قصور أدوار المجتمع في الاحتضان والرعاية والحماية. وتسرد لكم تفاصيل أطوار جريمة القتل والتنكيل التي راحت ضحيتها. وتكشف لكم المتورطين الحقيقيين، الذين أثثوا لمسرح الجريمة بتراب جماعة أحلاف بإقليم بنسليمان، وأعدوا الظروف والأجواء التي سمحت بارتكاب السفاح لجريمة القتل. سفاح استغل صداقتها بشقيقته. حاول استدراجها لتنصاع لنزواته الجنسية فقاومت. فكان مصيرها الخنق والطعن بالسكين.
روح مريم تعيد تنبيهنا إلى خطر استفحال جرائم القتل والاغتصاب التي تلاحق أطفالنا. بسبب غياب مخطط أمني مشترك يهتم بأمن وسلامة الطفولة. مخطط يؤمن محيط المؤسسات التعليمية، ومسارات التلاميذ اليومية. فلا يعقل أن يتم تسريح التلاميذ عند غياب الأساتذة. و لايحق ترك التلاميذ القادمين من أماكن بعيدة عرضة لمروجي المخدرات وحبوب الهلوسة والمرضى جنسيا. و حتى ما بين حصص الدراسة الصباحية والمسائية. روح مريم تنبها إلى ضرورة تكثيف تواجد العناصر الأمنية والدركية بمحيط المدارس. وإحداث مراكز لها قريبة منهم. روح مريم تساءلنا كلنا، وإنصافها يسكن دواخل كل مغربي ومغربية. يتطلب الاعتراف الضمني بأننا نتحمل كلنا مسؤولية تلك الجرائم. وأن علينا أن نحاكم أنفسنا. ونصدر أحكام قاسية في حقنا. حتى نوقف تلك الجرائم. فالمجرم الذي خطط ودبر ونفذ جرائمه بدم بارد، هو منتوج مغربي خالص. كيف يعقل أن نسمح بتربية الذئاب البشرية؟. وكيف يعقل بأن نترك تلك الذئاب حرة طليقة، تعبث بحياة ومستقبل أطفالنا ؟. لم تكن مريم الضحية الأولى، فقبلها راح العديد من الأطفال ضحايا الاغتصاب والقتل والتنكيل. ولن تكون الأخيرة مادمنا لم نوقف إنتاج وتربية تلك الذئاب البشرية.
هلا اكتفيتم بالإنصات لروح مريم. فوحدها روحها الطاهرة قادرة على سرد أدق تفاصيل سلسلة الجرائم الشنيعة التي راحت ضحيتها الطفولة.
مريم الطفلة البريئة ابنة الـ14ربيعا.. لم تقم بأدنى تجاوز أو ذنب. خرجت عصرا من الثانوية الإعدادية التي تتابع دراستها بها، لسلك ممرها العادي اتجاه منزل والديها. والمفروض أن تعود لحضن أمها وأبيها. لكن تشاء الأقدار أن تكون هدفا لذئب بشري. شاب منحرف عمره 24 سنة، قرر العبث بجسدها وحياتها. شاب ولد وترعرع وشب بيننا، لكن للأسف تشبع في غفلة وتغافل منا، بمبادئ وأخلاق سيئة. ومثله كثيرون.. منهم من يعلنون عن انحرافاتهم ومنهم يخفونها. بل هناك أطفال صغار يسيرون على دروبهم. أطفال في صورة كائنات حية غريبة تعيش خارج تغطية أدبيات المجتمع، نسجت بساطا خاصا بطقوسها وعلت به فوق محيطنا.. قنابل موقوتة تنمو في صمت. تمر السنون وتزداد خطورتها باحترافها الشغب والعنف، وتصبح جاهزة للانفجار بعد امتصاصها لكل أشكال الانحراف. بمعنى أننا ملزمين بوقف زحف وتكاثر وانتشار هذه الكائنات البشرية. وذلك بإعادة النظر في احتضان وتربية أطفالنا وعلاج المرضى ومدمني المخدرات، وإصلاح السجون وتصنيفها حسب نوعية المجرمين. بدلا من الاكتفاء بسجنهم وتوفير المراقد والتغذية لهم. يجب أن تكون السجون للتهذيب وكذا للعقاب بفرض الأعمال الشاقة على من يستحقها. وحتى لا تبقى سجوننا مجرد ملاجئ، يعرجون إليها المنحرفين من أجل السبات والاستراحة قبل العودة لمزاولة أنشطتهم الإجرامية. وحتى يصبح لها دور فعال في ردع الجريمة.
مريم وقبلها عدنان وقبلهم أطفال آخرين لن يفارقوا أدمغتنا وهواجسنا مادام خطر تكرار تلك الجرائم قائما. ومادمنا لا نعترف بأننا متواطئين ومتورطين في كل الجرائم التي ترتكب في بلادنا. جرائم الاغتصاب والقتل والتنكيل، وحتى في حق الأصول والفروع. وجرائم ترويج حبوب الهلوسة والمخدرات بكل أصنافها. وجرائم الفساد المالي والإداري والسياسي والقضائي والبيئي والتعليمي. وددت لو أدرك الجميع أن بنيان المجتمع لن يكون مرصوصا وقويا، مادامت بعض أسواره «أفراده» متهالكة. وأن الفرد هو مسؤول ليس فقط داخل منزله، بل داخل حومته و دواره وقريته ومدينته وبلدته. وأننا كلنا أسرة واحدة اسمها الوطن. علينا المساهمة قدر الإمكان من أجل تنقيته وتطهيره من كل الانحرافات والفساد.
روح مريم رحلت لتستقر في «جنات عدن»، حيث الرعاية والأمان والإنصاف الحقيقي. وأسرته باتت تحظى بملاك يؤثث لها منزلها الأبدي. ولا راد لقضاء الله. وتبقى أرواحنا تتقلب بين الحياة الماضية، تنتظر اليوم الموعود..

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top