زواج الفتيات القاصرات..ضرورة وضع حد للاستثناء القانوني الذي يساهم في انتشار الظاهرة

دعا المشاركون في ملتقى دراسي، نظم أول أمس الأربعاء بالدار البيضاء، حول زواج الفتيات القاصرات، إلى ضرورة وضع حد للاستثناء القانوني الذي يساهم في انتشار الظاهرة، وذلك من خلال إلغاء المادة 20 من مدونة الأسرة، وكذا المقتضيات التي تتصل بها في المادتين 21 و22 من نفس المدونة.
واعتبر المشاركون في هذا اللقاء الذي نظم تحت عنوان “وجهات نظر متقاطعة: الزواج التقليدي، ضرورة الإصلاح القانوني”، أن الصلاحيات التي تمنحها المدونة لقاضي الأسرة، ضمن المدونة، في منح الإذن بالزواج، في بعض الحالات الاستثنائية، للفتى والفتاة دون 18 سنة، لم تمكن من وضع حد للظاهرة، بحيث أصبح زواج الفتيات القاصرات قاعدة وليس استثناء في عدد من المناطق من المغرب، مع كل ما يستدعيه ذلك من عواقب وخيمة على المجتمع.
وأجمع ممثلو القطاعات العمومية وجمعيات المجتمع المدني وعدد من المنظمات الدولية المشاركون في اللقاء الدراسي على ما وصفوه بـ”العنف القانوني” الذي يمارس على النساء والفتيات بسبب عدم القطع نهائيا مع زواج القاصرات الذي يعتبر بدوره مظهرا من مظاهر العنف القائم على النوع والذي يولد عنفا مضاعفا من خلال ما تعانيه آلاف الفتيات القاصرات اللواتي يجدن أنفسهن في سن مبكرة عرضة للطلاق والأمراض ومخاطر الحمل والولادة، فضلا عن حرمانهن من حقهن في التعليم وفرصة بناء مستقبلهن على أسس أفضل.
واعتبرت مريم عثماني رئيسة جمعية “إنصاف”، التي نظمت هذا اللقاء بشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) وهيئة الأمم المتحدة للمرأة (يونيفيم)، أن المغرب بذل جهودا معتبرة في إطار تنفيذ التزاماته بخصوص محاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، ومن ضمنها تمكين النساء والفتيات الصغيرات من حقهن في التعليم والعيش الكريم، إلا أن ظاهرة زواج القاصرات مازالت تحد من النتائج الإيجابية المحققة في هذا المجال, وأوضحت عثماني أن آلاف الفتيات، في العديد من القرى وحتى في المدن، يجدن أنفسهن مجبرات على مغادرة مقاعد الدراسة والدخول في تجربة زواج تقليدي تنتج عنه مآسي اجتماعية واقتصادية، ويسهم في استمرار دوامة الفقر والهشاشة، والعنف واللامساواة.
وعبرت عثماني عن أملها في اتخاذ الحكومة الجديدة لإجراءات عاجلة، ضمن استراتيجية مندمجة وشاملة، لمواجهة هذه الظاهرة.
من جهة أخرى، كشفت عثمان، أن عمل جمعية “إنصاف” في مجال محاربة الهدر المدرسي والزواج المبكر في صفوف الفتيات، مكن من إعادة أزيد من 550 فتاة إلى المدرسة، مما ساهم في إنقاذهن من الزواج المبكر أو العمل في المدينة، مؤكدة أن الجمعية استطاعت إقناع أولياء الأمور بدفع الرسوم المدرسية لهؤلاء الفتيات.
ولهذا الغرض، حرص المنظمون على إشراك العديد من القطاعات العمومية وهيئات المجتمع المدني الفاعلة في المجال، في سياق الدفع بالنقاش المجتمعي حول الظاهرة، حيث عرف اللقاء حضور ممثلي كل من وزارات العدل، التربية والتعليم، الشباب والثقافة والتواصل، الحماية الاجتماعية والتضامن، إضافة إلى المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، المجلس الوطني لحقق الإنسان، ومؤسسة النيابة العامة. كما حضره عدد من ممثلي الجمعيات النسائية والحقوقية وخبراء في مجال القانون والفقه وحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، أكد ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في المغرب، لويس مورا، على أهمية توحيد الجهود لوضع حد لهذه الممارسة الضارة التي تطال أكثر من 650 مليون امرأة وفتاة حول العالم.
وقال مورا إن الفتيات اللواتي يجبرن على الزواج المبكر غالبا ما يحملن في سن مبكرة جدا، وهو ما يزيد من مخاطر حدوث مضاعفات أثناء الحمل أو الولادة، مبرزا أن هذه المضاعفات هي من بين الأسباب الرئيسية للوفاة بين المراهقات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاما على مستوى العالم.
وأضاف أن الفتيات المتزوجات يمكن أن يصبن بالأمراض المنقولة جنسيا، مثل فيروس نقص المناعة، وأن يواجهن العديد من المخاطر التي تعرض للخطر حقهن في الحياة والصحة والرفاهية.
من جهتها، شددت ليلى الرحيوي، ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب وشمال أفريقيا، على أهمية أخذ السياسات العمومية التي يتم إقرارها لمحاربة الظاهرة، للجانب الثقافي، بحيث يمثل زواج القاصرات أيضا مظهرا صارخا لتجذر العقلية الأبوية في جميع المجالات، مما يتسبب في تكريس منظومة اجتماعية قائمة على التمييز والإقصاء ضد المرأة. وهو ما يتطلب، حسب الرحيوي، مقاربة شمولية تعتمد القضاء على القيم التمييزية والصور النمطية في الوعي والممارسة.
يذكر أنه تم، على هامش هذا اليوم الدراسي، افتتاح معرض جماعي فني بصبغة اجتماعية تضامنية، تحت شعار “الفن في خدمة المجتمع”، والذي سيستمر غاية 22 دجنبر الجاري.
ويشارك في هذا المعرض، الذي تنظمه جمعية إنصاف برعاية وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بالمكتبة الوسائطية لمؤسسة مسجد الحسن الثاني، حوالي 85 من الفنانين الأكثر شهرة على الساحة الوطنية، حيث يتم عرض أكثر من 100 لوحة فنية.

سميرة الشناوي

Related posts

Top