زيادة الوزن والحالة النفسية

تعد زيادة الوزن واحدة من المشكلات الرئيسية التي يواجهها عالمنا اليوم. ولم يتمكن العلم من تحديد العمليات الميكروبيولوجية التي تؤدي إلى السمنة بعد، لكنه تمكن من إدراج بعض العوامل التي أثبت صلاتها المباشرة بهذه المعضلة.
فقد أثبتت مجموعة من البحوث المختلفة التي أجريت على مدى العقود الأخيرة تضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من زيادة في الوزن في جميع أنحاء العالم. وتتعامل منظمة الصحة العالمية مع هذه الظاهرة كوباء، خاصة في بلدان مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمكسيك والصين، أين تضاعف عدد المصابين بالسمنة ثلاث مرات.
وقالت المنظمة “اتخذت السمنة أبعادا وبائية في جميع أنحاء العالم، حيث تتسبب في وفاة ما لا يقلّ عن 2.8 مليون نسمة كل عام.
وتجدر الإشارة إلى أنّ المخاطر تزيد تدريجيا مع تزايد مؤشر كتلة الجسم الذي يؤدي إلى الإصابة بأمراض مزمنة مثل الأمراض القلبية الوعائية والسكري والاضطرابات العضلية الهيكلية وبعض أنواع السرطان… وبرزت علاقة بين تضاعف عدد الأطفال الذين يعانون من السمنة وزيادة احتمال الوفاة المبكّرة واحتمال الإصابة بالعجز في مرحلة الكهولة”.
لفت تقرير نشر في موقع “نو بونسي” الفرنسي إلى أن هذا الموقف من زيادة الوزن ولّد بعض التحيزات ضد الظاهرة.
ويشير الخبراء إلى أن السمنة ارتبطت بإهمال الصحة، وهو ما يعدّ سوء تقدير في كثير من الحالات، إذ يتّبع بعض الناس حمية شديدة دون أن يحققوا نجاحا في التخلص من الوزن الزائد. وارتبطت كذلك بما هو سيء وغير مرغوب فيه. يخلق هذا عبئا نفسيا كبيرا وخاصة لدى أولائك الذين يعانون من مشكلات نفسية أخرى.
لقد مرت بضعة عقود منذ أن بدأت دراسة تبحث في تأثير الحالة النفسية على زيادة الوزن. وكشف الباحثون أن الوجبات الغذائية منخفضة السعرات الحرارية وممارسة التمارين الرياضية غير كافية، أحيانا، لتحقيق النتائج المرجوة. وقد أدت هذه الحقيقة إلى إدراج نظرية تقول إن اللاوعي يؤثر على الوزن.

الوزن الصحي والوزن الزائد

في علم التشريح، لا يعني تراكم الدهون في الجسم زيادة في الوزن بالضرورة. تزيد كمية الدهون في الوزن المسجل، وهذا أمر منطقي. ومع ذلك، لا تؤدي هذه الزيادة بالضرورة إلى ما يعتبره الأطباء وزنا غير صحي. ففي كثير من الأحيان، تؤدي الزيادة في كمية الدهون إلى انخفاض في كتلة العضلات. يعني هذا أن وزن الشخص لا يعكس كمية الدهون في جسمه. وبالتالي، يعتبر شكل الجسم أهم من وزنه.
وتبرز الدهون المتراكمة في بعض المناطق أكثر من غيرها مما يجعلها غير مرغوب فيها نظرا لوجود ضغوط اجتماعية تحبذ شكل جسد عن الآخر. ويمكن لأي شخص تتراكم الدهون حول خصره أو في بطنه أن يسجّل نفس وزن شخص أنحف مع كتلة عضلات أكبر. في النهاية، ليس الوزن نفسه المشكلة الكبرى. لكن، تؤثر الضغوط الاجتماعية المذكورة على الكثيرين نفسيا.
يقول الدكتور لويس شيوزا إن هناك أدلة علمية تؤكد “سهولة” تراكم الدهون في أجسام بعض الناس لتوظيفها عند الحاجة. ولفهم سبب حدوث هذه الظاهرة، يشير الطبيب الأرجنتيني إلى وظيفة الأنسجة الدهنية الأساسية، فهي احتياطي من السعرات الحرارية والطاقة يخزنه الجسم للضرورة.
ولفت الدكتور شيوزا إلى وجود روابط بين اللاوعي وتخزين الدهون في الجسم. وأوضح أن تراكم الأنسجة الدهنية يعد استجابة تكيفية وتحضيرا لفترات الحاجة.
ولا يقتصر الأمر على الإنسان، إذ سجل الباحثون زيادة في كمية الدهون في أجسام الطيور المهاجرة قبل بدء رحلاتها السنوية الطويلة.
أما بالنسبة إلى البشر، يخزّن الجسم الدهون على المدى الطويل. ويرتبط هذا بدوره بـ”الاكتفاء الذاتي” أي تحقيق عدم الحاجة إلى أي شيء أو أي شخص آخر لضمان استمرارية حياة الشخص. كما يرتبط شكل الجسم برغبة موجودة داخل كل شخص، وهي أن يكون مختلفا أي خارج المعايير العامة المتفق عليها أو ما يعبر عنه بشكل الجسم المثالي.
وخلص الدكتور شيوزا إلى أن زيادة الوزن تعدّ شكلا من أشكال الدفاع، إذ تعتبر الدهون المتراكمة وسيلة للحماية أو نوعا من التعويض عن الشعور بالعجز.
ويشدد التقرير الفرنسي على أنه مهما كان السبب، يجب علينا أن ندرك المخاطر الجسدية التي يمكن أن تسببها زيادة الوزن لدى بعض الأشخاص الذين يعانون من مشكلات نفسية ناجمة عن عدم تمتعهم بسمات الجمال التي تحكم مجتمعنا. في حقيقة الأمر، عادة ما تترابط الحالتان، مما يزيد من أهمية التشخيص النفسي. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن استغلال دوافع المريض الذي يريد تحسين مظهره لوضع نسق حياة صحي يساعده على الصعيد النفسي.
تولّد المعاناة من زيادة الوزن نوعا من القلق الذي يحاول بعض الأشخاص التخفيف منه عبر تناول المزيد من الطعام، مما يعزز شعورهم بالذنب. ويفسّر الباحثون هذه الحلقة المفرغة ويطرحون وسائل تساعد على التخلص من هذه الحالة.
فالكثير من الأفكار تراود بشكل متكرر من وقعوا فريسة الشعور بالذنب. “غدا أبدء حميتي…”، “سأتوقف عن تناول الوجبات السريعة ابتداء من اليوم…”، “لن أعود إلى المطعم الذي يبيعها مرة أخرى!”، “لا أستطيع أن أواصل حياتي على هذا المنوال…”، “وزني يزيد أكثر وأكثر! لا بد أن أغيّر نمط حياتي”!
يشعر كل من يرددون هذه الكلمات أنهم هم المسؤولون عن معاناتهم من زيادة الوزن والسمنة. فما هي الصلة بين السمنة والشعور بالذنب؟
يشعر البدناء بالإحباط لأن سماتهم الكثيرة غير معترف بها كمعايير للجمال في مجتمعهم. ومن المرجح أنهم سيشعرون بالخيبة لأن أجسامهم لا تتوافق مع هذه المعايير المحدودة والصارمة وقد يرون ضرورة في تغيير حياتهم لأنهم يعانون من مشكلات صحية أو لأن أخصائيا صحيا نبههم من خطر وشيك سيحل بهم إذا واصلوا على نفس المنوال.
وتتعدد الأسباب التي تجعلهم يشعرون بضغط شديد للشروع في تغيير شكل أجسامهم. تعدّ هذه المعتقدات الشائعة السبب الذي يدفع الكثيرين للشعور بأنهم المسؤولون عن السلبيات التي تحل بهم، مما يخلق داخلهم شعورا بالذنب.

الشعور باليأس

سرعة الشعور باليأس تعني أن من يعانون من زيادة أوزانهم لم يعودوا يستطيعون أن يتقبلوا أجسامهم. حينها يقررون أن الوقت قد حان للتغيير على الفور. فيشرعون في البحث عن طريقة تلبي شرطين: يجب أن تكون هذه الطريقة عقوبة لأنهم لم يسرعوا في اتخاذ القرار، كما ينبغي أن تجلب لهم نتائج ملحوظة في أقصر فترة ممكنة.
وعادة ما يروج الأشخاص الذين يقفون وراء برامج التخسيس القاسية لطرقهم كخيارات ضرورية وصحية ويخبروننا بأنها تتطلب ممن ينوون اتباعها أن يكونوا أقوياء. وبالتضحية والحفاظ على رباطة الجأش والتحكم في النفس فقط يمكن النجاح في اتباع نظام غذائي منخفض السعرات الحرارية مع تمرين بدني مكثف.
تتفاقم المشكلة عند اتباع نظام صارم وقاس ويصبح الرفض الذي يشعر به البدناء تجاه أجسامهم أكبر. فيزداد الضغط وتصبح العملية أكثر صعوبة لدرجة امتداد الشعور بالضيق إلى ما أبعد من الآلام الجسدية.
في ذلك الوقت، يبحث من لم ينجح في تخفيض وزنه عن طريقة تجعله يشعر بالرضا، خاصة وقد صار غير قادر على التحمل. فسرعان ما يستسلم ويشرع في أكل أي شيء حاول تجنبه في الأيام الأخيرة. ورغم أن هذا السلوك غير صحي فهو يهدئ عقله لبضع الدقائق.
كما يسمح هذا السلوك بتقليل درجة الإحباط المرتبطة بعملية تغيير صعبة، لكن يعود نفس الشخص مرة أخرى ليجد نفسه عالقا في دائرة مفرغة من الضغط واليأس وفقدان السيطرة وعدم الرضا، فيأكل كل ما يجده أمامه للتغلب على الجوع العاطفي، ويشعر بالذنب من جديد.
وكانت دراسة أميركية سابقة قد أفادت بأن الأشخاص الذين يعانون من الشعور بالخجل بسبب وزنهم الزائد تزيد لديهم فرص الإصابة بأمراض القلب واضطرابات التمثيل الغذائي.
الدراسة أجراها باحثون في جامعة بنسلفانيا الأميركية، ونشروا نتائجها في دورية (أوبيزيتي) العلمية. وللوصول إلى نتائج الدراسة، راقب الباحثون 159 شخصا يعانون من زيادة الوزن تتراوح أعمارهم بين 21 و65 عاما لتقييم نظرتهم إلى أنفسهم ومدى ارتباط ذلك بتعرضهم لمخاطر صحية.
وركز الباحثون على ما يعرف باسم “متلازمة الأيض” أو اضطرابات التمثيل الغذائي، وهي مجموعة مخاطر تتعلق بأمراض القلب والجلطات والسكري.
وتوصلت الدراسة إلى أن الذين يعانون من الخجل بسبب وزنهم الزائد زاد احتمال تعرضهم لمتلازمة الأيض بنسبة 41 بالمئة، مقارنة بمن لا يعانون من ذلك، بعد وضع مدى الإحباط ودرجة السمنة في الاعتبار.
وبحسب الدراسة، تؤدي متلازمة الأيض إلى مشكلات منها زيادة الدهون في منطقة الخصر، والزيادة في مستوى الدهون الثلاثية، وانخفاض مستويات الكوليسترول “الجيد”، وارتفاع ضغط الدم وزيادة مستوى السكر في الدم.
وقالت قائد فريق البحث، ريبيكا بيرل، من جامعة بنسلفانيا إن “الشعور بالخجل من السمنة يولد ضغطا نفسيا يصاحبه ارتفاع ضغط الدم والإصابة بنوع من الالتهابات، وربما يتحول هذا الخجل إلى نوع من القلق المزمن”.وأضاف أن مثل هؤلاء الأشخاص ربما “ينخرطون في سلوكيات غير صحية للتغلب على هذا القلق مثل الإفراط في تناول أطعمة معينة تشعرهم بالراحة، لكنها تحتوي على مستويات مرتفعة من السعرات الحرارية”.

السمنة والاكتئاب

أظهرت دراسة دولية أخرى أن الوزن الزائد الذي يتسبب بأمراض كثيرة لصاحبه، يرفع من احتمال إصابته بمرض الاكتئاب والذي يوصف بـ”سرطان النفس”.
وأوضح الباحثون من كلية الطب في جامعة “إكستير” البريطانية بالتعاون مع باحثين من جامعة جنوب أستراليا، أن مرض الاكتئاب شائع بين الأشخاص المصابين بالسمنة، لكن هذه الدراسة تكشف لأول مرّة أن الوزن الزائد قد يُؤدي إلى الاكتئاب دون عوامل مساعدة.
وأشار الباحثون الذين نشروا نتائج دراستهم في المجلة الدولية لعلم الأوبئة، إلى أن السمنة قد تُسبب مرض الاكتئاب عند الأشخاص الذين لا يعانون مشكلات صحية أخرى مرتبطة بالسمنة.
وللتوصل إلى نتائج الدراسة، راجع الفريق بيانات البنك الحيوي البريطاني المأخوذة من أكثر من 48 ألف شخص مصاب بالاكتئاب.
وقارن الفريق بياناتهم مع بيانات أكثر من 290 ألف شخص آخر غير مصابين بالاكتئاب، وولدت المجموعتان بين عامي 1938 و1971.
واستخدم فريق الباحثين منهجا بحثيا جينيا لاستكشاف العلاقة السببية بين الوزن الزائد والاكتئاب، باستخدام الجينات المرتبطة بالوزن الزائد والأمراض المتعلقة به مثل السكري.
واكتشف الفريق أن زيادة الوزن مرتبطة جينيا بارتفاع مستويات الاكتئاب، حتى في ظل عدم إصابة الأشخاص بعدة أمراض أخرى مرتبطة بالسمنة مثل السكري على سبيل المثال.
ونقلت الدراسة عن قائد فريق البحث، الدكتور جيس تايرريل، قوله إن “السمنة والاكتئاب من المشكلات الصحية العالمية ولهما تأثير كبير على الحياة، بالإضافة إلى تكلفتهما الباهظة على الخدمات الصحية”.
وأضاف تايرريل أنه “لم يكن من الواضح ما إذا كانت السمنة في حد ذاتها تسبب الاكتئاب، أم أن المشكلات الصحية المرتبطة بها هي التي يمكن أن تسبب الاكتئاب”.
وأوضح أن “التحليل الجيني الذي أجراه الفريق يخلص إلى أن التأثير النفسي للسمنة من المحتمل أن يتسبب في الاكتئاب، وهي نتيجة ستساعد العلماء في جهودهم المبذولة للحد من الاكتئاب”.
ويشير خبراء التغذية إلى أن فترة الرضا عن النفس، عند اتباع نظام غذائي صحي، عادة ما تكون قصيرة لتولد الشعور بالذنب مرارا وتكرارا.
الحل الفعال يكمن في كسر هذه الحلقة المفرغة. ولتحقيق الهدف المرجو في النهاية، يجب اتباع خطة مدروسة ومعدلة وواقعية، لا يعني التراجع فيها العودة إلى نقطة البداية.
ويوصي الأخصائيون بضرورة تطوير الفكر النقدي من أجل استعادة المسك بزمام الأمور واتخاذ القرارات الصائبة دون تركها مرتهنة لآراء المجتمع التي قد تكون غير صحيّة.
كسر هذه الحلقة المفرغة يعني أيضا وضع حد للضغط. لذلك، يجب على من يرغب في إنقاص وزنه أن يرسم صورة واقعية لنفسه ومسؤولياته تجاه جسمه وأهميته في حياته. في الوقت نفسه، سيحتاج إلى تطوير موقف نقدي تجاه المجتمع من أجل تجنب بعض القرارات السامة التي قد تتخلل حواره الداخلي مع نفسه.
وينصح الأطباء النفسيون بتعلم تقييم النفس بطرق تتجاوز مظهر الجسم. ويشددون على أهمية أن يدرك الفرد أنه خلق مختلفا عن الآخرين. فإذا فكر الجميع في ذلك ونظروا إلى المشكلة من هذه الزاوية، لن يقوّض الفشل المحتمل ثقتهم بأنفسهم وسيكونون قادرين على الالتزام بخطة عملية صحية ومستدامة تحقق مشاعر الهدوء والفرح في داخلهم.
وعلاوة على ذلك عليهم وضع نموذج كامل يعلمهم كيفية تناول الطعام الذي يحبونه بطرق صحية أكثر، مما سيشعرهم بتحسن ملحوظ.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن هناك أكثر من 1.4 مليار نسمة من البالغين يعانون من فرط الوزن، وأكثر من نصف مليار نسمة يعانون من السمنة، ويموت ما لا يقلّ عن 2.8 مليون نسمة كل عام بسبب فرط الوزن أو السمنة.
وعن الآثار الصحية للبدانة، كشفت المنظمة أن فرط الوزن يؤدي إلى آثار وخيمة، تزيد تدريجيا مع زيادة الوزن، حيث تسبب السمنة أمراض القلب، وبعض أنواع السرطان ومنها سرطان بطانة الرحم، والثدي والقولون.

Related posts

Top