سؤال للمقارنة و… التفكير 

كل الدول والحكومات تسارع الزمن لإيجاد المداخل القادرة على التغلب على تداعيات “كوفيد – 19″، وتفعيل برامج تنموية لتخفيف حدة الأزمة الناجمة عن تفشي هذا الوباء.
منذ بضع أيام، أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بدوره، عن خطة إنعاش كبرى لإنقاذ اقتصاد بلاده.
ما أعلن عنه جونسون، وصرح به أيضا لوسائل الإعلام مؤخرا، أثار جدلا في الساحة السياسية البريطانية، وخلف بعض السخرية والانتقاد من معارضيه، ولكن فيه ما يستدعي تأملنا نحن انطلاقا من واقعنا ومميزات جغرافيتنا السياسية والاقتصادية.
لقد أعلن رئيس وزراء دولة عظمى مثل بريطانيا أن بلاده لا يجب أن تعود إلى التقشف، وأن الوقت حان للاستثمار، ومنح لخطته نقطة ارتكاز أساسية هي مشاريع البنيات التحتية لدعم الاقتصاد، حتى أنه أسماها: “ثورة البنيات التحتية”.
بوريس جونسون، عند إعلان خطة النهوض باقتصاد بلاده ومواجهة تداعيات ما بعد “كوفيد – 19″، استحضر مقاربة الرئيس الأمريكي في الثلاثينات روزفلت، والذي كان قد اشتهر، من جهته، ببرنامج الصفقة الجديدة (NEWS DEAL) الاقتصادي، ودافع عن سياسة النهوض من خلال الطلب وتدخل الدولة بعد الكساد الكبير للثلاثينات.
واستلهاما من مقاربة روزفلت، حث جونسون على التركيز على البنيات التحتية والتعليم والتكنولوجيا، وتدخل الدولة للتخفيف من حدة البطالة، والاهتمام بالمناطق التي تضررت بشكل أكبر من غيرها، والحرص على وحدة البلاد، وتحريك الاقتصاد عبر دعم الدولة وتقوية الاستثمار.
هذا التفكير هو الذي يثير الاهتمام هنا، أي أن بلدا أوروبيا كبيرا ومتقدما مثل بريطانيا، ترى حكومته أنها مطالبة باعتماد برنامج للأشغال الكبرى، وتفعيل سياسات إصلاحية  رئيسية تعتمد على تدخل الدولة وتقوية الاستثمار والاهتمام بالطلب، والسعي لتحقيق العدالة المجالية بين المناطق، والاهتمام بالبنيات التحتية والتعليم، وتفادي أي اقتراب من التقشف.
هذه قناعة تخرج من أحد معاقل الليبرالية، وتصدر عن رئيس وزراء يوجد في منصب المسؤولية.
ألا يدعو هذا للتساؤل عن حالنا نحن؟ هنا والآن؟ 
متى تتحقق القناعة وينطلق الإنجاز بخصوص اعتماد سياسة شاملة وحقيقية للأوراش الإصلاحية والأشغال الكبرى المجسدة للحاجيات التنموية الأساسية لشعبنا؟
لقد أبرزت مرحلة تفشي الوباء وفرض إجراءات الحجر الصحي حجم ما يعانيه شعبنا من هشاشة اجتماعية واقتصادية، وكشفت عن الواقع الصعب في البوادي وفِي الأحياء الهامشية، وحتى وسط الطبقة المتوسطة، وتأكدت من جديد أولوية قطاعات التعليم والصحة، وبدا دور الدولة أساسيا وضروريا لمعالجة معضلات التنمية الاقتصادية والأوضاع الاجتماعية وواقع البنيات التحتية وتمتين الحركية العامة في المجتمع.
ولكل هذا، ما أعلنه رئيس الوزراء البريطاني بالنسبة لبلاده، يجدر أن نستحضره نحن هنا وأن نفكر فيه، أي في مخطط وطني تأهيلي استراتيجي لبناء بلادنا وتقوية مسارها التنموي العام، وتعبئة شعبنا للمساهمة في ذلك، والاهتمام أيضا بتحسين أوضاع مواطناتنا ومواطنينا ورفع مستوى عيشهم وتأهيلهم المعرفي، وتعزيز مختلف الخدمات والقطاعات، وتطوير الممارسة الديمقراطية العامة في البلاد.
جونسون في بريطانيا أقر أن الجواب عن سؤال ما بعد كورونا يقوم على خطة للبنيات التحتية والأشغال التجهيزية والتنموية الكبرى، وعلى تمتين الاستثمار وتدخل الدولة وتفادي التقشف…
ألم يحن الوقت بالنسبة لنا نحن لنسير على هذه الطريق؟

< محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top