سالم كويندي الرجل الذي أطفأ ما كان بي من عطش للمسرح

كنت حديث عهد بالعمل والعيش في مدينة الدار البيضاء الرائعة، حين تعرفت على الكاتب سالم كويندي. تواعدنا على اللقاء بمقهى في شارع إدريس الحريزي. حضر هو والشاعر عبد الله زريقة. كنت سعيدا بذلك كثيرا. تضمن الحديث مواضيع شتى، كنت من خلالها أكتشف شابين طموحين يرسخان أقدامهما في عالم الكتابة المليء بالمطبات والحواجز والمتاريس. لكن أهم كشف بالنسبة لي هو إنارة سبيلي في مجاهل أكبر مدن المغرب أنا الآتي من مدينة صغيرة، تعودت فيها آنذاك على الهدوء والحياة الرتيبة. سوف تتوطد العلاقة بيني وبين سالم كويندي الذي سيطفئ ما كان بي من عطش للمسرح، فرافقته في الإدمان على مشاهدة العروض أينما كانت وحضور التداريب، خصوصا في شعلة بنمسيك. أنا مدين له بأشياء كثيرة، فالرجل كريم يضع مكتبته رهن إشارتي، لا يمانع بتاتا في تسليمك أي نسخة من أي كتاب تشاء، رغم أنني لم أكن باحثا بل مجرد عاشق للمطالعة الحرة. سنلتقي في ندوة المحرر التي سيرها المرحوم محمد عابد الجابري، وسأعيش معه مغامرات لا حصر لها في مؤتمرات اتحاد كتاب المغرب، فالرجل كان يمتلك من الوعي والفكر التقدمي، ما يجعلك تحترمه وتعتز بصداقته. سيجمعنا بعد ذلك فرع اتحاد كتاب المغرب بالبيضاء رفقة الميلودي شغموم وعبد الله راجع وعبد الله المنصوري. كان النقاش في تلك الفترة حادا عنيفا في حمأة صراعات إيديولوجية وسياسية وحزبية رهيبة، وكانت الإدارة تبث الرعب في صفوف المثقفين، تعتقل وتختطف وتبطش بعنف في جو كابوسي رهيب. كان سالم كويندي يجد الحلول بسرعة لكل مأزق طارئ أو حدث غير متوقع. كان يمارس المسرح قراءة وكتابة وتدريبا على الخشبة وفي الحياة العامة. لا يمكن أن تصاحب سالم دون أن يجد لك الحل لكل ورطة تقع فيها . وقد كنت دائم  التورط في مطبات لاحصر لها.
في إضرابات 1979سنعيش إرهابا غير مسبوق. كنت أسكن في حي الفرح وأعمل بمؤسسة البيروني في العنق. وبالتالي فقد وقعت بين كفي قائد جاهل متخلف يسير مقاطعتين في نفس الآن: واحدة في محل سكناي والثانية في مقر عملي. وكان مشهورا بجلد المواطنين في واضحة النهار، حين رفضت التوقيع على المطبوع المشهور آنذاك (لا أعتزم المشاركة في الإضراب)، فأخذوني عنوة من مقر عملي إلى المقاطعة، حيث سأقضي يوما رهيبا في مواجهة عضلية بيني وبين شخص أجلف يتفوه بكلام ساقط. كان يخلط خلطا بليدا بين جمعية ثقافية تحمل اسم اتحاد كتاب المغرب وحزب سياسي يحمل اسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ورغم كل ما وقع، كنت الوحيد الذي أضرب عن العمل، غير أنني لم أتعرض للتوقيف، لأنهم اعتبروا –تزويرا- أن مؤسستنا استجابت لعدم المشاركة في الإضراب بنسبة مائة في المائة. سالم كويندي جزء من ذاكرتي الثقافية والاجتماعية، لا أنساه أبدا.

بقلم: إدريس الصغير   

Related posts

Top