سالم كويندي يبحث عن المشترك في المسرح المغربي

عن منشورات دار التوحيدي، وبدعم من وزارة الثقافة، صدر مؤخرا كتاب جديد للكاتب والباحث الأستاذ سالم كويندي يحمل عنوانا دالا “المشترك في المسرح المغربي: السياق والأنساق” يقع الكتاب في 236 صفحة من القطع الكبير.
يفتح القارئ دفتي الكتاب باحثا عن هذا المشترك في المسرح المغربي المتنوع باتجاهاته، والمختلف بتوجهاته ورجالاته، فيلفي أمامه تقديما بقلم الكاتب نفسه يشرح خلاله مرجعيات اختياره لفظة “المشترك” كعنوان للكتاب، فيتحدث في هذا التقديم عن “الحس المشترك” كمفهوم انتروبولوجي، وعن الضمير المشترك الذي يعني أن الظواهر كيفما كانت هي صدى في الضمير الجمعي للناس، فالحس المشترك بما هو ضمير جمعي يؤشر على كل ما هو مشترك في الكيانات الجمعية التي تعيد إنتاج نفسها وفق هذا الحس المستضمر في الوجدان الشعبي بفعل الممارسات الطقوسية الأصيلة المتكررة والمتحكم فيها بواسطة عاطفتي الخوف والشفقة المتولدتين عن أسطورة الأصل .
هكذا إذن يتابع كويندي عبر هذا المدخل النظري استحضار مفاهيم من مجالات مختلفة أهمها هنا الأنتروبولوجيا من أجل إيجاد مداخل منطقية لما سيتناوله لاحقا في دراسات ومقالات الكتاب النظرية منها أو التطبيقية على حد سواء، فيرمي للقارئ مقدمات لما سوف يتناوله لاحقا من قبل سحر الشبيه والمثيل والمقدس والتراجيدي في صيرورتها وتحولات مفاهيمها عبر الزمن وصولا إلى المسرحيين الطلائعيين الذين أحدثت أعمالهم نقلات نوعية في المفهوم، وهذه الصيرورة التي حاول الأستاذ كويندي تبيانها انطلاقا من تحولات مفهوم التراجيديا هي التي يعتبرها “الضمير المشترك” أو “الحس المشترك” معبرا عنه في الدراسات المشكلة لمتن الكتاب بـ “السياق”، أي سياق تنامي هذه الصيرورة في حتمية المصير الإنساني وما يمكن للإنسان أن يصنعه فيه من قطائع في الممارسة ومعاودة إنتاجها وتجديدها من خلال “الأنساق” أي الرؤى والتصورات للعالم التي تحكم تجارب مبدعي المسرح المغربي وتطلعهم إلى ما ينبغي أن يكون عليه المجتمع المغربي.
وإذا كان هذا الكتاب، كما يقول صاحبه في المقدمة، يحاول رصد سياق هذه الأنساق في مجال الممارسة الإنسانية للفن المسرحي بالمغرب، فإن إنجازا من هذا القبيل يتطلب سنوات من الرصد والتتبع والحفر، ولعل هذه العمليات يجليها بوضوح تاريخ كتابة المقدمة الذي دونه كويندي في نهايتها والذي يعود تاريخها إلى 1 يناير 2012 الأمر الذي يدعو إلى الاعتقاد أن دراسات الكتاب كتبت على مراحل متفرقة وجمعت في هذا الكتاب، أو هي دراسات شارك بها صاحبها في ندوات متفرقة ورأى أن بينها قواسم مشتركة حاول صياغتها في “المشترك في المسرح المغربي” أو هي دراسات استغرقت كل هذه السنوات من الإنجاز والبحث إلى غاية صدورها هذه السنة 2019 في كتاب.
ومهما يكن من أمر كتاب “المشترك في المسرح المغربي” فإنه يضم سلسلة من المقالات تتمحور حول عنوانين كبيرين هما: السياق؛ وقد ضم ثمان مقالات ذات طروحات نظرية هي: مكونات الخطاب المسرحي، الجذور الأمازيغية للمسرح المغربي، المسرح المغربي بين الفرجة والنسق السياسي، المسرح المغربي بين المحلية والعالمية، منطلقات التجريب في المسرح المغربي، بريخت والمسرح المغربي، سياحة مشهدية في بلاد المسرح، والمسرح العربي وفكر الهزيمة. وأما العنوان الكبير الثاني فهو الأنساق؛ ويضم ست مقالات هي: الطيب الصديقي أو مسرح المثيل، محمد الكغاط أو النص الثالث في مسرحية المرتجلة، مسرح التباين: قراءة في مسرح محمد قاوتي، لقاء مفتوح مع الكاتب الإسباني فرناندو أرابال، ثريا جبران ذاكرة مكان، سعد الله عبد المجيد أو قوة التحمل. ليتضح من خلال هذه العناوين أن سالم كويندي سافر في كتابه هذا بين محطات متنوعة تمتد من بين ما هو نظري في الشق الأول من الكتاب إلى ما هو قرائي في الشق الثاني مقصرا حديثه في الفصل الثاني على ثلة من رواد المسرح المغربي وأعلامه من قبيل الطيب الصديقي، ومحمد الكغاط ومحمد قاوتي وثريا جبران وسعد الله عبد المجيد، في انتظار أن ينبري للجيل الجديد من المسرحيين المغاربة ومحاولة رصد المشترك في المسرح المغربي المعاصر .. .

> بقلم: لعزيز محمد

Related posts

Top