سلبية حمد الله

في وقت كان فيه الفريق الوطني لكرة القدم يخوض أول مباراة له ضمن منافسات كأس الأمم الأفريقية بمصر ضد منتخب ناميبيا، وانتهاء الجولة الأولى بتعادل سلبي بعد عجز العناصر الوطنية عن التسجيل، فضل اللاعب حمد الله الذي يقضي إجازة بأسفي، نشر صورة اعتبرت مستفزة.
الصورة وضعت بحسابه الرسمي بوسائل التواصل الاجتماعي، وتظهر حمد الله يتناول مشروبا تزامنا مع مجريات المباراة، تفسيران أعطيا في قراءة للصورة، هناك من اتهمه بعدم اكتراثه بشؤون المنتخب المشارك في منافسات كأس قارية مهمة في تاريخه، وآخرون فسروا خطوته بتمرير خطاب أراد من خلاله أنه كان هو الحل الأفضل لتعويض العجز الهجومي الذي ظهر به الخط الأمامي.
في كلتا الحالتين، فإن حمد الله خاطئ، والحركة التي قام بها تعكس تفكيرا غير ناضج تماما كان اللاعب في غنى عنه، احتراما لمشاعر فئات واسعة من الشعب المغربي التي تؤكد باستمرار تعلقها وحبها للفريق الوطني رجالا ونساء صغارا وكبارا.
ما يجب أن يعرفه حمد الله أ، نسبة مبيعات القميص الوطني تعرف ارتفاعا كبيرا في كل تظاهرة يشارك فيها “أسود الأطلس” سواء كانت دولية أو قارية، والأرقام تتحدث على أن مونديال روسيا كان أكبر حضور جماهيري مغربي في التاريخ، إذ بلغ 50 ألف متفرج جاؤوا من مختلف بقاع العالم.
هذه المعطيات والأرقام هي التي كان على لاعبنا “المدلل” أن يستحضرها، وهو يقدم على أي خطوة، قد تسفر عن تفسيرات مختلفة.
قبل صورة المشروب كان لابن مدينة أسفي سلوكات غير سليمة تماما، فبعد مغادرته معسكر المنتخب بمراكش رفض الخضوع لفحص طبي متفق عليه مع إدارة الجامعة، وأخلف الموعد مع الطبيب عبد الرزاق هيفتي الذي جاء للدار البيضاء خصيصا لهذا الغرض.
بعد ذلك وبساعات قليلة، أصر الهداف التاريخي للدوري السعودي على نشر صور وفيديو، يظهر فيها وهو يجري تمارين رياضية في إحدى الصالات، ويتدرب بشكل عادي، ردا على بلاغ الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم الذي صيغ بموافقته، والذي ربط مغادرة اللاعب للمعسكر بتعرضه للإصابة.
الحقيقة هي أن حمد الله الذي أبعد عن المنتخب لسنوات ظلما حظي بتعاطف الجميع، والضغط الإعلامي والجماهيري هو الذي فرض على رونار توجيه الدعوة إليه مكرها لا مخيرا، قبل مباراة الأرجنتين، وهنا أخطأ حمد الله برفضه الحضور، ورغم ذلك سامحه الجميع تقديرا لشعور إنسان مجروح، مع أن تلبية النداء الوطني واجب مقدس.
بعد ذلك جاء تحديد اللائحة النهائية لـ “كان 2019” في مصر، وكان اسم حمد الله ضمن التشكيلة الرسمية، وهو اختيار قابلته الأوساط الرياضية بكثير من الارتياح، على أمل أن يقدم الإضافة المطلوبة للفريق الوطني بهذا الموعد الإفريقي، لكنه غادر لأسباب سبق أن تحدثنا عنها بإسهاب.
صحيح أن سلوكات اللوبي الذي يتحكم في مصير المنتخب لم يتعامل معها الوافد الجديد كما يجب، كما أن رونار المدرب وبنعطية العميد لم يقوما بالواجب قصد تسهيل مهمة اندماج هذا الهداف بسهولة وسلاسة، كل هذا نعرفه، ورفضناه وقوعه في حينه وانتقدناه بقوة، لكن كان على حمد الله البقاء بالمعسكر وعدم المغادرة احتراما للجمهور وللقميص الوطني.
وهذا ليس جديدا على حمد الله، ففي العديد من محطات مساره الرياضي كانت له سلوكات غير مقبولة مع محيطه، سواء مع اللاعبين أو إدارات الأندية التي لعب لها، كما هو الحال بالدوري النرويجي أو القطري.
بهذه السلوكات الغارقة في السلبية يبعد حمد الله نفسه شيئا فشيئا عن الفريق الوطني، وهي العلاقة التي لا يجب أن تقاس بالمال، بقدر ما تحسب بالشرف والافتخار والانتماء للتاريخ الرياضي المشترك لكل المغاربة.
هذه هي الحقيقة التي يجب أن يستوعبها صاحبنا، فالنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو مثلا وهو نجم كل الأزمنة، لم يتردد في خوض مباريات كاس أمم أوروبا (يورو 2016) بفرنسا، وهو يعاني من إصابة تعرض لها بالدوري الإسباني، وخلال المباراة النهائية ضد البلد المنظم تجدد الألم بعد تدخل عنيف من لاعب الوسط الفرنسي ديمتري باييت، لكنه أصر على عدم الاستسلام وتابع المباراة، إلا أنه في لحظة انهار وسط الميدان، وانهمر بالبكاء حسرة أمام أعين ملايين المشاهدين والمتابعين، وبعد خروجه الاضطراري لم ينشغل بدرجة الإصابة، بل بقى مع الاحتياطيين، وتحول إلى مساعد مدرب يعطي النصائح، وإلى حامل أمتعة يقدم قارورات الماء لزملائه، كما شاهدناه ينفعل لضياع أي فرصة مواتية.
كان بإمكان كريستيانو أن لا يغامر بمستقبله الرياضي، وتقديم اعتذاره كان سيكون مقبولا، لكنه قبل التحدي ولم يفضل السفر بطائرته الخاصة إلى أفضل وجهة في العالم يريد، ويستمتع بعطلة مستحقة، ويتناول مشروبا باردا وشهيا، معدا بعناية فائقة وبأياد غاية في النعومة.

محمد الروحلي

الوسوم , ,

Related posts

Top