سنة أولى من عمر حكومتنا…

انقضى عام من ولاية الحكومة الحالية، وبقيت انتظارات المغاربة معلقة تتطلع إلى الأغلبية الثلاثية كي تنفذ ما أطلقته من وعود، إن في الحملات الانتخابية أو أثناء الترويج لبرنامجها الحكومي.
قد يتولى الفاعلون السياسيون والمتخصصون وأوساط مهنية وأكاديمية أخرى تقييم الحصيلة الحكومية بتفصيل، وكل من زاوية نظره، وقد نجد من يدافع أيضا عن هذه الحصيلة أو يدرجها ضمن السياقات المحيطة بها وطنيا وكونيا، لكن الأساس ألا أحد منا يأمل أن تفشل الحكومة أو أن تكون حصيلتها سلبية، وكلنا نتطلع أن تنجح فعلا في تلبية تطلعات ومصالح شعبنا، وأن تحقق الاستقرار والتنمية والتقدم لبلادنا.
مع الأسف عند تمعن حصيلة العام الحكومي الأول، نخلص إلى استمرار القلق العام وسط شعبنا وخوفه من المستقبل، وإلى عجز كبير في ثقة المجتمع، وهذا ما يجب أن تنشغل به الحكومة ومكونات أغلبيتها، وأن تفكر في سبل التصدي له عمليا وميدانيا وسياسيا.
الخلاصة الثانية التي نستشفها من حصيلة السنة الأولى من عمر حكومتنا الحالية، هي ضعف «الكفاءات» أو انعدامها في الغالب، ويتجلى ذلك في تنامي عدد من فضائح التسيير بجماعات محلية في جهات مختلفة، وأيضا في تدبير عدد من القطاعات الوزارية، والتي صار يتحدث عنها الكثيرون، ويطالب البعض بتغيير «الكاستينغ» الوزاري، ويتساءل الجميع عن «حكومة الكفاءات» التي قتلتها أحزاب الأغلبية صراخا وتسويقا.
لقد فشلت الكثير من وزارات هذه الحكومة في امتحان التدبير البسيط لقطاعاتها، وأيضا في العلاقات مع مهنيي هذه القطاعات، وحتى في العلاقات بين بعض الوزراء أنفسهم.
أما الخلاصة الثالثة، وهي تتصل بالثانية، وتتعلق بفشل ذريع لهذه الحكومة في تمرين التواصل السياسي مع الرأي العام الوطني، وفي الحضور الميداني وسط المجتمع للدفاع عن عملها، ولإقناع الشعب برؤيتها وبرامجها وقراراتها.
وعندما نعرف أن هذه الحكومة تتشكل أصلا من أحزاب، ولها الأغلبية الواسعة في غرفتي البرلمان، وتسيطر على تسيير أهم الجماعات الترابية، محليا وإقليميًا وجهويا، فإن الغريب أنها، مع ذلك، منعدمة الحضور والفعل في الساحة السياسية والتواصلية والمجتمعية والميدانية، أي بلا أي امتداد حقيقي وسط الناس. الحكومة الحالية لم تستطع بلورة تواصل منتظم ومحكم مع الصحافة المهنية الحقيقية، وتفضل الأنصار والحواريين فقط، ولم تستطع تفعيل الحوار مع مكونات المعارضة السياسية، ولم تستطع قيادة أسلوب سياسي وتدبيري جديد في البلاد.
وفي الخلاصة الرابعة، هذه الحكومة لم تجرؤ على إبداع حلول شجاعة للمعضلات الاجتماعية والاقتصادية، ما عدا ما أتاحته المبادرات الملكية بهذا الخصوص، وبقيت منشغلة في تبرير الواقع أو لعب دور «المحلل» للوضعيات الاقتصادية والمالية.
لحد الآن لم تتجرأ الحكومة على مشكلة غلاء سعر المحروقات، وعلى مشكلة ارتفاع أسعار مواد أساسية أخرى يعاني منها المواطنون، ولم تبدع حلولا استباقية لمعضلة ندرة الماء ومخاطر الجفاف، ولقضايا أخرى تمثل انتظارات ملحة لشعبنا.
وفي الخلاصة العامة، هذه الحكومة توفرت لها أغلبية واسعة ومريحة، في غرفتي البرلمان والجماعات، ولكن، رغم ذلك، هي لم تنجح في خلق نفس عام جديد في البلاد، إن على الصعيد التدبيري العادي أو على المستوى السياسي والديموقراطي.
وبرغم كل ما بالغت في الحديث عنه من كفاءات بشرية وعبقريات ستأتي بها إلى مواقع التسيير، فإن الواقع والممارسة أثبتا أن بعض وزراء هذه الحكومة مجرد موظفين ينفذون بمستوى ليس أكثر من المتوسط، وأن غالبيتهم يفتقدون إلى المعرفة البسيطة، وإلى الشخصية التسييرية والكفاءة السياسية والقدرة التواصلية، أي أن مكانهم ليس هنا، أي ليس في التعلم في رؤوس المغاربة، كما يرد في قولنا الدارج المأثور.
لم تنجح الحكومة إذن في خلق دورة سياسية وحكومية جديدة ومختلفة، بما في ذلك على مستوى البروفايلات المنتقاة للتدبير الحكومي، وهو ما نجم عنه قضاء سنة كاملة من الصمت وضعف التواصل مع المجتمع والناس، وفي اقتراف عديد أخطاء.
ليس هذا الخطاب عدميا أو تيئيسيا، فالبلاد حققت فعلا منجزات هامة في التصدي لتداعيات الجائحة، وفي مواجهة آثار الجفاف والحرب الروسية الأوكرانية والتقلبات الدولية والإقليمية، ولكن ذلك بفضل التعبئة المجتمعية العامة ومبادرات جلالة الملك، وتحويل هذه المكتسبات وتوجيهات الملك إلى دينامية عامة، وإلى فعل حكومي يمتد في الزمن، وينكب على التفاعل مع انتظارات شعبنا، هو ما يمثل بالذات عنوان فشل حكومتنا اليوم.
انتهى العام الحكومي الأول إذن، فهل ستغير حكومتنا أسلوبها ورؤيتها وعقليتها؟
نتمنى ذلك فعلا…

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top