سويسرا .. ضيف شرف يتقن إنتاج الحليب والشوكولاتة والتربية الحيوانية

يعتبر المجال الفلاحي بدولة سويسرا من بين المجالات المتطورة والأكثر أهمية في الاقتصاد السويسري، خصوصا وأن نصف أراضيها مخصصة للفلاحة، ومعدة بشكل جيد لهذا النشاط، من خلال تجهيزات ذات تقنيات تكنولوجية متطورة وحديثة، تمكن الفلاحين السويسريين من تطوير إنتاجهم وتحسين جودة مردوديتهم.
وتتميز الفلاحة السويسرية بتجربة مهمة فيما يخص إنتاج الحليب والشوكولاتة والثروة الحيوانية، من هنا، فإن المعرض الدولي للفلاحة بمكناس يعد مناسبة للتقرب عن كثب من هذه التجربة، قصد الاستفادة منها، وذلك من خلال التواصل مع الفلاحين السويسريين بالجناح الخاص بضيف الشرف.
وجاءت هذه الاستضافة نتيجة العلاقة الوطيدة التي تربط بين المغرب وسويسرا منذ سنة 1956، خصوصا على المستوى الفلاحي، ويتمثل ذلك، من خلال مجموعة من المبادرات في هذا القطاع، من قبيل؛ مشروع ولوج الأغذية والمنتجات المجالية المغربية إلى الأسواق السويسرية، لاسيما فيما يخص سلسلتي إنتاج الأركان والصبار في منطقة آيت باعمران، إذ يتم الاشتغال على هذه المبادرة تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، منذ سنة 2013، إذ من المنتظر أن يتم الانتهاء من هذا البرنامج أواخر سنة 2019.
من هنا، فإن المعرض الدولي للفلاحة مناسبة لتوطيد هذه العلاقة، من خلال تعرف الشركات السويسرية على التجربة المغربية وذلك بالمعاينة والوقوف على أوضاع القطاع الفلاحي بها، إذ يراهن المنظمون على جلب الاستثمارات السويسرية إلى المغرب من خلال عنصر التشجيع والدعم، خصوصا وأن سويسرا تعتبر من بين الدول الأكثر تنافسية في الاقتصاد الدولي.
وفي سياق متصل، تشير مجموعة من المعطيات الخاصة بالفلاحة السويسرية إلى أن الإنتاج الفلاحي بها يوفر أكثر من نصف الأغذية، وهو ما يجعلها رائدة في مجال الصناعات الغذائية، مع الإشارة هنا، إلى أن البحث العلمي دفعها أيضا إلى تطوير هذا المجال، لم لا وأن الحكومة السويسرية توفر بشكل سنوي أزيد من 18.5 مليار فرنك سويسري للبحث العلمي (ما يقرب من 180 مليار درهم)، أي ما يعادل %3 من الناتج المحلي الإجمالي.
وعن هذه المشاركة الأولى لدولة سويسرا بالمعرض الدولي للفلاحة بمكناس، قال كاتب الدولة السويسري في الفلاحة، ومدير المكتب الفيدرالي السويسري للفلاحة، برنارد ليهمان، إن هذه المشاركة تشكل فرصة للنهوض بقطاع فلاحي مبتكر ويتجه نحو المستقبل.
وأوضح كاتب الدولة السويسري، في رسالة له عبر تقنية الفيديو، خلال ندوة صحفية خصصت لتقديم مشاركة سويسرا في المعرض، أن المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب “يتيح لنا الفرصة للنهوض بفلاحة وأنظمة غذائية أكثر استدامة في الأبعاد الثلاثة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية”.
وأضاف أن هذا المعرض يمثل أيضا، مناسبة للاتحاد السويسري لتعزيز القطاعات الفلاحية والصناعات الغذائية المبتكرة والمستقبلية، مؤكدا أنه يتعين على سويسرا والمغرب وكذلك المجتمع الدولي والفاعلين المنخرطين العمل معا لضمان مستقبل فلاحي مستدام للأجيال القادمة.
من جهته، قال السفير السويسري في المغرب، ماسيمو باغي، إن حضور سويسرا في المعرض يعد شرفا ومسؤولية في الآن نفسه، “لكون المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب هو أكبر معرض فلاحي في إفريقيا ولا تزال هناك حاجة لتطويره على مر السنين مع الأهمية الإستراتيجية المتزايدة التي تشكلها الفلاحة في القارة” بحسبه.
وأضاف ماسيمو باغي، أن سويسرا تعد شريكا تاريخيا للمغرب، كما أنها واحدة من أكبر عشرة مستثمرين الأجانب في المملكة، نظرا لوجود تسهيلات مغربية بالنسبة لمنتجات الصناعة الغذائية والمجالية، وهو يدفع دولة سويسرا إلى دعم مجموعة من الجمعيات المهنية العاملة في مجال الفلاحة، من خلال تثمين المنتجات الفلاحية وتبادل الخبرات عبر كافة التراب المغربي.
وعن الجناح الخاص بسويسرا بالمعرض، كشف باغي، أن الزوار سيكونون مع  خبراء وفلاحين ينشطون في قطاع الفلاحة، كما أنه من المنتظر إطلاق شراكة جديدة يطلق عليها اسم “من أجل الجبل”، وهي مبادرة لدعم الجمعيات الناشطة في الفلاحة، علاوة على تثمين منتجاتها بالسماح لها بالدخول إلى الأسواق السويسرية.
وتقديرا من المغرب لهذه التجربة المهمة في المجال الفلاحي، عاد الكاتب العام لوزارة الفلاحة، محمد صديقي، إلى الترحيب مجددا بدولة سويسرا، مؤكدا بأنها من بين البلدان الرائدة في إنتاج الصناعة الغذائية، وهو ما شدد عليه كذلك، رئيس جمعية المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب، طارق السجلماسي الذي اعتبر “اختيار سويسرا كضيف شرف الدورة 14 للمعرض الدولي للفلاحة بالمغرب ليس من محض الصدفة، بل جاء نتيجة التجربة التي تتوفر عليها هذه الدولة”.
ولم يقف طارق السجلماسي عند هذا الحد، بل ذهب إلى ربط شعار هذه الدورة “الفلاحة رافعة للتشغيل ومستقبل العالم القروي”، بضيف الشرف سويسرا، معتبرا هذه الأخيرة من بين الدول التي نجحت في جعل عالمها القروي امتدادا طبيعيا لعالمها الحضري والعكس صحيح، مردفا، أن قضية تشغيل الشباب في المناطق القروية لا ينظر إليها على أنها تمثل تحديا ولكن فرصة لخلق ظروف العمل في قطاعات المستقبل.
وحول الموضوع ذاته، سجل السجلماسي أنه في سويسرا ينظر إلى العالم القروي على أنه وسيلة للنمو، ولهذا السبب فإنها تشكل نموذجا يحتذى به بالنسبة للكثيرين. وهو ما أشار إليه أيضا، مندوب المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب جواد الشامي، بقوله: “إن السكان القرويين لهذا البلد يعدون من بين الأعلى دخلا في العالم”.
وأكد جواد الشامي، على أنه بالرغم من وجود مساحة فلاحية متواضعة بسويسرا، إلا أن الفلاحة بها تعتبر قطاعا حديثا ومبتكرا، مضيفا أن الجناح السويسري في المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب 2019 يقام على مساحة تقدر بحوالي 450 مترا مربعا، حيث سيحتضن عشرات المقاولات السويسرية التي تعمل في العديد من القطاعات، إذ من المنتظر أن تقدم خبراتها وتعمل على نسج علاقات مثمرة مع المهنيين في القطاع الفلاحي بالمغرب.

***

الفلاحون الصغار يدعون إلى فك عقدة تسويق منتجاتهم ومحاصيلهم

الشريف الكرعة: يجب احترام السيادة الوطنية فيما يخص الإنتاج المحلي

اهتدى منظمو المعرض الدولي للفلاحة بمكناس إلى اختيار عنوان «الفلاحة رافعة للتشغيل ومستقبل العالم القروي» كشعار للدورة 14، وجاء هذا الاختيار نتيجة أهمية القطاع الفلاحي بالمغرب، ودوره الكبير في إحداث عدد مهم من مناصب الشغل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأتى الاهتمام بموضوع التشغيل في المجال الفلاحي ومستقبل العالم القروي بعد الاهتمام الملكي الأخير بهذا المجال، حيث دعا جلالة الملك محمد السادس إلى توزيع مليون هكتار على الفلاحين الصغار، بالإضافة إلى مواكبة هؤلاء الفلاحين من خلال التكوين والإرشاد، وكذا تسهيل الوصول إلى التقنيات والآليات الحديثة، انطلاقا من دعم الفلاحين للإقبال على هذه التجهيزات.
وبالرغم من أن المخطط الأخضر جاء من أجل النهوض بأوضاع الفلاحين الصغار، إلا أن هؤلاء الأخيرين يشتكون من بطئه في الآونة الأخيرة، وهو ما أكد عليه قاسم كريمي، رئيس تعاونية الغرب لإنتاج وتجميع وتخزين وتسويق الحبوب والقطاني والأرز، في حديث له مع جريدة بيان اليوم.
وأكد قاسم كريمي بأن القطاع الفلاحي بالمغرب يعتبر مصدر استقرار مجموعة من الأسر المغربية بالعالم القروي، من هنا، دعا إلى دعم الفلاحين الصغار، من خلال مساعدتهم على تسويق منتجاتهم، في إشارة منه إلى ظاهرة السمسرة التي تنخر القطاع الفلاحي، خصوصا في سلسلة إنتاج الحبوب والقطاني.
وطالب كريمي بضرورة إعطاء أهمية للفلاح الصغير ومساعدته على تطوير إنتاجه على مستوى الجودة والكمية، مسجلا استفادة الفلاحين الكبار بشكل كبير من المخطط الأخضر، «لاسيما وأنهم أصبحوا مستثمرين كبار يصدرون منتجاتهم نحو الخارج، في الوقت الذي لا زال فيه الفلاح الصغير يقبل فقط على الفلاحة المعيشية».
ويقترح رئيس تعاونية الغرب لإنتاج وتجميع وتخزين وتسويق الحبوب والقطاني والأرز، مجموعة من الحلول لتجاوز هذه الهوة الحاصلة بين الفلاح الكبير والصغير، انطلاقا من التكتل وتكوين وتأسيس تعاونيات فلاحية تجمع العديد من الفلاحين الصغار الذين يتوفرون على أراضي بمساحات لا تتعدى 5 هكتارات.
وحول النظام التعاوني، أوضح قاسم كريمي، أن التعاونية تقدم مجموعة من الحلول الرامية إلى جعل الفلاح مستقرا في أرضه إلى جانب أبنائه، وذلك، انطلاقا من وضع التعاونية لبرنامج عمل يتوخى من ورائه مساعدة الفلاح على تنويع أنشطته الفلاحية، من قبيل زراعة الحبوب والقطاني، ثم تربية الماشية؛ الأبقار، الماعز، وزراعة الأشجار والخضراوات.
وبخصوص هذه الأنشطة، أكد كريمي، بأن التعاونية وحدها الكفيلة بتحقيق هذا البرنامج على اعتبارها الممثل الشرعي للفلاحين فيما يخص ربط اتفاقيات ثنائية مع شركات أو هيئات أو استدعاء خبراء لتأطير وتكوين الفلاحين، وإرشادهم حول كيفية الزراعة وتوظيف البذور والأسمدة والأدوية.. داعيا جميع الفلاحين المغاربة إلى الاقتداء بنموذج تعاونية الغرب لإنتاج وتجميع وتخزين وتسويق الحبوب والقطاني والأرز التي يرأسها.
وهو ما أكد عليه أيضا، الشريف الكرعة، رئيس تعاونية «بكدور لإنتاج الحليب» ورئيس اتحاد الغرب لتعاونية الحليب، مشيرا إلى أن الفلاحين لا خيار أمامهم سوى التكتل في جمعيات وتعاونيات من أجل تثمين منتجاتهم.  
واشتكى الشريف الكرعة في تصريح لـ «بيان اليوم»، من مجموعة من المشاكل التي تواجه القطاع الفلاحي، كأزمة التسويق التي اعتبرها نقطة مهمة وحاسمة في هذا القطاع، مقدما نموذج إشكالية تسويق الحليب من طرف الفلاحين، حيث تهدر لترات كبيرة من الحليب دون استغلالها، خصوصا خلال فترة الصيف.
ونفس السيناريو يعيشه قطاع الحبوب بحسب الكرعة، مسجلا بأن العديد من الفلاحين أصبحوا يقدمون محاصيلهم الزراعية علفا للماشية من أجل التسمين.. عوض بيعها بثمن بخس لفائدة السماسرة، قائلا: «لا يعقل أن يقتني الفلاح البذور بـ 360 درهما للقنطار، ويبيع محصوله الزراعي بـ 200 درهما للقنطار في آخر الموسم».
وقارن رئيس تعاونية بكدور لإنتاج الحليب ورئيس اتحاد الغرب لتعاونية الحليب، بين الفترة الحالية وفترة الثمانينات والتسعينات وبدية الألفين، «حيث كانت هذه الفترة تتميز ببيع الفلاح لمنتجه بأسعار محترمة، هذا في الوقت الذي لا يتعدى فيه إنتاج الهكتار الواحد 30 قنطارا، وهو الأمر غير الحاصل اليوم الذي يتم فيه إنتاج حوالي 80 قنطارا في الهكتار الواحد في مجموعة من المناطق كالغرب مثلا».
وجاء هذا التحسن وفق الشريف الكرعة نتيجة الاستشارات الفلاحية التي أصبحت تقدم للفلاحين من طرف مكاتب الاستشارة الفلاحية التي يعمل أطرها وخبراؤها على توعية الفلاحين، وإرشادهم في الإقبال على الأنشطة الزراعية.
وحول عملية الاستيراد التي تطلقها الحكومة بين الفينة والأخرى، اعتبر الكرعة أن السماح باستيراد القمح أو الماشية من الخارج (العجول، الأبقار..)، يدمر المنتجات المحلية ويبخس من قيمتها، مؤكدا أن هذه العملية لا زال يعتمد فيها فقط على المعاينات، في الوقت الذي يجب الاشتغال بالتكنولوجيات الحديث من خلال إدراجها في التعاونيات الفلاحية التي من المفترض أن تكون في العديد من المناطق الفلاحية بالمغرب (سايس، الشاوية، الغرب..).
وحول النقطة ذاتها، دعا المتحدث عينه، إلى احترام ما أسماه بـ»السيادة الوطنية فيما يخص المنتجات المحلية»، مشيرا إلى أن الفلاحين يجب أن يعتمدوا سياسة التجميع في مختلف الجهات، على أساس تثمين هذه المحاصيل وبيعها من خلال طلبات العروض التي تتقدم لها المطاحن المغربية.
وأوضح رئيس تعاونية بكدور لإنتاج الحليب ورئيس اتحاد الغرب لتعاونية الحليب، أن القروض لا زالت تقسم ظهر الفلاح المغربي الصغير الذي يضطر إلى بيع محاصيله الزراعية في آخر الموسم بأثمنة جد هزيلة وذلك لفائدة المطاحن أو السماسرة الذين يتربصون بالمنتجات الفلاحية المغربية من خلال تقديم أسعار لا ترقى إلى تطلعات الفلاح الصغير.
وزاد الشريف الكرعة في حديثه مع الجريدة، بالإشارة إلى أن «المخطط الأخضر جاء في البداية لاستهداف الفلاح الصغير، غير أن بعض الجهات ارتأت أن تستثمر في المجال استغلالا للفرصة بالرغم من عدم درايتها بهذا القطاع»، مردفا بأن «الفلاح الصغير أولى بالدعم لأن له ارتباط أكثر بالأرض فهي مصدر عيشه وتاريخه وتراثه، والذي حدث هو تهميشه من خلال تبخيس منتوجه وعدم إعطائه أهمية في الأسواق المغربية».
ولم يكتف الكرعة بهذا التوصيف المأساوي للقطاع الفلاحي، بل أضاف بأن الفلاح الصغير أفلس «على اعتبار مجموعة من التعاونيات شارفت على النهاية حيث أصبح الأعيان هم من يستولون على هذه الأراضي، وهو ما تعرفه أيضا الأراضي السلالية التي هيمن عليها بعض الأشخاص الذين لا يتوفرون على أوراق الاستغلال».
وتساءل الفلاح بمنطقة الغرب عن الاستمرار في تدمير السوق الوطنية بكثرة الاستيراد من دول الخارج، في الوقت الذي تجد فيه المنتجات المغربية صعوبة في التسويق، هذا مع تعجبه من الأثمنة الصاروخية التي قفزت إليها المواد المستعملة في الفلاحة ك، البذور، والأسمدة، والأدوية، والأعلاف، موضحا «بأن الموسم الفارط كان فيه الإنتاج الوطني جيدا غير أن أسعار الأعلاف ارتفعت !».
وبالرغم من هذا الواقع التراجيدي الذي تحدث عنه الشريف الكرعة، إلا أن بعض الفلاحين لا زالوا متشبثين بما وصفه بـ»المهنة الشريفة التي يعيش معها الفلاح جميع مراحل الحياة أثناء الإنتاج؛ الزراعة، الدواء، الحصاد..»، مؤكدا بأنه يجب الإقرار بأن هذا القطاع يعد ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني من هنا «يجب الحفاظ عليه ودعمه والاهتمام به، بل وإعادة النظر في مخططاته»، يقول المتحدث.

***

3 أسئلة لـ: قاسم كريمي

< ما هو تقييمكم لنشاط القطاع الفلاحي بالمغرب ؟
> بالمقارنة مع عشر سنوات الماضية، الفلاحة في المغرب تطورت بشكل ملحوظ ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك، غير أنه لازالت هناك بعض المشاكل التي تقع والتي لا بد منها، وبيت القصيد في الفلاحة هو الفلاح الصغير، لأن النهضة الزراعية تبدأ بهذا الأخير الذي في حاجة إلى التأطير على أن يكون قادرا على الاشتغال بشكل جيد، والشاهد على ما أقول هو النهضة الصينية التي ابتدأت أولا بالقطاع الفلاحي.
وعودة إلى المغرب فإن الفلاحة به لا بأس بها، بالرغم من انقسامها بين الفلاح الكبير والصغير، فالفلاحين الكبار استفادوا بما فيه الكفاية، حيث أصبحوا يصدرون منتجاتهم إلى الخارج، ولكن الفلاح الصغير لا زال في حاجة إلى العمل والدعم، لم لا وأن المخطط الفلاحي أخفق في الدفع بالفلاح الصغير خلال الآونة الأخيرة.
واستنادا إلى هذا المعطى، فإن الفلاحة في المغرب في حاجة إلى نهضة قوية، لأن الفلاح الصغير في حاجة إلى تمويل إنتاجه، بالإضافة إلى تسويقه، فالتسويق يعتبر عائقا كبيرا بالنسبة للفلاحين الصغار، بالرغم من أنه ينتج إلا أنه يجد صعوبة في التسويق بأثمنة محترمة، مع العلم أن الفلاحة هي مصدر أمن المغرب لأن الفلاحين يبقون في مكانهم وأبناؤهم يشتغلون معهم، بحيث لا يهاجرون إلى المدينة، ولا ينحرفون وسط المجتمع.
وهنا أشير بأن النهضة يجب أن تكون شاملة بين الجميع، موظفين في المراكز الاستشارية والفلاحين ومختلف المتدخلين في القطاع، فرغم أن أصحاب شركات الدواء والآلات تقوم بالتواصل مع الفلاح، ولكن ليس لإرشاده وتكوينه بل من أجل أن يقتني منتجاتها ليس إلا.
والفلاحة هي العمود الفقري للحياة فبدون فلاحة لا يمكن للإنسان أن يعيش، والنظام التعاوني ناقص في المغرب، لأن الناس غير مكونين في هذا المجال، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال فشل مجموعة من التعاونيات الفلاحية، نظرا للخلافات التي تقع مباشرة بعد التأسيس، فالتكوين التعاوني قليل جدا، وأؤكد في هذا الإطار، أن أي فلاح سيجد في خطوة ما “الربح”، فأكيد أنه سيقبل عليها،  فنجاح الفلاحة مرتبط بالتمويل والجانب التقني والسقي والتسويق.. ومستقبل البشرية مبني على الفلاحة، فبنماء الزراعة تنمو باقي القطاعات الأخرى.

< لماذا اخترت الفلاحة بالرغم من المشاكل التي تحدثت عنها ؟
> توجهي نحو القطاع الفلاحي جاء نتيجة قناعة شخصية بأن هذا المجال يشتغل فيه الإنسان بأريحية، والفلاحة هي قطاع “إنساني” أكثر منه “ربحي”، على اعتبار الفلاح دائما يوفر الأمن الغذائي للعديد من الناس، عكس قطاعات أخرى التي يمكن أن تربح من ورائها الملايير من السنتيمات، كالعقار مثلا.
المشكل الذي حصل في المجال الفلاحي، هو أن الفلاح الكبير لم يساعد الفلاح الصغير وتخلى عنه، فكل منطقة يوجد بها فلاح كبير (يتوفر على 1000 هكتار)، فهذا الأخير لا يهمه إلا تحقيق أرباح شخصية، بالرغم من أن بإمكانه أن يشد بيد الفلاح الصغير، وهنا أقف عند الدعم الذي تلقاه من المخطط الأخضر بمفرده، في الوقت الذي كان فيه من الممكن أن يدمج معه الفلاحين الصغار بالمنطقة التي يتواجد بها، من خلال تثمين منتوجاتهم، وعقد شراكات يمكن أن تعود بالنفع على الجميع كإقدامه مثلا على اقتناء الأبقار، أو الماشية.. فهو يتوفر على 100 بقرة وجاره يتوفر على بقرة واحد، فأين هو المشكل؟، وعندما كانت تجهز أراضي الفلاحين الكبار كان المفترض أن تجهز حتى للفلاحين الصغار، بمعنى الفلاح الكبير هو صاحب المشكل، الفلاح الكبير بالمغرب هو مستثمر وليس هدفه تنمية المنطقة أو تحقيق الاستقرار.

< ما هي المشاريع التي تشتغل عليها تعاونيتكم من أجل النهوض بوضعية الفلاح الصغير؟
> نشتغل الآن على مشروع التسويق المباشر مع المستهلك قصد إزاحة السماسرة من الطريق، والرهان كبير على هذا المشروع، فقط يجب دعمه للخروج إلى الواقع ونجاحه ولو بـ 40 أو 50 في المائة.
فالذي حصل عبر سنوات هو أن الوسيط ربح الملايير والفلاح بقى مجرد “فليليح”، من هنا فإن هذا المشروع سيربح من ورائه الفلاح الصغير والمستهلك أيضا، حيث سيستفيدان من الأرباح التي كان يستحوذ عليها السماسرة وهذا قرار جريئ اتخذناه صراحة لأنه كنا نخاف من مواجهة اللوبيات لنا، ويتمثل هذا المشروع من خلال وضع نقاط بيع بالقرب من المستهلك الذي سيقتني المنتوج بشكل مباشر من الفلاحين.
وللإشارة فإننا كتعاونية فلاحين نقوم بدراسات كبيرة، التي من المفترض أن تقوم بها مكاتب دراسات تستغرق في إنجازها وقتا طويلا وكذا أموالا مهمة، فالفلاح يتوفر على معطيات مهمة على اعتباره ابن الميدان وله دراية بمجال اشتغاله، بمعنى جانب الدراسات ليس عندنا فيه مشكل.
ولا يمكنك أن تتصور بأن الفلاح منذ الخطاب الملكي الذي تحدث فيه عن الفلاح، عاد عنده الأمل، والذي على أساسه أقدمنا على الاشتغال على برنامج التسويق المباشر بين الفلاح والمستهلك. وأقولها بصراحة التسهيلات في المجال الفلاحي على المستوى الإداري مع السلطات المحلية أو غيرها، موجودة ولا وجود لعراقيل في هذا الصدد، فقط الذي ينقص هو المبادرة وتقديم الدعم.
وأود أن أشير في الأخير، إلى أننا نشتغل الآن مع الفلاحين الصغار على زراعة المواد الفلاحية البورية الموجهة للتصدير، مثل السنوج، والحلبة، وزريعة الكتان، وحب الرشاد.. وهذه زراعات تدخل في نطاق الأعشاب الطبية وقابلة للتصدير بدون مشاكل، فقط الإشكال الحاصل هو التمويل.

Related posts

Top