سياسيون وإعلاميون يؤكدون أن الصحافة المهنية أساس ترسيخ الديمقراطية الحقيقية

أكد إعلاميون وسياسيون، الخميس، بالرباط خلال لقاء مناقشة نظمه حزب التقدم والاشتراكية، أنه لا يمكن ترسيخ ديمقراطية حقيقة بدون صحافة مهنية والتي تمثل شريكا رئيسيا في المسار الديمقراطي.
واعتبروا، في مداخلاتهم خلال هذا اللقاء الذي تمحور حول موضوع “الإعلام والبناء الديمقراطي” والذي أداره الحسين الشعبي المنسق الوطني لقطاع الثقافة والاتصال والفنون التابع للحزب، أنه لا يمكن الحديث عن البناء الديمقراطي الحقيقي، وتوسيع فضاء الحقوق والحريات دون إعلام حر ومهني ومستقل ودي جودة، مبرزين أن ترسيخ الديمقراطية يفرض على الصحافة المهنية تجويد منتوجها لتضطلع بأدوارها كاملة.
وشددوا على أن الإعلام يجب أن يواكب التحولات التي يعرفها العالم، لاسيما تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وتداعياتها السلبية على الصحافة المهنية، منبهين إلى ضرورة مواجهة هذه التداعيات عبر تجويد منتوج إعلامي حقيقي.

نبيل بنعبد الله: المغرب دخل مرحلة تتسم بمقاربة تسعى إلى تطويع الفضاءين السياسي والإعلامي

وفي هذا السياق، قال محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، “إن السياسي والإعلامي يوجدان فوق غصن واحد، إذا انكسر، يسقطان معا، وتسقط معهما، الممارسة السياسية والديمقراطية والممارسة الإعلامية”، مشيرا إلى أنه بدون إعلام لا يمكن الحديث عن الديمقراطية، وبدون ديمقراطية لا يمكن الحديث عن الإعلام، كما أنه بدون فضاء سياسي قوي، لا يمكن الحديث عن الإعلام.
وأوضح محمد نبيل بنعبد الله، خلال هذا اللقاء الذي أداره الزميل الحسين الشعبي، منسق قطاع الثقافة والاتصال لحزب التقدم والاشتراكية، (أوضح) أن العمل الذي كان يضطلع به الفضاءان السياسي والإعلامي، خلال الفترات الحالكة من تاريخ المغرب الحديث، كان عملا مشتركا، وكانت أهدافهما مشتركة، تتمثل في توسيع الفضاء الديمقراطي، لينعم السياسي بالظروف المناسبة لعمله، ولينعم الإعلامي بالظروف المناسبة لممارسته الإعلامية، وهو ما يؤكد، في نظره على أن الإعلام والديمقراطية في فترات أساسية من التاريخ المغربي، كانا دائما ملتصقين يعملان في اتجاه واحد، وهو اتجاه توسيع الفضاء الديمقراطي، وإقرار مجموعة من الحريات والحقوق على مستويات مختلفة.
وذكر الأمين العام، في هذا السياق بما تحقق من مكتسبات، على عهد حكومة التناوب التوافقي برئاسة الراحل عبد الرحمان اليوسفي، وما تحقق على عهد حكومة إدريس جطو، وهو ما يؤكد بحسبه، أنه عندما كان العمل عملا مشتركا بين الفضاءين الإعلامي والسياسي، تحققت مكتسبات مشتركة، وتم توسيع الفضاء الديمقراطي وفضاء الحقوق والحريات وفي الوقت ذاته، كانت هناك مكتسبات أساسية للفضاء الإعلامي، تمثلت أساسا في إقرار الدعم العمومي والتوقيع على الاتفاقية الجماعية، بالإضافة إلى التطورات التي عرف الفضاء السمعي البصري، من فتح لقنوات جديد وإذاعات خاصة، مشيرا إلى أن هذه الفترة من التاريخ المغربي، اتسمت بانفتاح كبير للدولة على الفضائيين معا، وكان هناك إقرار بأنه لبناء مجتمع ديمقراطي، هناك حاجة إلى فضاء سياسي قوي، وقوى سياسية قوية، حرة ومستقلة، وغير معرضة لردود فعل، وغير معرضة لتدخلات في شؤونها، وبنفس المستوى، وللوصول إلى نفس النتائج، هناك حاجة إلى فضاء إعلامي حر متطور ومهني.
وعوض مواصلة السعي لتعميق هذا العمل المشترك، سواء تعلق الأمر بالمقاربة الرسمية، أو بمقاربة الفاعل السياسي والإعلامي، دخل المغرب، يقول نبيل بنعبد الله: “مرحلة مبهمة، وغامضة تتسم بأن المكتسبات المحققة سياسيا وإعلاميا، باتت تراوح مكانها”، بل الأكثر من ذلك، يضيف المتحدث، دخل المغرب في مقاربة تسعى إلى تطويع الفضاءين السياسي والإعلامي، وجعلهما يفقدان تلك الحيوية التي كانا يتسمان بها، ولم يعودا يعبران بشكل حر ومستقل كما كان في السابق، مشيرا إلى أن هذا الأمر لن يساهم في تحقيق التقدم في مسار البناء الديمقراطي، ولن يساهم في الوصول إلى مستوى الجيل الجديد من الحقوق والحريات التي أقرها دستور 2011.
إلى ذلك، دعا محمد نبيل بنعبد الله إلى إعادة تحديد التصورات، كما كان الأمر في الماضي، من أجل النهوض بالفكرة الديمقراطية، وبالمسار الديمقراطي، ومن أجل عودة الجرأة في التعبير للفضاءين السياسي والإعلامي، مشيرا إلى أن مسؤولية الانحباس الذي نراه على كل المستويات، تعود للفاعل السياسي الذي يوجد في مركز القرار والذي يفترض فيه أن يكون حاملا لهذه التوجهات.
وشدد الأمين العام، على الحاجة إلى نساء ورجال لما يتحملون المسؤولية تكون لهم القدرة على بلورة مقاربة سياسية قوية، لكن ما يثير القلق والاندهاش، بحسب المتحدث، هو أن هذا القاموس السياسي والحقوقي والديمقراطي، وهذا القاموس المهني المرتبط بالإعلام والإصلاحات في هذا المجال، هو قاموس غائب تماما عن لغة هذه الحكومة.

عبد الله البقالي: صعوبة إيجاد حل جذري للتحولات العميقة التي يعرفها المجال الإعلامي

اعتبر عبد الله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أن الإعلام في علاقته بالبناء الديمقراطي يواجه خصمين، ويتعلق الأمر بالخصم التقليدي الذي يمثله المفهوم العام السائد والمتجاوز لدى الدولة والأوساط الرسمية الداعية إلى رسم دور معين للإعلام، والتحولات الطارئة في مجال الاتصال وما أفرزته من ظواهر، أساسا ظاهرة المؤثرين الذين ليست لديهم مؤهلات معرفية وأكاديمية أو حتى ثقافية، وأصبح مع ذلك لهم امتداد داخل المجتمع”.
ولفت عبد الله البقالي الانتباه “إلى أن تصور الدولة لدور الإعلام وحصره في مساحة محدودة، يدل عليه وضع الإعلام العمومي الذي يعكس ويترجم، بل ويكشف الإرادة السياسية الرسمية للدولة في مجال الإعلام”.
وأوضح أن الأخطار التي تحملها هذه التحولات الطارئة في مجال الاتصال والإعلام بصفة عامة، تتمثل في صناعة المؤثر في المجتمع، والذي ينخرط في تبخيس المؤسسات والعمل السياسي، هذا دون أن تكون لهذا المؤثر أية مؤهلات سواء تعليمية أو أكاديمية أو ثقافية، على خلاف ما كان عليه الأمر في السابق، حيث كانت صناعة المؤثر تخضع إلى معايير ومقاييس، إذ حتى يكون الشخص منتميا إلى النخبة كان يجب أن يقطع مسارا معينا، أكاديميا معرفيا، نضاليا، سياسيا، وحقوقيا، كأن يكون أديبا أو مفكرا أو صحافيا لامعا أو كاتبا جيدا”.
وأشار إلى المفارقة التي أصبح عليها الوضع حاليا، حيث بات المؤثر يصنع نفسه بنفسه، كما أصبح له امتداد داخل المجتمع بواسطة منتوج يشكل خطرا حقيقيا على البناء الديمقراطي برمته، بالنظر للخطاب الذي يتم ترويجه.
وأضاف البقالي أن غالبية المؤثرين حاليا يبخسون عمل البرلمان والمؤسسات السياسية للدولة. مردفا أن توصيفه هذا ليس موقفا سلبيا إزاء ظاهرة المؤثرين، ولكنه موقف نقدي.
وقال في هذا الصدد “إن في إطار هذا الوضع الجديد، يمكن أن نسجل أن أكثر من 85 من الشباب يعرفون بعض أسماء المؤثرين أكثر مما يعرفون المفكر ين من أمثال عابد الجابري، وهذا أحد أوجه الخطورة الحقيقية على البناء الديمقراطي،، وفق رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، الذي أشار في الوقت ذاته إلى التغيير الذي عرفته عدد من المفاهيم، والتي أصبح بعضها متجاوزا كالحق في ملكية وسائل الإعلام بعد التغييرات التي طرأت عليه حيث أصبح مرتبطا بالشخص الذي ينتج المحتوى ولم يعد الأمر يتطلب إنشاء مقاولة إعلامية لها خطاب إعلامي واضح.
وأكد عبد الله البقالي، على صعوبة إيجاد حل جذري لمواجهة هذا التحول الرئيسي والعميق الذي له تداعيات على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، على حد وصفه، لن تجدي فيها لا القوانين، ولا التضييق ولا القوة، وأن المخرج للتخفيف من تكلفة تداعيات الوضع يبقى هو العمل على تجويد المنتوج الإعلامي المؤسساتي الحقيقي. وفيما يمكن أن يمثل جزءا من الحل، يرى البقالى أنه إذا “توفرت برامج تلفزية، ومنتوج إعلامي جيدين، قد لا يقضي ذلك على المنتوج السيئ ولكن سيضيق الهامش عليه، ومن هنا لا تخفى الأهمية التي يشكلها تجويد المنتوج الإعلامي، على كافة المستويات سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص”.
وأوضح أن مواجهة الظاهرة، لا ينبغي أن تحكمها مقاربة مبنية على الهاجس الأمني أو هاجس التضييق القانوني، أو تفقير الموارد البشرية حتى لا تتحول لآليات في يد لوبيات الضغط، داعيا إلى محاصرة الظاهرة من خلال تقديم الدولة عبر سياستها العمومية نموذج منتوج ومحتوى إعلاميين يحققان جزء ومنسوب من الرغبات والانتظار التي يعبر عنها المواطنات والمواطنون.

نورالدين مفتاح: إضعاف الصحافة يؤدي إلى مزيد من المشاكل

من جانبه، أثار نورالدين مفتاح رئيس الفيدرالية المغربية لناشري الصحف الوضع المتردي الذي يعيشه الإعلام خلال المرحلة الحالية، مقدما تشخيصا عن ما وصفه بأسوأ سيناريو كان يمكن توقعه لقطاع الصحافة والإعلام قبل 30 سنة.
وذكر نورالدين مفتاح في بداية مداخلته بمسار الإصلاحات التي تمت أو التي تم إثارة النقاش بشأنها سواء خلال 1993 أو ما قبلها، ثم لاحقا في فترة التناوب التوافقي، حيث قال مفتاح إن الأمل كان كبيرا في ما مضى ومع بداية الألفية الجديدة، التي جاءت بطموحات وتقدم، وعشنا فورة من الانفتاح وكان يسود شعور بأن الأمور ستتطور.
واستدرك مفتاح لكن مع مرور الوقت بدأت الحوادث في الطريق والتي أدت بشكل مباشر إلى الوضع الحالي، معتبرا أن ما يعيشه قطاع الإعلام لا يضر المقاولات والصحافيين بعينهم، بقدر ما يضر الوطن ككل.
وقال مفتاح إن من يعتقد أنه من خلال إضعاف الصحافة سيقلص المشاكل واهم، متابعا أن هذا الفعل يؤدي إلى نتائج عكسية وإلى مزيد من المشاكل التي تتراكم في مختلف الحقول.
وسجل رئيس الفيدرالية المغربية لناشري الصحف أنه لا يمكن في أي بناء الديمقراطي تهميش دور الإعلام، إذ أكد في هذا الصدد أن هذا القطاع ليس فاعلا كما قد يعتقد البعض، لكنه يبقى أداة رئيسية وضرورية من أجل ذلك.
ولتنشيط الفضاء الديمقراطي ولعب هذا الدور الأساسي، يرى مفتاح أن القطاع يحتاج إلى أن يحظى بالحد الأدنى من الشروط، عوض ما يجري حاليا من تبخيس وتسفيه لأدوار الصحافيين، مقابل اتجاه جديد لما يسمى بالمؤثرين، حيث قال المتحدث إن “تبخيس الصحافة الجادة يصنع وحشا سيأكلك فيما بعد”، وفق تعبيره، في إشارة إلى ما يجري من فوضى في القطاع وتجاوز لإدوار الإعلام لصالح فئة من المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي الذين أصبح أعضاء من الحكومة الحالية يستعينون لخدماتهم من أجل التواصل والتعريف بالسياسات العمومية.
في نفس السياق، أكد المتحدث على أن الثورة الرقمية بالنسبة لبلاد مثل المغرب ببيئة ذات مشاكل على مستوى التعليم، ونسبة أمية مرتفعة، تؤدي إلى نتائج عكسية وإلى مشاكل أكبر بحيث يصبح الملايين من الناس يتحدثون بدون أي إطار في جميع المواضيع، وتتحول أهم النقاشات المجتمعية إلى نقاشات غير موجهة وغير منظمة بدون حسيب ولا رقيب، قد تكون لها آثار جانبية.
وأوضح مفتاح أن الأمر لا يتعلق بالمغرب فقط وإنما ببلدان أخرى بما فيها الديمقراطية، كما جرى في عدة انتخابات رئاسية بالولايات المتحدة الأمريكية وبفرنسا، بحيث أن مواقع التواصل الاجتماعي كانت فضاء لاستمالة الناس، بأخبار مضللة، إذ اعترف موقع “فيسبوك” بنفسه بوجود ملايين الحسابات الوهمية التي تنشر أخبار زائفة خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية ونفس الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية.
وأفاد مفتاح أن هناك أملا في إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي، لكن في حالة المضي قدما في البناء الديمقراطي، معتبرا أنه في كل انتقال ديمقراطي يكون الإعلام في وضعية هشاشة واللايقين، كما هو الوضع اليوم، مذكرا ببداية الألفية الحالية التي عرفت وعيا بضرورة الإصلاح والهيكلة من أجل التقدم، قبل أن تأتي مرحلة جاءت الاصطدامات والتراجعات.

كريم تاج: بقدر ما تتطور الديمقراطية يتطور الإعلام

من جهته، قال كريم تاج عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية إنه بقدر ما تتطور الديمقراطية يتطور الإعلام ويكون هذا القطاع الحيوي الرافعة الأساسية للنقاش العمومي والمجتمعي.
وشدد تاج على أن هذا الكلام الملكي شكل منطلقا من أجل مسار واعد من الإصلاحات، الذي حققت فيه نجاحات، لكنه تعرض فيما بعد إلى نوع من التكلس والانحصار، مشيرا إلى أن هذا الانحصار ما يزال يساهم حاليا في الإجهاز حتى على ما تحقق في ظل التغيرات الكثيرة والمتسارعة بالعالم، الذي سار جزء من الدول فيه إلى مراحل متقدمة بتحديات جديدة.
في هذا السياق، تابع عضو المكتب السياسي للحزب “علينا أن نكون مهيئين لهذه التغيرات وأن يتم الإصلاح من أجل استكمال المسار واللحاق بركب الدولة المتقدمة على المستوى الديمقراطي التي سارت بعيدا عن الوضع الذي يوجد فيه المغرب اليوم”، منبها من التلكؤ الذي يؤدي إلى إهدار زمن الإصلاح.
وبالنسبة للحزب، ذكر تاج بموقف الحزب منذ مبادرة الحوار الذي طرح تحت شعار “الإعلام والمجتمع”، حيث قال إن الحزب أكد حينها على أنه “لا يمكن ترسيخ ديمقراطية حقيقية دون إعلام قوي ولا تأسيس لإعلام قوي دون ديمقراطية متطورة ومنفتحة”.
هذا التلازم العضوي، يقول عضو المكتب السياسي، “يجعلنا في حزب التقدم والاشتراكية نعتبر بأنه إذا كانت هناك إمكانات من أجل تحصين البناء الديمقراطي فهي بالأساس تتجلى في الإعلام الذي يعد رافعة أساسية في هذا الورش”.
وعن الوضعية الديمقراطية في بلادنا والأخطار المحدقة، لفت كريم تاج إلى أن أكبر خطر يتجلى في الابتعاد أكثر فأكثر عن روح الدستور والتوجه نحو ديمقراطية شكلية، ولا شعور للمواطنات والمواطنين بأن الديمقراطية والمؤسسات التي ساهم في تشكيلها تؤثر على حياته ولا يجد نفسها فيها.
بدوره، ذكر كريم تاج بالأدوار التي لعبها الإعلام في هذا المسار، خصوصا الإعلام المكتوب الذي كان في فورة مواكبة المسار الإصلاحي، حيث قال إن تلك المرحلة كانت تمتاز بالجرأة وكانت تستعمل الحرية كسلاح لتوسيع فضاء الحريات، بالإضافة إلى كونها مرحلة كانت، وفق المتحدث، تتميز بالإرادة السياسية القوية، وكذا الأفق المأمول بأن الحرية المسؤولة هي الركن الأساسي للمغرب.
وتأسف المتحدث على الواقع الحالي، الذي قال إن هذا الإصلاح انتكس فيه بسبب سوء فهم ورغبة غير مشروعة في التحكم في الإعلام وتقويضه وتروضيه لأهداف فئوية ومصلحية وطبقية.
وسجل عضو المكتب السياسي لحزب “الكتاب” أن الوضع ساء أكثر في التجربة الأخيرة بالنظر للأموال الطائلة التي تم استعمالها، مردفا أن هناك جزء من النخبة ما تزال تقاوم هذا الزحف، وتأمل في تغيير الوضع وتجاوز جو الخوف والرعب الذي أصبح سائدا.
وعن الوضع الإعلامي والتراجعات التي يعرفها، لفت المتحدث إلى أن المرحلة الحالية يطبعها ما سماه “الرقابة الذاتية المسبقة”، والتي قال إنها أصبحت هي السائدة والمسيطرة، داعيا إلى تجاوز هذه التراجعات والسير نحو الإصلاحات من أجل مغرب ديمقراطي، يضطلع فيه المكون السياسي بدوره، والمكون الإعلامي دوره، وذلك من خلال تجديد نفس الإصلاح، والمزيد من الحرية وحرية المبادرة، وكذا الجودة في الخدمة العمومية، ثم الرهان على إعلام القرب، واحتضان وتأطير النقاش السياسي والعمومي في القضايا المجتمعية الأساسية.

ملوك: حان الوقت لإعادة هيكلة الإعلام بالجدية اللازمة

ومن جانبه، حذر مصطفى ملوك، منتج وخبير في الإعلام، من الخطر القادم الذي يمثله حاليا بناء تكتلات عالمية والتي تعمل على امتلاك منصات للبث وبيع حقوق، بما يشكله ذلك من قوة إعلامية وفرض لتوجهاتها. وقال إن التطورات المتسارعة والمتعاظمة التي يشهدها مجال الإعلام على المستوى العالمي، لن تترك للدول الفقيرة أو المتخلفة موطئ قدم، حيث تتنافس أو تتصارع، حسب تعبير المتحدث، القوى العظمى والبلدان الغنية على بناء منصات إعلامية كبرى، للاستحواذ على سوق حقوق البث، بما يؤكد أنه “إذا لم يكن لديك السيادة الإعلامية سيكون من الصعب التحدث مع مواطني البلد بما هو ملائم وصائب”.
وأشار ملوك، في هذا الصدد، إلى أهمية الإعلام، خاصة وأن له دورا تربويا وتثقيفيا، بل له ثقل على مستوى الدورة الاقتصادية للبلد، إذ تعد الصناعة الإعلامية والإبداعية والثقافية مثلا في الولايات المتحدة الأمريكية أول مساهم في الناتج الداخلي الخام.
ودعا في هذا الصدد، بالنسبة للمغرب، إلى إعادة هيكلة الإعلام بالجدية اللازمة، قائلا “إنه حان الوقت لذلك، مقترحا جعل وزارة الاتصال ضمن القطاعات ذات الأولوية بحيث تكون من بين الوزارات السيادية الأربع التي تمتلك ثقلا على مستوى اتخاذ القرار”.
وقال ملوك بشأن الديمقراطية، إنها “قرار سياسي، قبل كل شيء، وحكامة جيدة، بقوانين معروفة يتم تطبيقها، مع إعمال العدل، على أن يسير كل ذلك في اتجاه تنمية المواطن”، مؤكدا على ضرورة التحلي بالنظرة المتفائلة حول إصلاح القطاع. كما استعرض التحولات التي شهدتها الممارسة الإعلامية في المغرب قبل ثلاثة عقود، خاصة إحداث القناة التلفزيونية الثانية وما مثلته من تجربة متميزة كقناة خاصة، لكنها لم تحظ بالدعم اللازم فكان مصيرها التراجع.

الحسين الشعبي: الصحافة ارتبطت دائما بالمعارك من أجل الديمقراطية والإصلاحات السياسية

وكان الحسين الشعبي منسق قطاع الثقافة والاتصال بحزب التقدم والاشتراكية الذي أدار هذا اللقاء، قد طرح في بدايته أرضية للنقاش انطلاقا من الورقة التأطيرية للحزب، التي تؤكد على أن العلاقة التفاعلية بين الإعلام وبناء أو تقوية الديمقراطية صارت أمرا بديهيا ومتفقا عليه من طرف الجميع، وضمن ذلك يندرج الحديث عن الخدمة المجتمعية التي يجسدها الإعلام، وعن حق المواطنات والمواطنين في الإعلام.
وقال الشعبي انطلاقا من الورقة التأطيرية إن الإعلام والصحافة ارتبطا دائما بالمعارك من أجل الديمقراطية والإصلاحات السياسية، وبنضالات القوى الديمقراطية، إلى جانب نضالات وترافعات ومطالب الصحفيين عبر منظماتهم المهنية، وكذا هيئات الناشرين وجمعيات حقوق الإنسان.
وأضاف الشعبي بحسب ما ورد في ورقة النقاش أن هذا النضال المجتمعي بقي دائما مرتبطا بالحريات العامة منذ 1958، وبالتعددية وحرية التعبير، كما كان ملف الصحافة والإعلام دائما حاضرا في المطالب المتصلة بالإصلاحات السياسية والدستورية.
ولفت منسق قطاع الثقافة والاتصال بحزب التقدم والاشتراكية إلى أن موضوع الإعلام كان دائما حاضرا في مختلف المناقشات المتعلقة بإصلاح الدستور، وخصوصا في عام 2011، عبر مذكرات المنظمات المهنية، وفي اقتراحات القوى الديمقراطية، ومنها حزب التقدم والاشتراكية، الذي كان بدوره قد عرض عددا من الاقتراحات والمطالب ذات الصلة بالصحافة والإعلام، في مذكرته التي رفعها إلى اللجنة المكلفة بإصلاح الدستور، كما يقول المتحدث.
وسجل الشعبي، انطلاقا من ورقة أرضية النقاش، أن المطالب المرتبطة بإصلاح قطاع الإعلام تبقى معروفة، وتتفق عليها كل الأوساط المهنية والحقوقية والسياسية، كما جرى الحديث عن أجيال حقوقية مستجدة، مثل الحق في الوصول إلى المعلومة، والتنظيم الذاتي للمهنة، والتأكيد مرة أخرى على حرية الصحافة واستقلالية المهنة، وعلى الخدمة العمومية بالنسبة للإعلام العمومي، وحرصه على التعددية، وعلى المسؤولية تجاه المجتمع.
وبعدما ذكر بالمكتسبات التي جاء بها دستور 2011، لفت المتحدث مرة أخرى إلى أن هناك أسئلة وانتظارات تبقى مطروحة، وكذا تحديات أساسية تفرض نفسها اليوم، ويجب الانكباب عليها.
ويرى المتحدث، استنادا إلى ما ورد في الورقة التأطيرية، أن هناك حاجة لنقاش مجتمعي وطني حول الإعلام، مستحضرا في هذا السياق عددا من النقاشات الوطنية حول القطاع، ومن ضمنها المناظرة التاريخية المعروفة لعام 1993، ومناظرة الصخيرات سنة 2005، والتي جرى خلالها إقرار عدد من الاتفاقات حظيت حينها برعاية ملكية سامية، وأسست مخرجاتها في ذلك الحين لمرحلة جديدة لا زالت بعض أحكامها سارية إلى اليوم.
كما ذكر الشعبي بالحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع في المغرب الذي انعقد في يناير 2010 بمقر البرلمان، وانتهى بإصدار كتيب هام تضمن العديد من التوصيات والخلاصات.
وبعدما استعرض الشعبي ما شهدته البلاد من مكتسبات من قبيل تحرير السمعي البصري، وظهور الإذاعات الخصوصية، ودفاتر التحملات والعقود البرامج وسوى ذلك، وبروز الصحافة الإلكترونية، سجل ظهور عدد من المشاكل المستجدة التي طرحت تحديات أخرى في المضامين والأهداف، والعلاقات والتداخلات.
ويرى المتحدث نفسه أن هناك سؤالا جوهريا يطرح في المرحلة الراهنة حول مآل كل هذه الإصلاحات والمبادرات والقرارات، وضرورة تقييم ما أنجز منها وما لم ينجز، وأساسا علاقة الإعلام الوطني بشكل عام بالمجتمع وقضاياه وانتظاراته، مشيرا إلى أن ملف إصلاح الإعلام والصحافة بقي دائما سياسيا بامتياز، ويحضر في عمق نضالات القوى الديمقراطية والتقدمية، ويرتبط جدليا بالسعي لتمتين الديمقراطية والحرية، وحقوق الإنسان والتعددية والانفتاح.

< محمد حجوي < محمد توفيق أمزيان < تصوير: رضوان موسى

Related posts

Top