سيرة حياة على ضفتي المتعة والألم

وقع الكاتب عبد السلام شرماط مؤخرا بالرباط، روايته الأولى “أيام خائنة” التي تحكي سيرة حياة متأرجحة على ضفتي المتعة والألم.
ففي لقاء أدبي احتضنه المقهى الأدبي لمسرح محمد الخامس، بدت الرواية التي صدرت عن المركز الثقافي للكتاب بالدار البيضاء في 231 صفحة، سيرة غيرية تستعيد مسار شخصية عنيدة خاضت معركة الحياة الصعبة في صيغة مغامرة مفتوحة بحثا عما يسميه “زكور”، بطل الرواية، “ضوءه البعيد”، ذلك الأفق الذي يعده عبثا بالتحرر والكرامة وتحقيق الذات.
هي سيرة زكور الذي فتح عينيه في دوار فقير معدوم الأفق، أيام الظلام الاستعماري، والذي يود التمرد على واقعه واقتفاء الطرق المجهولة بحثا عن خلاص ممكن، فتكون حياته فصولا متعاقبة، بين هجرة وعودة، وبين ألم ومتعة. ترحال مستمر، يستعيده السارد فتغدو الرواية مسحا مصورا لفضاءات جغرافية ممتدة ما بين العديد من مناطق الأطلس وكبريات الحواضر التي قاد القدر زكور إليها، عابرا أو مقيما، ما بين سوق السبت، زاوية الشيخ، الفقيه بنصالح، خنيفرة، القصيبة، مكناس، سلا، الدار البيضاء، فضلا عن فرنسا التي حل بها زكور لفترة مجندا في الجيش الفرنسي في الحرب العالمية الثانية، ثم الجزائر في طريق عودته الى المغرب.
وفي قراءته للرواية، أثنى الناقد الشرقي النصراوي على نص سردي دسم مبنى ومعنى، يتميز بلغة شاعرية، وببراعة التصوير العجائبي، وتوظيف الأسلوب الساخر، والجمل القصيرة المعبرة، مع وصف دقيق للشخصيات، جسديا ونفسيا، واستثمار خلاق للذاكرة الفردية والجماعية. وأبدى الباحث أحمد العاقد إعجابه بملامح صوت جديد في المشهد السردي المغربي تنبئ به هذه الرواية الأولى لعبد السلام شرماط، التي وصفها بأنها سيرة ذاتية “مائعة” تجمع الذاكرة الفردية بالذاكرة الجمعية، ويلتبس فيها الواقع بالخيال. “أيام خائنة” هي، حسب توصيف العاقد، “رواية حول الوجود وقضاياه، طافحة بالحكم المستمدة من تجارب حياة مليئة بالأفراح والخيبات”. وقدمت الإعلامية سعيدة شريف، التي أدارت اللقاء، رواية “أيام خائنة” بوصفها عملا إبداعيا ينهل من الذاكرة، وهو أقرب الى السيرة الغيرية المتخيلة، منه إلى الرواية، منوهة بعمل ينقل قارئه إلى المغرب “المنسي”، أيام الاستعمار، وعهود “السيبة والحكرة”، من خلال اقتفاء أثر “زكور” في رحلته بحثا عن الذات، مغادرا دوار “الدلالة” بجماعة مسغونة نحو المجهول. ومن خلال زكور، تضيف المتحدثة، يستجمع القارئ معالم أناس يحاولون بناء أنفسهم والنهوض من وحل الحاجة والتهميش.
ومن جهته، قال عبد السلام شرماط في معرض توضيحه لحيثيات وبواعث كتابة النص، إن الأمر يتعلق بالحاجة إلى البوح، تراكمت كشعور باطني منذ سماعه حكايات مثيرة على لسان والده من مغامرات الحرب العالمية الثانية. “حكايات كانت ضربا من الخيال، ظلت تختمر وتتراقص حتى انسكبت في الرواية”. هي بالتالي سيرة شخصية صارعت الألم بارتياد عوالم المتعة، وحاولت طيلة حياتها الالتفاف على الطرق التي تفضي الى الشعور بالمهانة.

Related posts

Top