شارع محمد الخامس .. معلمة تاريخية تعاني التقصير وانعدام المسؤولية

عدد كبير من المدن المغربية تحمل بعض شوارعها أسماء لرموز وطنية تكريما لهذه الشخصيات واعترافا بما أسدته من خدمات جليلة للوطن. من بين هذه الشوارع التي نحن بصدد الحديث عنها شارع محمد الخامس بالعاصمة الاقتصادية، هذا الشارع الذي من المفروض أن يحظى بالاهتمام الكبير وأن تفرد له عناية خاصة لما يحمله من قيمة إسمية مرتبطة بتاريخ أمة وبكفاحها الوطني من أجل الاستقلال. فإطلاق اسم شخصية فذة على هذا الشارع، بصمت بمداد الفخر والاعتزاز على مرحلة تشع بالكفاح والنضال من أجل حرية الشعوب واسترجاع كرامتها المهدورة، ليس في المغرب بل المغرب العربي وإفريقيا بشكل عام، له دلالة واضحة، تتمثل في العناية بالذاكرة التاريخية لملك وشعب، وتربية الناشئة على روح وقيم الوطنية والسلوك القويم ومكارم الاخلاق، وهي مثل عليا تستدعي التدخل من قبل السلطات المعنية لإعادة الاعتبار لهذا الشارع الذي يوجد اليوم في محنة حقيقية.

يعتبر شارع محمد الخامس من أقدم شوارع العاصمة الاقتصادية، تم إنشاؤه في ثلاثينيات القرن الماضي، خلال الفترة الاستعمارية وكان انشاء كولونيا ليا بامتياز مراعيا للثقافة الفرنسية في التعمير. فهذا الشارع التجاري الذي يعتبر من أعرق وأهم شوارع المدينة، يضم أجمل العمارات المشيدة في تلك الحقبة، بواجهاتها ذات جمالية هندسية قل نظيرها في ذلك العصر. وفي مشهد عام لهذا الشارع يمتزج القديم بالمعاصر ليقدم صورة عن الدار البيضاء بين اليوم والأمس، بما يحمل ذلك من تغيير واضح، فهنا محلات حديثة وهناك محلات قديمة تجاورها، بقيت شاهدة إلى يومنا هذا على أحداث وتفاصيل وقائع تشكل جزءا من ذاكرة هذه المدينة التي تحلم بغد أفضل. ويبقى حاليا هذا الشارع من الوجهات المفضلة لدى البيضاويين، تجذبهم إليه العديد من المحلات التجارية التي تستقطب الزوار من كل مكان لشراء الملابس المعروضة بأناقة تغري الناظرين، كما يجلبهم الإرث التاريخي التي يزخر به هذا المكان. يخترق خط ترامواي الدار البيضاء هذا الشارع الذي يوجد به سوق قديم تحيط به العديد من المقاهي ومحلات بيع الحلوى، وفي الجهة المقابلة  لهذا السوق( MARCHE CENTRALE ) توجد مجموعة من الفنادق من بينها فندق لينكولن الذي لازالت أطلاله شاخصة تشهد عن بقايا بناية تاريخية مهدمة تحتل مساحة تقدر بحوالي ثلاثة آلاف متر مربع، ويعتبر هذا الفندق الذي وضع تصميمه المهندس الفرنسي «هيبير بريد» سنة 1917، أول بناية بهذا الشارع الذي يحتضن منشآت ثقافية واقتصادية، كسينما (أ.ب.س) وسينما (أمبير) وممرات مشهورة «بساج الكلاوي»، «بساج سوميكا».

«الفراشة».. كوابيس تحول الشارع إلى جحيم

لقد بات هذا الشارع يعرف مجموعة من المظاهر السلبية المستفزة لشعور الساكنة البيضاوية التي لا تستسيغ سلوك وممارسات شاذة تمس في الصميم ذاكرتها التاريخية. فهذا الشارع الذي كان بالأمس من أرقى الشوارع، يغري فنه المعماري وتراثه التاريخي السياح ويجذبهم للزيارة والاطلاع عل كنوزه الدفينة، لاسيما، السياح الأجانب الذين ينعشون القطاع السياحي، قد تدنى اليوم مستواه وبات في الحضيض من فرط الكوابيس الجاثمة على نبضه تكتم أنفاسه كل لحظة وحين، مجسدة في مظاهر البيع بالتجول، التسول، والدعارة.
بيان اليوم قامت بجولة بالشارع المذكور، حيث رصدت مجموعة من الباعة الجائلين يستغل كل واحد منهم مساحة ثلاثة إلى أربعة مترات، يبسطون فوقها أفرشة لعرض سلع مختلفة.
من بين هؤلاء الباعة من يعرض الألبسة القديمة عبارة عن معاطف وأقمشة صوفية وسراويل شتوية (البال)، ومنهم من يطرح للبيع الملابس الجديدة والملابس الداخلية للرجال والنساء إلى جانب الأحزمة الجلدية، إلى جانب شباب يبيعون المنتجات الورقية مثل المناديل وغيرها .. كل شيء من هذه المعروضات مرصوفه فوق الملك العام الذي لم تعد له أي حرمة وصار منتهكا من قبل كل من هب ودب من الباعة المتجولين وباعة «الهندي».

الظاهرة في امتداد سرطاني

في الحقيقة، ظاهرة الباعة المتجولين في هذا الشارع أمست تتوسع وتمتد كالسرطان، نحو أماكن أخرى لا تقل شأنا عن شارع محمد الخامس.
وقد عاينت بيان اليوم، هذا الزحف المستفز لهؤلاء بشارع الأمير «مولاي عبد الله» الذي أضحى هو الآخر سوقا شعبيا بكل معنى الكلمة يعرض فيه «الفراشة» سلعهم من طلوع الشمس إلى ساعة متأخرة من الليل، تتعالى أصواتهم بين الحين والآخر لجذب الزبناء، وكثيرا ما يدخلون في تشابك بالأيدي  ومشاداة كلامية يتبادلون خلالها السب الشتم، وكل ذلك بسبب الخلافات التي تنشب بينهم حول أحقية استغلال الملك العمومي.
كما رصدت الجريدة باعة متجولين بسلع ومعروضات يستهدفون الزبائن بمحيط فندق حياة ريجنسي حيث الفراشة يطرحون للبيع الألبسة والأحذية وغيرها، ووقفت على حجم التشويه الذي تتسبب فيه هذه الظاهرة بالقرب من «كافي فرانس» وعلى امتداد الشارع الذي توجد فيه هذه المقهى التي يقصدها الكثير من السياح الأجانب.
ورأت بيان اليوم كيف يضيق الخناق على الراجلين الذين تزدحم بهم الممرات العمومية في أوقات الذروة حيث ترتفع الحركة وتبلغ أوجها، لاسيما، في شارعي محمد الخامس والأمير مولاي عبد الله، وغيرهما من الشوارع التي صارت قبلة لأنواع مختلفة من السلع والبضائع يعرضها شباب نساء وحتى أطفال صغار، منهم من يقوم بذلك بطرق استفزازية حيث يرغمون المارة، على شراء منتجات لا يرغبون فيها أصلا، وذلك عن طريق الاستعطاف مما يتسبب في إزعاج الناس الذي يشعرون بمواقف حرجة، فيفضل بعضهم إعطاء الشحاذين درهمين أو ثلاثة للفكاك منهم.

استفحال الدعارة يزيد الوضع تأزما

بيان اليوم، سألت (خ .ب) أحد التجار بشارع محمد الخامس عن ظاهرة الباعة المتجولين. لم يرق لهذا الرجل السبعيني، في البداية، الحديث عما يشوب هذا الشارع من عيوب تنظيمية وأخلاقية، لكنه تراجع عن موقفه، وبدأ كلامه مكتئبا يتأسف عما آل إليه هذا الشارع، مفيدا، بأن البيع بالتجول ليس وحده ما يسيء إلى سمعة شارع محمد الخامس التاريخي، فهناك الدعارة التي اعتبرها أشد وطأة وخطورة على الناس، مبرزا أنها تهدد الصحة العامة للمجتمع، خاصة، المراهقين، الذين يقصدون هذا الشارع حيث توجد مجموعة من المومسات من بينهن قاصرات يبحثن عن زبائن اللذة الرخيصة، وتثير وجوههن المليئة بالمساحيق وتصرفاتهن الاستغراب لدى المارة. وتابع هذا الرجل كلامه قائلا إن استفحال الدعارة في شارع محمد الخامس، وممارستها بشكل شبه علني بأبواب بعض العمارات القديمة والأماكن المظلمة، وحتى على متن سيارات «الهوندات» له تفسير واحد ووحيد، هو انعدام المراقبة الأمنية وتفشي الرشوة. وأشار الشيخ في حديثه، إلى أيام الستينيات والسبعينات من القرن الماضي، بأيام العز التي كان ينعم فيها الشارع بالأمن والطمأنينة، حيث كان على الراغب، يقول المتحدث، في استعمال هذا الشارع أو التجول فيه أن يكون منضبطا للأداب العامة، وأن يفكر» ألف مرة» قبل الإقدام على أي سلوك طائش قد يزج به في السجن، مبرزا، في هذا الصدد، أهمية دوريات الشرطة في مراقبة الشارع وصون حرمته.
اللصوصية والتسول تمرغ سمعة الشارع في الوحل
أما بن إزهاق عمر، طالب جامعي، الذي التقته بيان اليوم بمحطة الترامواي، فتحدث بتأسف عما شاهده من أفعال عنف وعدوانية بالشارع المذكور، والتي قال إنها تحدث من حين لآخر بين المنحرفين الذين لا يترددون في استعمال الأسلحة البيضاء لإيذاء بعضهم البعض. وتابع عمر كلامه، أن بعض المنحرفين هم في الحقيقة لصوص يعترضون سبيل المارة ويسلبونهم أرزاقهم، لاسيما، خلال الليل وفي الأماكن المعزولة. وأردف المتحدث: « شارع محمد الخامس فقد سمعته التي كان مشهورا بها، وأمسى قبلة للمتسولين من النساء والأطفال الصغار يزعجون الناس باستجداءاتهم ويضايقون السياح الأجانب بالخصوص».
وزاد المتحدث، هناك الكثير ممن يستغل هذا الشارع في التسول إما عن طريق تسويق العاهات أو التظاهر بها، كما هناك متسولات يستعملن الأطفال الصغار والرضع في التسول، إما يتجولن في المقاهي والأماكن التي يستعملها العامة، أو يفترشن الأرض بمعية هؤلاء الصغار، مشيرا، إلى بشاعة هذه الأفعال التي تسيء إلى الشارع المذكور وسمعة ساكنيه.

سعيد ايت اومزيد

Related posts

Top