شلال من الانتقادات لتقاعس المسؤولين عن إنقاذ العاصمة الاقتصادية من فوضى الأشغال المتعثرة

أوراش طموحة تتعثر بالبيضاء

“إن كنت تسير في الدار البيضاء ولم تصادف حواجز الأشغال فاعلم أنك تائه” إنها المقولة الأكثر انتشارا عند البيضاويين في الأيام الأخيرة. و تبدو المقولة للوهلة الأولى نكتة مضحكة أو إحدى الطرائف، إلا أن دلالتها تخفي معاني كثيرة. فهي تلخص الوضع الذي باتت تعيش على وقعه العاصمة الاقتصادية للمملكة منذ وضع حجر الأساس لمشاريع وأوراش عدة بهدف تعزيز البنية التحتية للدار البيضاء والرقي بها إلى مصاف المدن الذكية على المستوى العالمي، إلا أنه على العكس تماما فمنذ أن انطلقت هذه الأشغال تجد المدينة نفسها تعود إلى قرون خلت عوض التقدم نحو الهدف المنشود. 

مشاريع طموحة

تتواصل جهود مجلس الدار البيضاء سطات وجماعة الدار البيضاء والعديد من الشركات المفوض لها تدبير الشأن العام بالمدينة، لتوسيع وتنويع شبكة النقل الحضري بالدار البيضاء، فقد سبق وأن أعلنت شركة التنمية المحلية “كازا ترانسبور”، أواخر عام 2020، عن إعطاء انطلاقة أشغال إنجاز مشروع الخطين الأول والثاني للحافلات عالية الجودة للدار البيضاء تحت إشراف الشركتين المغربيتين SGTM وGTR، وكان من المقرر انتهاء الأشغال منتصف هذا العام حسب الشركة المعنية؛ لتستدرك الأمر مع اقتراب الموعد المحدد لتؤجل الموعد إلى مطلع عام 2023. كما تم قبل أقل من سنة من الآن إعطاء الانطلاقة الرسمية لتشغيل واستغلال حضيرة الحافلات الجديدة المكونة من 700 حافلة التي تم اقتناؤها في إطار عقد التدبير المفوض المبرم بين مؤسسة التعاون بين الجماعات “البيضاء” والشركة المفوض لها “شركة ألزا”.

هذا الاستثمار الذي ناهزت قيمته الاجمالية حوالي 1,4 مليار درهم، وتم تمويله من طرف الدولة عبر صندوق مواكبة إصلاحات النقل الحضري والشركة المفوض لها وكذا عبر مساهمات مالية تمت تعبئتها من طرف مجلسي جهة الدار البيضاء-سطات وجماعة الدار البيضاء. وبعدها بأيام قليلة أعلنت الدار البيضاء للنقل عن انطلاق أشغال الخط الثالث والخط الرابع للترامواي وذلك يوم  الثلاثاء 23 فبراير 2021، بهدف تعزيز شبكة خطوط الترامواي فتصل مجموع 47 كلم بمجموع تراب الدار البيضاء.  هذه الأشغال التي تدوم حوالي ثمانية أشهر بدء من التاريخ المعلن عنه أعلاه لتنتهي بذلك الأشغال مع نهاية عام 2023 حسب إعلان “كازا ترانسبور”. مؤكدة في ذات الإعلان أنه تم اتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على السير بالمحاور المعنية بالأشغال وضمان الولوج بالنسبة للساكنة والمرافق المجاورة.

كما أعلنت الشركة نفسها في نونبر 2021، عن مشروع جسر بشارع محمد السادس. الجسر يبلغ طوله حسب بلاغ للشركة 620.4 مترا ويبلغ عرضه الإجمالي 16.1 مترا. وتشرف على تنفيذ أشغاله “شركة بيوي” Bioui Travaux بمبلغ يتجاوز 171 درهم. وكان البلاغ قد أشار إلى أن الجسر سيدخل الخدمة خلال هذا الصيف. علاوة على مشاريع أخرى تهم توسيع الشبكة الطرقية وتأهيل المساحات الخضراء.

قاطرة البيضاء تتعثر

هذه المشاريع العملاقة التي انخرطت فيها مدينة الدار البيضاء منذ مدة تعرف بطئا شديدا في عملية تقدمها.

وأرجع  أحمد بريجة، رئيس لجنة المرافق العمومية والخدمات في مجلس جماعة الدار البيضاء، في تصريح صحفي سابق ، تعثّر بعض الأوراش العمومية إلى تداعيات جائحة “كورونا”، مؤكدا أن “التنمية الاقتصادية توقفت خلال الموسمين الماضيين، لكنها عادت الآن إلى مستواها الاعتيادي”.

وأبرز بريجة، أن “الجماعة وفرت السيولة المالية الكافية لإنجاز تلك المشاريع، وتحرص على احترام الآجال القانونية المسطرة في دفتر التحملات”، لافتاً إلى أن “جزءاً من الأوراش سينتهي في أوائل 2023، بينما ستنتهي أوراش الترامواي في أوائل 2024”.

وأشار المسؤول عينه إلى أن “إطلاق الأشغال العمومية دفعة واحدة هو ما ساهم في خنق حركة السير والجولان، لكن الشركات المكلفة بها تريد إنهاء جميع الأوراش في السنتين المقبلتين، بعد التعثر القسري الذي سببته جائحة كورونا لجميع الأطراف”.

وواصل رئيس لجنة المرافق العمومية والخدمات في مجلس جماعة الدار البيضاء بالقول إن “برنامج تنمية الدار البيضاء الكبرى، الموقع أمام أنظار الملك محمد السادس سنة 2014، خصص 34 مليار درهم لهذه الأوراش المهمة التي خرج بعضها إلى حيز الوجود، فيما يوجد البعض الآخر في طور الإنجاز”.

وكانت وسائل إعلام عدة قد تداولت خبر إقدام الشركات الحائزة على الصفقات في المشاريع المتعلقة بالخطين الثالث والرابع للترامواي والخامس والسادس للباصواي، على تقليص عدد عمالها بشكل ملحوظ، وهو ما من شأنه التأخر في إتمام الأشغال، ولجأت هذه الشركات إلى القيام بهذه الخطوة بحجة أنها لم تتوصل بمستحقاتها المالية.

وقد تفاعل أحمد بريجة، مع ذلك خلال تصريح صحفي سابق مؤكدا فيه، أن العجز المالي تسبب في عدم توصل بعض المقاولات الحائزة على الصفقات في المشاريع المذكورة بمستحقاتها المالية.

وأفاد بريجة بأن هذه المقاولات لم تتوصل، منذ الولاية السابقة، بمستحقاتها كما هي؛ ما أثر على مجموعة من المشاريع التي تشرف عليها.

ولفت رئيس لجنة المرافق والممتلكات بجماعة الدار البيضاء إلى أن المديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية تقوم، حاليا، بتقديم مساعدات من أجل تغطية العجز الحاصل.     

وأضاف المتحدث ذاته أن جماعة الدار البيضاء تعمل حاليا من أجل تجاوز هذا الإشكال، حتى تكون المشاريع الكبرى منجزة في الوقت المحدد لها.

هذا وسبق  لنبيلة الرميلي، عمدة مدينة الدار البيضاء، أن أكدت عقب تنصيبها رئيسة لمجلس جماعة الدار البيضاء، أن الأعضاء الـ131 لمجلس المدينة سيتجندون للاستجابة لانتظارات ساكنة الدار البيضاء وإتمام الأوراش الكبرى التي انطلقت من قبل.

وقالت الرميلي إن المسؤولية الملقاة على عاتق المكتب الجديد لجماعة الدار البيضاء جسيمة، خاصة في ظل وجود مجموعة من الأوراش الكبرى التي مازالت تنتظر إخراجها للوجود.

وأبرزت الرميلي، في ذات التصريح، أن الأعضاء الـ131 للمجلس سيتجندون لإتمام هذه الأوراش، والمساعدة على فتح الباب لجميع المواطنين من أجل المساهمة في خدمة البلد.

كما أكدت عمدة مدينة الدار البيضاء، في كلمة لها، أن فريقها سيفي بالوعود التي قدمها للساكنة، وسيستجيب إلى تطلعاتهم.

إلا أنه لحدود الساعة لم تستطع العمدة تلبية تطلعات المواطنين، فأغلبهم مستاءون من الوضع الذي أصبحت عليه المدينة.

محمد عليوة، مواطن بيضاوي، يقول”للأسف الوضع أصبح مزريا، سعدنا عندما سمعنا بهذه المشاريع وكنا نأمل أن تصبح مدينة الدار البيضاء جميلة كالمدن الأوربية لكن للأسف لم يتحقق هذا، وأعتقد أنه لن يتحقق”.

وأضاف مواطن آخر فضل عدم ذكر اسمه، أن “المدينة كانت بحاجة إلى هذه المشاريع نظرا لأزمة النقل التي كنا نعيشها، وكنا نأمل أن يحل الأمر لكن ازداد الأمر سوءا”، بينما تقول السيدة السعدية وهي مواطنة أيضا “أصبح منظر المدينة بشعا جدا، ألم يفكروا أن هذه المناظر ستؤثر على السياحة؟” وأضافت “ليتهم على الأقل يسرعون في إتمام الأشغال فقد اشتقت إلى مدينة الدار البيضاء تلك المدينة الجميلة التي أعرفها”

وقالت مواطنة تحفظت على ذكر اسمها “أتأسف لما وصلت إليه المدينة” وأضافت “إنهم (مجلس المدينة) يتحملون مسؤولية ما وصلت إليه المدينة”

ضغط مروري وسخط عارم

المشاريع الكبرى التي يحاول من خلالها مجلس الدار البيضاء سطات تحسين وتطوير النقل العمومي بالبيضاء تقوم بعكس مهامها، فتعثر هذه المشاريع يساهم في عرقلة حركة السير والجولان بالمحاور الطرقية الأساسية خاصة تلك التي تشهد ضغطا كبيرا خلال فترة الذروة.

المهدي ليمينة، فاعل جمعوي متتبع للشأن المحلي،  قال في تصريح صحفي إن “الأوراش الحالية تمتد لأكثر من خمس سنوات، ما جعل المواطن يعاني بسبب صعوبة التنقل بين أرجاء المدينة، في ظل إغلاق عدة طرقات تخضع لأشغال الصيانة”.

وأضاف ليمينة، أن “المجلس الجماعي مطالب، اليوم، بتطبيق الصرامة القانونية والإدارية في مراقبة وتيرة إنجاز هذه الأشغال العمومية، خاصة أن بعضها تجاوز المدة المسطرة له”.

وأوضح المتحدث ذاته أن “تلك الأوراش ستعود بالنفع على البيضاويين، من خلال تعزيز البنية التحتية بالعاصمة الاقتصادية للمملكة، غير أنه ينبغي احترام آجالها القانونية”، داعيا الشركات المعنية إلى “استغلال مرحلة الصيف لإنهاء المشاريع المتعثرة”.

هذا وتعرف العديد من الطرق ضغطا مروريا ولعل أبرزها طريق الرحمة الذي يعرف شلالا شبه تام خلال فترات الصباح بين الساعة السابعة إلى العشرة، وفي المساء من الساعة الرابعة بعد الزوال إلى حدود الثامنة مساءا.

هذا فقط نموذج، بحث يجد سكان المدينة صعوبات كبيرة في تخطي الأشغال الجارية بمختلف الشوارع، الشيء الذي يعقد وصولهم نحو وجهاتهم.

وفي هذا الصدد، قال مصطفى الكيحل، فاعل نقابي في النقل الطرقي، في تصريح سابق إن “هذه الأشغال لها تأثيرات عديدة، سواء على الركاب ومستعملي السيارات أو السائقين المهنيين”.

وأضاف الكيحل، أن “هذه الأشغال تسببت للمهنيين في متاعب عديدة وحوادث سير كثيرة”.

ولفت الكاتب العام الوطني للنقل الطرقي بالمغرب، ضمن تصريحه، إلى أن “السائقين، سواء المهنيين أو مستعملي سياراتهم الخاصة، يعيشون ضغطا كبيرا في طرقات الدار البيضاء بسبب هذه الأشغال”.

هذه الأشغال التي باتت تشكل مصدر سخط وسط شريحة واسعة من البيضاويين.

فإلى أين وصلت هذه الأشغال؟ ومتى ستنتهي أسئلة تطرح لدى العديد من المواطنين؟ حاولنا نقلها إلى المسؤولين لكن دون جدوى.

وبهذا الصدد حاولت جريدة بيان اليوم التواصل مع أحمد بريجة، رئيس لجنة المرافق العمومية والخدمات في مجلس جماعة الدار البيضاء، غير أن هاتفه ظل يرن دون مجيب، فيما رفض بعض نواب رئيس مجلس الدار البيضاء الحديث في الموضوع بالنظر لكون هذه الأشغال لا تندرج ضمن التفويضات الممنوحة إليهم.

السيدة السعدية تعود وتقول “الدار البيضاء أصبحت لا تطاق لأن المسؤولين عليها لا يراقبون ولا يحاسبون” وأضافت “حسبي الله ونعم الوكيل في أي مسؤول على الوضع” وقالت متسائلة “لماذا مدينة الرباط أصبحت جميلة على عكس الدار البيضاء التي أصبحت مثل حفرة”.

طرحت جريدة بيان اليوم الموضوع في منشور على موقع فايسبوك من أجل استطلاع رأي، فعلق أحدهم قائلا “الدار البيضاء ورش كبير ومفتوح لا ينتهي ولن ينتهي خاصة مع غياب المحاسبة لمجلس المدينة والولاة والعمال، وبسبب طيبوبة ساكنتها التي تسقط سياراتهم في الحفر والإزدحام اليومي وتتجول في الغبار وتعاني نفسيا وجسديا من الأشغال التي لا تنتهي وغياب المساحات الخضراء وأماكن الترفيه”.

 وقال آخر “سنتين وهم يعذبون الساكنة في طريق الرحمة دون مراعاة حقوق الراجلين والمارة وأصحاب المتاجر، والبالوعات مفتوحة أمام السيارات والمارة”.

تعليق آخر يقول “أوراش عشوائية وارتجالية تتم منذ عقود بدون تصميم وإعداد، ولهذا لا ننتظر شيئا من هاته الأشغال المزعجة، الدار البيضاء تحتاج لفريق متكامل” وأضاف”لا تصور واقعي ولا عملي لمدينة يصفونها بالذكية، كفى من هدر الطاقات”.

بالإضافة إلى هذه الأوراش المتعثرة، فشركة ليديك بدورها تقوم في إطار مراقبتها والعمل المنوط بها تشكل مصدر إزعاج للكثيرين، أحد سكان حي بوركون يقول “لم أستوعب ما يحدث في الشوارع مثل الزيراوي والزرقطوني، منذ ست سنوات والشركة تقوم بالأشغال الحفر في نفس المكان”

علاوة على هذه الاشغال فإن مركز المدينة يشهد ضغطا كبيرا، ومن أجل تخفيف هذا الضغط يحاول مجلس الدار البيضاء سطات تحسين وتطوير الشبكة الطرقية على أطراف المدينة خاصة بمناطق المحمدية ومديونة والنواصر وسطات وسيدي بنور وبرشيد.

وأكد مجلس جهة الدار البيضاء سطات في إعلان منشور على موقعه الرسمي أنه “يراهن في إطار إستراتيجيته التنموية، على النهوض بالتجهيزات الأساسية وتقوية البنيات التحتية حتى تواكب النمو المضطرد الذي تعرفه الجهة في شتى المجالات”.

ويضيف الإعلان، “وتفعيلا لأسلوب الشراكة ومبدأ الالتقائية في تنزيل السياسات العمومية، تمت برمجة عدة مشاريع لتهيئة الطرق والمداخل الطرقية، بهدف تخفيف الضغط على المركز، وتيسير الولوج إلى المراكز الاقتصادية والأقطاب الحضرية والمصالح الخدماتية. وكذا تحسين الربط الطرقي، وسيولة المرور وتخفيض حركته على المحاور الطرقية الرئيسية، وتأمين سلامة مستعمليها، وتحسين البنية التحتية للطرق وتحسين ظروف النقل”

يضيف المصدر ذاته “وقد همت هذه العملية تهيئة وتثنية وتوسيع مجموعة من المحاور وإقامة منشآت فنية. وتكتسي هذه الأوراش أهمية بالغة بالمساهمة في تحسين البنية التحتية الطرقية، نظرا لقيمتها كرافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاندماج الجهوي والمحلي. كما تعتبر محفزا حيويا لجلب الاستثمارات وتثمين مجالات المشاريع ومعالجة إشكالية السلامة الطرقية”.

الحسين الزاعي (صحافي متدرب)

Top