صراع بلا حدود إسرائيليا وحدود الصراع عربيا

على الإعلاميين والسياسيين التونسيين، الذين ينتظرون تبني الموساد لعملية اغتيال المهندس في الجسم العسكري لحركة “حماس” محمد الزواري، أن يتجاوزوا مرحلة انتظار الدخان الأبيض، لا لشيء سوى لأن إسرائيل تضرب في العمق الاستراتيجي من دون أي تعليق، وتؤمّن مصالحها الأمنية من دون أي اعتبار أخلاقي أو قانونيّ.
تترك إسرائيل وراء كل تحرّك خيوطا وبصمات ومؤشرات قادرة على تكوين قراءة نصفها الأوّل تحليل من زاوية من هو المستفيد، ونصفها الثاني وقائع وحقائق ومعطيات تعطي شبه يقين على أن الموساد هو من يقف وراء عمليات التصفية.
عملية تصفية مهندس الطائرات في كتائب عزالدين القسام محمد الزواري، وسط مدينة صفاقس تمت وفق أسلوب عمل “جيش لحد” في جنوب لبنان و“المستعربين” في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث يكون التتبع الطويل بعد الدراسة المستفيضة لدوره المحوري والمركزي في الجماعات الفلسطينية واللبنانية، ومن ثمة إمطار الضحية بوابل من الرصاص في الرأس والرقبة والصدر.
لن نصادر حق النيابة العمومية التونسية في البحث والتدقيق واستخراج النتائج، ولكن من واجب النيابة العمومية أن تدرك تمام الإدراك أنّ معظم الأدوات التنفيذية صلب الأجهزة الاستخباراتية لا تعرف من التراتبية العليا في إصدار الأوامر بالتصفية سوى الطرف المباشر، ذلك أنّ الارتزاق المادي رديف في الكثير من الحالات للاستغباء الوطني والقومي والدولي، فكم من مستغب مدفوع بعناوين وطنية أدّى ذات وظيفة المرتزق المدفوع بالهبات الماليّة.
ذلك أنّ أي عمل لتحويل قضية اغتيال الزواري من إرهاب الدولة الصهيونية ضد الدول الأخرى ذات السيادة على أرضها، إلى “ضلوع” أطراف أجنبية في التصفية، هو هروب من الحقيقة أو تهرّب من استحقاقاتها.
اغتيال الزواري في عمقه الاستراتيجي الإسرائيلي يعني تحقيق هدف أمني في مقابل التضحية بشبه “العلاقات” مع تونس، وهو ما يجب أن يُرَدّ عليه تونسيا بتقنين كامل لتجريم التطبيع مع إسرائيل، فلا حاجة لتونس وأهلها بـ“نصف علاقة” تضرب إسرائيل بعرضها الحائط كلما فاضلت بين أمنها وعلاقاتها الدوليّة.
الغريب أنّ إسرائيل التي لا تزال تقارب الصراع في الشرق الأوسط على أنه صراع عربي إسرائيلي بلا حدود جغرافية، وتتصرف بمقتضى هذا التمثل، تجد في العالم العربي وفي فلسطين المحتلة بالتحديد من يسوق للصراع على أنه نزاع حدودي صرف، وأن القضية الفلسطينية هي في أصلها وجوهرها قضية محصورة على جزء من الفلسطينيين المنضوين صلب التيار الغالب في منظمة التحرير الفلسطينية.
في حين أنّ عملية محمد الزواري تثبت أنّ إسرائيل لا تعترف بالحدود الجغرافية وبالمحددات القطرية في مقاربتها لأمنها القومي، ليس فقط لأنّ إسرائيل كيان لا حدود جغرافية واضحة له، ولكن أيضا وهذا هو الأصل لأنّ القضية الفلسطينية قضية عربية بالمفهوم الاستراتيجي، وقضية إسلامية مسيحية بالمعنى الديني، وقضية إنسانية بالأبعاد الحقوقية الفردية منها والجماعيّة.
وفي الوقت الذي تتعامل فيه إسرائيل مع القضية الفلسطينية بهذه الأبعاد الثلاثية، يأبى الفاعل الرسمي العربي إلا أن يتعامل معها وفق مقولة “القطريّة المناطقية” و“الحمل الأخلاقي والاعتباري” الثقيل، والأدهى من ذلك أنّه يتمثلها تسوية لا قضية ونزاعا لا صراعا.
وفق هذا التأسيس التعيس نجد من الإعلاميين والمحللين من يلوم الزواري على الانتماء إلى فصيل فلسطيني مسلّح لمحاربة إسرائيل، في حين أنّ الأصل هو توجيه اللائمة لتل أبيب على الاحتلال والاستيطان والحصار وليس العكس، ذلك أنّ المعادلة الوحيدة لأي احتلال هي المواجهة والمقاومة.
هنا لا يمكن لأي مقولة انطوائية محليّة أن تنجح في التفسير والتحليل والإقناع طالما أنّ إسرائيل تعلن الحرب المفتوحة خارج فلسطين المحتلة والشرق الأوسط أيضا.
باغتيال الزواري تكون اليد الإسرائيلية الآثمة قد سفكت القضية الفلسطينية في تونس للمرة الثالثة، الأولى كانت مع خليل الوزير أبوجهاد في 1988 والثانية مع أبوإياد في 1991 والثالثة مع محمد الزواري في 2016. في الحالات الثلاث تأكيد على أن القضية الفلسطينية جامعة لكلّ العرب والأحرار، وفي الحالات الثلاث أيضا إثبات بأن إسرائيل لا تعترف بالحدود وأنّ تونس هي جزء من أرض المعركة ولو كره البعض.
اليوم قبل الغد، على مجلس النواب أن يصلح الخطأ الاستراتيجي المقترف من المجلس التأسيسي بعدم دسترة تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني.
على مجلس النواب أن يصلح خطأ الترويكا النيابية بغض النظر عن المطلب الشعبي والجماهيري برفض التطبيع، فبدم الزواري يثبت أنّ القضية الفلسطينية واجب عربي ومقاطعة إسرائيل حق إنساني.
مسعود أيمن

Related posts

Top