صورة المرأة المغربية في الرواية الإسبانية

إن أغلب الدّراسات الصّادرة عن النساء المسلِمات والعِبريّات لا تعدو أن تكون كليشيهات تُظهر المرأة المغربيّة كطفلة، امرأة عديمة النّضج، مغلَق عليها في المنزل، نادراً ما تخرج إلى الشارع، وعندما تخرج فبرفقة محرم، ملتحفة في حَيكها الأبيض تثير الرّجال بعينيها البارزتين.” (1)
كلام الباحثة المغربيّة عزيزة بناني هذا ـ رئيسة المجلس التنفيذي النسوي لليونسكوـ سنرى في مدى انسجامه أو عدمه، و مَنزلته مع توجّه الرحّالة الأديبة الإسبانيّة لوبص سرسووا.
قبل ذلك، يَجدر بنا التعرّف على هذه الكاتبة:
تعتبر السيّدة سَرَسُووَا الألكنتيّة الأصل، من القلائل المهتمّين بعُمق أفريقيا الشماليّة، والمغرب هو ملاذها، المتواتُر في كتاباتها، وهو البلد الذي أمضَت فيه ما لا يقلّ عن عشرين سنة. تصف جغرافيّته و تاريخه وناسُه من شماله إلى أقصى جنوبه بموضوعيّةٍ وعُمق التحليل، في رؤيةٍ جديدةٍ للحديث عن المغاربة والإسبان، مُكسرِّة بذلك الثنائيّة الضدّية، عرب/ مسيح، التقليديّة في الأدب الموريسكي.
وقد سمحت لها الفترة الغير اليسيرة التي قضَتها في المغرب بالإطّلاع في عين المكان على تقاليد وعادات المغاربة، كما أهّلتها لتصوير هذه الخصوصيّات على الهواء دون وساطة كتاباتٍ غَيريّة قد تشوّش على الصورة. وهكذا نجد الكاتبة تستوقفها أمور و تفاصيل صغيرة و بالغة الدقة أحياناً نحسبها نحن المغاربة أشياء عاديّة ويوميّة لكثرة ما ألفناها في محيطنا اليوميّ، فنمُرّ إزّاءها بسرعةٍ فائقةٍ دون أن نعِيرها أيَّ اهتمام.
كتب عنها بتواضعٍ جمٍّ، صديقها والمصاحب لأعمالها الدكتور محمد ابريغاش، أستاذ الأدب الإسبانيّ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير: “الذي أعرف أنّ كاتبتنا لا يَهمّها في شيءٍ أن تنعت بكاتبة نسويّة تمييزاً لها عن كتابات الرّجال… النموذجُ النسويُّ الذي تقدّمه لنا سرسووا هو لامرأة ديناميّة، دائمة القوّة، مع عزيمةٍ و قدرةٍ كافيّةٍ على معالجة ظروف الحياة.” (2)
في روايتها “سلانوبا 42 ” تقدير خاصّ لنساء عائلتها و نساء محيطها لقدرتهنّ على تجاوز أزمة ما بعد الحرب الأهليّة (1936-1939)، واستيعاب أنّ إغراق السجون بأبنائهنّ انتصار.. ما لا يدعو إلى القلق و الندم و التشاؤم.
هذه النظرة إلى المرأة تأخذ نفْس الشكل في عملها اللاّحق.. “موعد في باريس”، فنِساء هذه الرواية يَطمحن إلى الحريّة والى الهويّة الغير المنقوصة وذلك في كمال الديكتاتوريّة الفرانكاويّة .
في “تحليق في سماء المغرب”.. كيف تنظر الروائيّة الإسبانيّة الجارة على مرمى حجر إلى المرأة المغربية؟ والى أيِّ حدٍّ اقتربت من وضوح الصورة؟ وهل سرسووا تعرف المغرب والمغاربة أكثر من أنفسهم؟ كما ذهب إلى ذلك صديق لها آخر، مُصاحب لأعمالها، ومترجم هذه الرواية إلى العربيّة (2003)، الإسبانيست المغربيّ أحمد صابر، العميد السابق لكلية الآداب و العلوم الإنسانيّة بأكادير: “وهنا قد يذهب بنا الأمر و لو لوهلة إلى عدم الانصياع كليا في مواقف معيّنة للمقولة المتداولة: “أهل مكة أدرى بشعابها”” (3)
أوّل ما نلاحظ أنّ صورة المرأة المغلَق عليها، الخاضعة لزوجها، والتي تعيش حياة الحريم.. صورة لا تجدها سرسووا ولا تروق لها في المرأة المغربيّة. والنقد الذي ينحو هذا المَنحى غير سليم.
“أكيد أنّ في الجغرافيا الخيالية والسردية لروايتنا تسري وجوه نساء تقليديات بفولارهن وجلاليبهن. ذلك فقط، لأنّهن يؤْمنّ بالتقاليد الموروثة ويستعِبنها.” (4)
إنّنا لا نشكّ في جدّية وصرامة وموضوعيّة سرسووا في تناولها موضوع المرأة المغربية، وفي حبّها للمغرب والمغاربة، إلا أنّنا مع كلِّ هذا نَشعر في أحايين كثيرة ونحن نقرأ “تحليق في سماء المغرب” بالغبن و بالحَرج و الدّهشة حين تناولها الموضوع!
– في حكاية ” العُرس”.. الحكاية 4 :
“..لما تركت عائشة عملها وقد أنهكتها الولادات”. ص.6.
ـ في “الوداع”.. الحكاية 8 :
“وعندئذ خرج أبناء الحارس مختار لاستقبالهم. تُرى كم كان عددهم؟ أربعة؟ خمسة؟
لست أدري بالضبط، إذ يزداد طفل كلّ سنة في عائلة مختار”. ص.7.
ـ في “أسرار الحياة”.. الحكاية 11 : “انظري يا سيدتي إلى هاتين المعوزتين… إنهما مثلنا أو أكثر، فالسيدة رقية أرملة و أمّ لسبعة أطفال، و أختها لم تشتغل مند وقت طويل.” ص.8.
ثمّ حكاية “ابن مسعود”.. الحكاية 7 و التي “ارتبط التخييل فيها ببلاغة الألم التي وضّفت شعريّة القسوة، لإفساح الملامح الأسلوبيّة لخيْبة الإنسان وهو يمرّ بإحدى التجارب القاسيّة” (5) : ” لقد أجهضت سعاد. ذلك الابن المنتظر الذي سبق أن عرفته وقد شاهدته بين أسل النهر وعيناه تشبهان عيني أبيه”. ص.61.
صحيح أنّ شخصيّات الرواية ليست من لحم و دم، وأنّ الأحداث فيها تتراوح بين الواقع والخيال، إلاّ أنّها لا ترقى إلى مستوى التقدير الذي تكنّه الروائيّة للمغرب والمغاربة بعد عشرين سنة من العيش بين أحضانهم. وهي التي قالت ذات توقيع لعَملها هذا، بأنّه مكافأة للمغرب والمغاربة
والحال أنّها للطفل الإسبانيّ – و الرواية موجّهة إليه بالأساس- وحتى يلتقط هذه الصوّر بفم نصف مفتوح كما عوّده أيضاً إعلامه السمعيُّ والبصَريُّ والمكتوب وهو يصرّ بذلك أن يظلّ هذا الشرق مَحطّ المُدهِش والغريب والعَجب العُجاب حتى لو رأى رأي العين!
هكذا نصل باختصارٍ إلى أنّ سرسووا في صُورتها عن المرأة المغربيّة تُزاوج بين صُوَر قاتمة، و تفاؤلٍ بلا ضفاف:
“ففكرت في أن قرانها بجمال ينبني على أسس ثابتة من الحب والتفاهم. ليس لاتفاقيات عائلية ولا لأغراض نفعية دخل في زواجهما. لقد صارت نساء بلادها يتحررن، وذلك مؤشر إيجابي…فابتسمت وهي واقفة أمام مرآتها وقد اقتنعت بأن الظروف قد تغيرت.” ص.37ـ38.

هوامش:
1-En Tetuan. Ciudad de todos los misterios (antologia). Granada. 1992 p.12
(تجاوز الضفّتين) -Abrigach, mohamed, Supeando orillas, 2009 p.1132
3 ـ صابر، أحمد، تحليق في سماء المغرب، كلمة المترجم، ص.5
4– Superado orillas, p.116.
5 ـ ذاكر، عبد النبي، أدب الهجرة السرية .. تجارب مغربية معاصرة، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، عدد 105.

> بقلم: رشيد أبو الصبر

Related posts

Top