“طحن” المتقاعدين

تذهب حقوق المنخرطين بمؤسسات التقاعد، من تعويضات ومعاشات، أدراج الرياح، بمجرد انقضاء 5 سنوات عن تاريخ وصول سن التقاعد – سن الشيخوخة كما يعرفه القانون – في حال عدم المطالبة بها، ويتم تحويلها لصالح صناديق هذه المؤسسات.
فقد أتاح وأباح نواب الأمة، لمؤسسات التقاعد طحن حقوق المواطنين، بعد سنوات من استنزاف جيوبهم على شكل مساهمات للتقاعد، تحت طائلة القانون 12-64 الذي خرج من رحم المؤسسة التشريعية.
وتسمح المادة 62 من القانون نفسه، المتعلق بإنشاء هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي “ACAPS”، بهضم أموال المتقاعدين سواء التي دفعوها إجباريا للتقاعد الأساسي أو اختياريا لضمان تقاعد تكميلي، حيث أقرت المادة التي وافق عليها أغلب ممثلي الأمة، بأن “الحقوق التي لم يطالب بها المنخرطين والمستفيدين من التعويضات لفائدة مؤسسة التقاعد تتقادم داخل أجل خمس سنوات. وتتقادم سنويا معاشات التقاعد التي حل أجل استحقاقها ولم يتم استخلاصها خلال أجل خمس سنوات”.
القانون الذي لخص عقودا من مساهمات الأجير في الصندوق، لكي يحصل على تقاعد “يتيم” -لا يستجيب في أقصى قيمته لمستوى العيش الراهن- في خمس سنوات فقط، حتى يتم اعتباره غير ذي حق، لم ينص أو يشر على الأقل إلى ضرورة توصل صاحب الحق بإشعار لتسوية وضعيته عبر مختلف السبل الممكنة، قبل تطبيق هذا الإجراء الذي يتعارض مع الدولة الاجتماعية، التي يسعى المغرب جاهدا إلى تحقيقها.
هذه المادة الذي تشجع على الاغتناء غير المشروع، كان الصندوق المهني المغربي للتقاعد CIMR أول من تلقفها، وطبقها بحذافيرها، حتى أنه فسرها بما يخدم مصالحه ويقوي ثروته، وهو ما يمكن أن يحذو حذوه باقي الصناديق في حالة عدم مراجعة الحكومة لهذا الفصل الذي يطحن حقوق شريحة واسعة من المجتمع، قبل فوات الأوان.
صندوق CIMR لم يكتفي بتعديل نظامه وفق ما جاء به القانون، أي أنه لا يطبق التقادم على المستحقات التي حل أجل استحقاقها ولم يتم استخلاصها فقط خلال 5 سنوات من تاريخ التقاعد، ويقدم للمتقاعد المستحقات القادمة، بل بمجرد مرور هذه المدة يعتبر أنه لم يعد للمتقاعد أي حق لديه سواء الخاص بالسنوات الخمس الماضية أو السنوات القادمة.
فمنذ دخول القانون المشار إليه حيز التنفيذ بتاريخ 14 أبريل 2016، لم يكلف CIMR نفسه، إطلاق حملات إعلامية وإشهارية واسعة النطاق بمختلف المنصات الإشهارية والإخبارية المتاحة، كما يفعله بشكل مستمر لاستقطاب منخرطين جدد، باستثناء بلاغات يتيمة عممها خلال دجنبر الماضي تدعو إلى تصفية معاشات متقاعديه قبل سقوطها بالتقادم بتاريخ فاتح يناير 2022.
إن تعزيز الحقوق الاجتماعية للأفراد، خاصة في ظل تنزيل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، يقتضي أساسا حماية حقوق الأجراء المتقاعدين وذوي حقوقهم، بدل صياغة قوانين تبيض ذهبا لمؤسسات التقاعد، وتنخر جيوب المواطنين.
والمؤسسة التشريعية مطالبة اليوم، بتغيير وتتميم المادة 62 من القانون رقم 64.12 القاضي بإحداث ACAPS، لضمان معاشات لا يطالها التقادم لأجراء القطاع الخاص خاصة منهم المنخرطين في صناديق التقاعد الاختيارية، على الرغم من عدم مطالبتهم بها في أجل 5 سنوات بعد التقاعد.
ويحسب للحكومة اليوم، عدم تجميدها لمقترح القانون، الذي تقدم به فريق حزب التقدم والاشتراكية، بمجلس النواب، في دجنبر الماضي، يطالب فيه بتغيير وتتميم المادة 62 من القانون المعني، لضمان معاشات لا يطالها التقاعد لأجراء القطاع الخاص المنخرطين في صناديق التقاعد الاختيارية، على الرغم من عدم مطالبتهم بها في أجل 5 سنوات بعد التقاعد.
وعلى الحكومة اليوم، أن تتفاعل بجدية مع هذا المقترح حماية لحقوق المواطنين من الاستنزاف غير المشروع، والوقوف في وجه اللوبيات التي تنخر جيوب الأجراء، لضمان نظام تقاعد يضمن للمنخرطين والمستفيدين معاشا عادلا وقارا لا يمكن أن يطاله التقادم لأي سبب من الأسباب، حيث أنه لا يقبل أي عاقل بأن يساهم أجير لسنوات طوال بشكل اختياري أو إجباري في صناديق التقاعد، ليجد نفسه في الأخير دون أي حق، فقط لتأخره 5 سنوات عن المطالبة به لظرف خاص قد يكون سفرا خارج أرض الوطن أو مرضا معوزا أو أي سبب آخر…
كما أنه إلى حين إقرار هذا التعديل الذي أصبح يفرض نفسه، على مؤسسات التقاعد العمل على إخبار ذوي الحقوق بكافة السبل الممكنة طيلة مدة التقادم، سواء عن طريق الاتصال الهاتفي، أو البريد الإلكتروني أو البريد المضمون…-الأمر الذي تقوم به بعض الصناديق الخاصة-، والكف عن استغلال هذا القانون أو الثغرة القانونية لهضم حقوق المنخرطين الذين التزموا بأداء واجباتهم سواء الاختيارية أو الإجبارية.

عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top