عبد الرزاق بن شريج: الكتب المدرسية لازالت غائبة والأساتذة يقدمون دروسا مشوهة

قال عبد الرزاق بن شريج المفتش في وزارة التربية الوطنية، والخبير التربوي، إن “الكتاب المدرسي بالمغرب تشوبه العديد من الاختلالات، لا سيما وأنه تم إصدار كتب لا تتوفر فيها الشروط المتعارف عليها في دفاتر التحملات”.
وأكد عبد الرزاق بن شريج، في حواره الصحافي مع جريدة بيان اليوم، أن الكتب المدرسية بالفعل لا زالت غائبة من السوق إلى اليوم، موضحا، أن المفتش والمدير الأستاذ، في أزمة اليوم بسبب غياب الكراسات، حيث يواجه الأستاذة بحسبه، صعوبة في إعداد الوثائق التربوية، “وبالتالي تقديم دروس مشوهة أو عدم تقديمها”.
وكشف بن شريج لبيان اليوم، أن هناك أخطاء واضحة في الكتب المدرسية المعدلة، خصوصا تلك المرتبطة باللغة والإملاء والأسلوب، فضلا عن الأخطاء المرتبطة بالمنهجية، وأضاف المفتش والخبير التربوي، وجود جزر غير متجانسة في هذه الكتب.
ومن بين الأخطاء التي وردت في الكتب الحالية، ذكر المتحدث، وجود أسئلة في بعض الوحدات بدون نص غير موجود، حيث غيرت اللجنة النص ونسيت تغيير بعض الأسئلة، مشددا في السياق ذاته، على أن “التأليف المدرسي عملية دقيقة لا مجال فيها للعشوائية سواء في المضامين أو في منهجيات التدريس، والوسائل..”.
وفيما يلي نص الحوار:

< كثر الحديث عن تأخر توزيع الكتاب المدرسي أو نفاذه من السوق، ما هو السبب في نظرك؟
أجبت في حوار سابق عن هذا السؤال بكلمتين “هذا تحصيل حاصل”، ومازلت أردد نفس الكلمتين، لأن الكتاب المدرسي بالمغرب تشوبه العديد من الاختلالات، والتي لن تكون نتيجتها التأخر فقط، بل تسببت في إصدار كتب لا تتوفر فيها الشروط المتعارف عليها في دفاتر التحملات الإطار أو الخاصة.

< نحن الآن في نهاية النصف الأول من شهر أكتوبر، هل مازالت بعض الكتب غير موجودة في السوق؟
نعم مازال عدد من الكتب غير متوفرة في السوق، ومازال الثلاثي الأساسي في المنظومة في حيرة من أمره لأسباب عديدة.

< أي ثالوث وأي حيرة؟
أقصد بالثالوث، المفتش(ة)، مدير(ة) المؤسسة، المدرس(ة)، لأن هذا الثالوث هو الذي يواجه الصعوبات الحقيقية التي تتطلب تنفيذ التعليمات المركزية والجهوية.
وأبسط أزمة يخلقها غياب الكتاب أو تأخيره صعوبة إعداد الوثائق التربوية، وبالتالي تقديم دروس مشوهة أو عدم تقديمها، خاصة إذا علمنا أن نسبة كبيرة من المدرسين ولجوا المهنة دون تكوين أساس أو استفادوا من تكوين لأيام قليلة، مما يتطلب مصاحبتهم ومواكبتهم من طرف المفتشين(ات) والمديرين(ات)، ونظرا لكثرة مهام المفتش(ة) والمدير(ة) وكثرة الأعداد التي تحتاج التتبع والمواكبة يعيش الجميع في حيرة من أمرهم، ماذا يمكن تقديمه للمتعلمين؟

< ما يقدمه الأستاذ(ة) متوفر في الدلائل، وما عليه سوى المراجعة والتطبيق، أليس كذلك؟
بطبيعة الحال سيكون الأمر في نظر البعض، خاصة غير المتخصصين، بهذه السهولة، لكن الواقع يقول شيئا آخر، ولتوضيح صعوبة ذلك للقارئ أذكر ما يأتي:
< الدلائل غير متوفرة في السوق، ولم يقم الناشر بطبعها، وهنا يطرح السؤال هل هناك تواطؤ بين الناشرين والوزارة الوصية؟ ولماذا اكتفت الوزارة بوضع الدلائل بموقعها الإلكتروني الرسمي؟
> أكثر من ثلثي الأساتذة العاملين وخاصة بالابتدائي لم يستفيدوا من تكوين أساس يمكنهم من تنفيذ وتطبيق ما تطلبه الدلائل من تقنيات وطرق وأساليب تدريسية حديثة، وحتى الأساتذة القدماء في حاجة إلى تكوين مستمر، لتعرف مستجدات المنهاج المنقح.
لا يتوفر كل المدرسين على وسائل التواصل الحديثة، التي تمكنهم من تحميل الدلائل التي وضعتها الوزارة بموقعها الالكتروني الرسمي، وليست كل مناطق المغرب مغطاة بالانترنيت.
قراءة الدلائل وتمحيصها يتطلب أن تكون ورقية لا رقمية، مما فتح المجال أمام بعض الوراقات حيث تطبعها وتبيعها للمدرسين بأثمنة عالية (ما بين 75 درهم و100 درهم).
العملية ليست بسيطة، لأنها حرفة تحتاج الكثير من التكوين والخبرة والتجربة، فالتعامل مع عقول مختلفة وقدرات وإمكانات متفاوتة يحتاج تكوينا متينا.

< المهم أن كراسة التلميذ أصبحت متوفرة في السوق، ولم يعد هناك أزمة.؟
> من الناحية الأمنية كلامك صحيح، فالأسر هدأت نسبيا، ولكن حقيقة الأمر أن كراسة التلميذ ليست مرجعا يعتمده الأستاذ في تقديم الدروس للمتعلمين، بل هي وسيلة تعليمية تستعمل في مراحل محددة من مراحل الدرس، ففي غياب الدلائل لا يمكن تقديم درس (نتحدث عن الدرس المتكامل الشروط، وليس عن دردشة مع المتعلمين)، وفي غياب الكراسة يمكن تقديم درس باعتماد تمارين على السبورة ووسائل تعليمية أخرى، لذا فالكتب بالنسبة لي غير متوفرة بالمعنى العلمي العملي، لأن الدليل الأستاذ أكثر أهمية من كراسة التلميذ من الناحية التدريسية، والكراسة أكثر أهمية من الناحية المادية للناشر وأتباعه.

< بالنسبة لك لا أهمية لكراسة التلميذ؟
> لم أقل ذلك، قلت إن غياب دليل الأستاذ أخطر من غياب الكراسة، لأن غياب الدليل يجعل من الأستاذ مجرد تلميذ مجتهد يقوم بإنجاز التمارين الواردة فيه دون تقديم دروس بالشروط الأساسية (المرور من مراحل متعددة حسب المادة والمكون وصولا لتمارين الكراسة)، وفي غياب تكوين الأستاذ سيجد نفسه مجبرا على الاكتفاء بإنجاز تمارين الكراسة فقط، ولن يتمكن من إيجاد الحلول للأخطاء الواردة بالكراسات.
< تقول وزارة التربية الوطنية إن طبعة 2018 من كراسات التلميذ للمستويين الأول والثاني لا تتضمن أخطاء بل وقعت بعض التعديلات في طبعة 2019، هل هذا صحيح؟
> هناك أخطاء واضحة ولا يمكن نكرانها في الكتب التي درستها، فبغض النظر عن الأخطاء اللغوية والإملائية والأسلوبية، والتي تعتبر في ميدان التأليف المدرسي أخطاء غير مقبولة كما هو معروف في دفاتر التحملات أقول بغض النظر عن ذلك هناك أخطاء منهجية غير مقبولة.

< يستشف من كلامك أن لجان التأليف لم تقدم أي منتوج جيد؟
> لا، أبدا، لي تجربة في هذا المجال، وأعرف أن إعداد جذاذة واحدة قد يتطلب من اللجنة أياما، ما أقصده هو أن اللجان قد تكون اشتغلت في ظروف غير سليمة، بالإضافة إلى غياب لجان التقييم والمراجعة، أو أنها موجودة ولكن لم تقم بالدور المنوط بها، وإلا كيف يمكن أن تصادق على كتب بها أخطاء، كما أن بعض لجان التأليف لم تنظم عملها مما تسبب في وجود مستويات من الإبداع واختلاف في الأسلوب: تقرأ كتابا فتجد به جزرا غير متجانسة، إلى درجة أن بعض الدروس لم تنطلق من الوضعية، بل انطلقت من تمارين عادية سواء في طبعة 2018 أو 2019 أو الملحق، بل هناك إقحام لمصطلحات غير مقررة في الأهداف، بل ستخلق لبسا للمتعلمين.

< نريد أمثلة عن تلك الأخطاء وفي أي كتب توجد.
المهم الأخطاء موجودة بالكتب التي راجعتها، ولعلمك في السوق عشرات الكتب، وعلى الخبراء والمهتمين تمحيصها وتنقيحها خدمة للمنظومة التربوية ليس إلا.

< لم تجبني عن سؤالي.
> أجبتك، ومن خلاله ستصل الرسالة إلى من يهمه الأمر، فما هو المبرر العلمي لإدراج مصطلح “الكتلة” في درس أهدافه “التصنيف حسب الحجم واللون والشكل”؟. ففي مرحلة “أثبت تعلماتي” التي هي بمثابة قاعدة أو ملخص للدرس، تم إدراج “الكتلة” وهذا مشكل خطير، فالكتلة ليست هي الحجم، ولماذا الترويج لكلمة في جميع حصص الدرس؟، إن ذلك يحول انتباه المتعلمين من التركيز على أهداف الدرس، وعلى مفاهيمه الأساس إلى التركيز على الكلمة المتكررة، كما نجد في بعض كتب اللغة أسئلة حول نص غير موجود، لأن اللجنة غيرت النص ونسيت تغيير بعض الأسئلة، وبعض أخطاء الأسلوب / مثل “مطالبة الأستاذ(ة) جميع المتعلمين على قراءة الوضعية، أو السؤال أو التعيلمة قراءة صامتة”، فهذا أسلوب لا يليق بالمستويات الصغرى، كيف تفسر أن يشير ملحق إلى أن التصحيح بالصفحة رقم 7 في حين لا وجود في الملحق لهذه الصفحة؟، وأن يدرج درس “مقارنة وترتيب الأعداد من 1 إلى 5 بالصفحة 20، في حين أن الصفحة 20 بالملحق بها موضوع آخر؟، كيف نبرر الانطلاق في النشاط العلمي من مرحلة التجريب في غياب المراحل السابقة والأساسية (وضعية الانطلاق، تملك وصياغة سؤال التقصي، اقتراح فرضيات ) ..

< في نظرك ما هي أسباب هذه الأخطاء؟
> هناك ثلاث احتمالات: الاحتمال الأول: أن لجان التأليف اشتغلت بناء على دفاتر التحملات، ولم تحترمها، ولم تقم لجنة المصادقة بالواجب على أحسن وجه، لأن هناك معايير يجب احترامها كما ورد في دفتر التحملات الصادر سنة 2011، والذي حدد المواصفات الفنية في المقاسات، الحروف، الألوان، عدد الصفحات، الترقيم، الصور والرسوم والمبيانات، الغلاف، ما يكتب على الواجهة وما يكتب على الظهر…، أدرج هنا هذه المواصفات لأقول لك إن التأليف المدرسي عملية دقيقة لا مجال فيها للعشوائية سواء في المضامين أوفي منهجيات التدريس، والوسائل…، لا يترك أي شيء للمزاجية أو التمثلات أو الانطباعات.
الاحتمال الثاني: أن وزارة التربية الوطنية لم تعد دفاتر تحملات، واشتغلت اللجان دون محددات. كل لجنة تجتهد بحسب أعضائها، وبالمتوفر لدى الناشر من تقنيين…، ولم تجد لجنة التقييم والمصادقة معايير تعتمدها.
الاحتمال الثالث: لا وجود لدفاتر التحملات ولا للجنة التقييم والمصادقة (أقصد لجنة بقرار وزاري)، بمبرر أن الأمر مجرد تنقيح وليس تجديد وبالتالي ليس هناك منافسة تتطلب كل هذه التعقيدات.
وفي كل الاحتمالات تتحمل وزارة التربية الوطنية المسؤولية فيما يعيشه الكتاب المدرسي.

< يتضح من جوابك أنه لا علم لك بوجود دفاتر التحملات
ولا لجنة التقويم والمصادقة؟
> صحيح لا علم لي بأي دفتر تحملات لهذا التنقيح، ولم أسمع به، فإذا أعدت الوزارة دفتر تحملات جديد غير نسخة 2011 فإنها لم تنشره للعموم لأنها أوقفت العمل بالتجديد كما جاء رسميا في مقرر الوزير الأول رقم 10.301 بتاريخ 7/1/2010 الخاص بمراجعة دفاتر التحملات المتعلقة بالكتب المدرسية وبتنظيم لجان التقييم والمصادقة الخاصة بها وبشأن اختيارها وتعدديتها، والمذكرة 122 بتاريخ 1/9/2011 الخاص بمراجعة البرامج الدراسية لسلك التعليم الابتدائي، والمذكرة 123 بتاريخ 1/9/2011 حول إعداد جيل جديد من الكتب المدرسية لسلك التعليم الابتدائي، باعتباري مهتما فإنني أعتمد النصوص الرسمية للوزارة، فبعض المصادر غير المؤكدة تقول إن هناك لجنة للمصادقة ومن بين أعضائها من هو عضو في لجنة تأليف وعضو في لجنة التقويم والمصادق، لذا أطلب من الوزارة الوصية من هذا المنبر نشر أسماء لجنة التقويم والمصادقة، التي صادقت على الكتب المنقحة، وكيف ومتى تم اختيارها؟ رفعا لكل لبس، وبذلك فالوزارة هي المقصرة في تنوير الرأي العام والمهتمين بالسياسة التعليمية.

< وبخصوص تجربة التأليف السابقة وما يقع الآن؟
> تجربة نشر الكتب المدرسية مع وزارة التربية الوطنية بالمغرب مثل باقي التجارب مع باقي المؤسسات الرسمية، على كل حال، في التجربة السابقة قررت الوزارة الوصية تجديد الكتاب المدرسي كما جاء في النصوص أعلاه، وأصدرت دفتر التحملات الإطار ودفتر التحملات الخاص، واشتغلت لجان التأليف وفق ضوابط الدفترين، ولكن بمجيء الوزير محمد الوفا، أوقف كل شيء بهذا الخصوص وضاع مجهود أعضاء لجان التأليف التي ليس لها علاقات…، ذاك المنتوج الذي أقبر على الرغم من كونه كانت تتوفر فيه الشروط النظامية والقانونية، “لكن الله غالب”، نعيش تحت رحمة المزاجية وأشياء أخرى..

< وكأنك تشير بكلامك عن الشروط النظامية والقانونية إلى أن اللجان الحالية لا تتوفر فيها شروط التأليف؟
> لا أقصد لجان التأليف فقط، بطبيعة الحال حسب تتبعنا لما يصدر حاليا هناك لجان نشهد لها بالكفاءة، وهي خاضعة لما ورد في المادة 19 من نفس دفتر التحملات السالف الذكر، خاصة ما يتعلق بضرورة “… أن يكون فريق التأليف متعدد التخصصات، يضم من بين أعضائه مفتشين ومكونين في ديداكتيك المادة وباحثين مختصين ومدرسين”، بالإضافة إلى أن المادة 15 التي تقول في فقرتها الأخيرة ” … ينبغي تقديم لائحة الموارد البشرية الضرورية، والتي يجب أن تضم من بين أعضائها:
رساما (illustrateur ) أو مختصا في الصور والرسوم التوضيحية (iconographe)؛ مختصا في تركيب الصفحات؛ معدا للمجسمات (maquettiste)؛ مصححين يكلفون بمراجعة كل الجوانب التقنية والجمالية للكتاب المدرسي؛ مدققا لغويا يسهر على دعم اللغة المستعملة وسلامتها… علما أن الجوانب اللغوية تعتبر من المعايير الأساسية في سيرورة تقويم مشاريع الكتب المدرسية وانتقاء أجودها”. ولكن نجد أن بعض كتب التعليم الابتدائي ألفها شخصان فقط لا ينتميان لهذا السلك، أقول هذا لأن التأليف المدرسي عملية مهمة جدا، بها يبنى طفل اليوم، وبالتالي مجتمع الغد.

< ربما أصدرت الوزارة الوصية دفتر تحملات جديد لا يطلب تلك الشروط؟
> ممكن، وذلك ليس بغريب، ما دام الهدف هو الإبقاء على نفس شركات النشر، وما دام تأليف الكتاب المدرسي حقلا مسيجا لا يدخله إلا خاصة الخاصة، لكن كان من الضروري نشره للعموم وفسح المجال لكل دور النشر للتنافس، وفق مرسوم رقم 388-06-2  الصادر في 5 فبراير 2007.

< أخيرا، إلى أين يسير مستقبل المنظومة التربوية؟
> إنه مثل مستقبل كل تائه دون بوصلة، ستتقاذفه الظروف حتى يرسو في جهة ما.

< أجرى الحوار: يوسف الخيدر

Related posts

Top