عبد الكبير الخطيبي مسار مفكر ومبدع

>  عز الدين ماعزي

نظم فرع اتحاد كتاب المغرب بالجديدة بتنسيق مع مكتبة مؤسسة عبد الواحد القادري مؤخرا، لقاء حول المفكر الراحل عبد الكبير الخطيبي، تحت شعار “الخطيبي مسار مفكر ومبدع”، احتضنته مكتبة عبد الواحد القادري بحضور مجموعة من الكتاب، وأفراد من عائلة الراحل وطلبة كلية الآداب بالجديدة وتلاميذ نادي الخطيبي التابع لثانوية محمد الرافعي.
في بداية اللقاء وجه مسير الجلسة عبد المجيد نوسي الشكر للحاضرين على تفاعلهم مع ذكرى الراحل، الشيء الذي يدل على تقديرهم واعترافهم بمجهودات الخطيبي كمبدع كبير طرح الأسئلة المهمة في إبانها. ذلك أنه يعتبر أحد رموز الثقافة المغربية، العاشق للعلامات والرموز والنقش والوشم. كما نوه بكونه من الكتاب الذين يصعب تصنيفهم في خانة معينة، لأنه اقتحم كثيرا من المجالات. وقبل بداية المداخلات تم تقديم شريط وثائقي عن الراحل يعرف خاصة بزيارته العلمية إلى اليابان.
وكان أول المتدخلين، مراد الخطيبي الذي قدم عرضا بعنوان (التراث كما يتصوره عبد الكبير الخطيبي)، انطلق فيه من التعريف بهذا الهرم وما تعنيه دلالة الانتماء لديه، سواء ضمن مشروعه الفكري الكبير أو ضمن العلوم الاجتماعية بصفة عامة. وأشار المتدخل إلى أن النقد المزدوج تصوره الراحل وفق منظور براغماتي دون إغراق في الذاتية ودونما نقد للذوات والهويات. كما تطرق إلى قضايا أخرى شغلت الخطيبي في علاقته بالغرب وحضارته واهتمامه بالدلالات والرموز مع توجهه لخلخلة المعرفة. مشيرا، في الأخير، إلى أن أي تصور وتعريف للتراث هو إبداع إنساني يؤسس للذاكرة ولعلاقتنا بالآخر. ثم أنهى عرضه بتقديم مجموعة من الإضاءات حول أعماله الروائية.
مداخلة عبد العزيز بنار عنونها بـ (في ضيافة عبد الكبير الخطيبي). وفي هذا العرض قدم المتدخل ما أسماه تلميحات الخطيبي المتعلقة بالآخر والاختلاف، والهوية والذاكرة وغيرها من المحددات الفكرية. ثم ركز بعد ذلك على أن الخطيبي يبقى كاتبا استثنائيا لراهنية مشروعه الفكري. فهو اختار، كما قال، أن يحطم المعبد وأن يتحدث بلغة الاختلاف وراء الأبنية القديمة. بل إن وهجه يكمن في كونه عمل دائما على تفخيخ الفكر بمقولات أرغمت كتابا غربيين ليتحدثوا عنه كباحث. وأضاف بأن الخطيبي واحد من الكوكبة التي انشغلت باللغة وحاولت أن تمنح للقضايا المهمشة في الثقافة الإنسانية أهمية قصوى، مثله في ذلك مثل ستراوس، نيتشه، هيدجر، بارت، ديريدا، موريس بلانشو، ولاكان.. وقد اهتم الخطيبي، انطلاقا من لغة غيرية، بمسألة الآخر، واعتبر الاختلاف في الهوية واحدا من المداخل التي تشغل بال الباحثين. وأوضح المتدخل أن الفكر والنقد المزدوج عند الخطيبي ينبغي أن يتحقق من خلال الوجود بين الفلسفة والعلم، ما دامت فلسفته يجب قراءتها قراءة خاصة. ففي الذاكرة الموشومة كعمل اطوبيوغرافي يتجلى اهتمامه بالذاكرة والجرح والآخر والأهم عنده هو اللغة الأم. كما شددت المداخلة على ضرورة إعادة اكتشاف الخطيبي لأن صياغته وتقديمه يظل محدودا مقارنة بالغنى الذي يميز فكره كمنارة واصلة بين الشرق والغرب .
وقدم المصطفى اجماهري ما أسماه (شذرات من لقاءاتي مع الخطيبي) ليحكي عن أول لقاء مع الراحل بجانب سينما ديفور بالجديدة، ثم تلته بعد ذلك لقاءات أخرى متفرقة سواء بالحي البرتغالي أو بمكتب الراحل بالرباط. وأكد اجماهري على أن الملامح الجدية التي يبدو بها الخطيبي تعطي انطباعا خاطئا لمن لا يعرفه بأنه باحث منعزل أو غير تواصلي، والحال أن العكس تماما هو الصحيح. كما تحدث المتدخل عما لقيه من تشجيع معنوي من طرف الراحل، خاصة لما بدأ اجماهري يشتغل في مشروع بحثي حول ماضي حاضرة الجديدة. وهذا بالضبط ما كان يدخله الخطيبي في مجال إعادة الاعتبار للهامش. وأضاف المتدخل في الأخير بأن الراحل كان معروفا بتواضعه وجديته واحترامه للوقت.
أما مداخلة عبد اللطيف مكان، فركزت على فكر الاختلاف عند الأنا والآخر من منظور الخطيبي. وفي هذا الصدد أكد الباحث على أن الخطيبي لم يكن من السهل فهم مقصده ولغته معتبرا بأن إدراك أعماله يتطلب من المتلقي مجهودا كبيرا. 
وباسم عائلة الراحل تحدث المحامي محمد فارس الذي أعطى فكرة عن الأيام الأخيرة من حياة الراحل حيث وجده، عندما زاره، وقد وضع كتابين إلى جانب سريره وهما القرآن الكريم وكتاب نيتشه “هكذا تكلم زرادشت”. وأشار في معرض ذكرياته عن الخطيبي أنه كان قليل الكلام، ولكن كلمته كانت تصل إلى الصميم، مذكرا بتعلقه الشديد بمسقط رأسه مدينة الجديدة، التي كان يعتبرها مدينة الصمت والتأمل معا.
 ثم اختتمت الجلسة بكلمة أخيرة للأستاذ نوسي، مشيرا فيها إلى أن الفرع سيحاول بتنسيق مع فعاليات أخرى، تنظيم جلسات تسعى لإضاءة بعض الجوانب المهمة عند عبد الكبير الخطيبي المفرد المتعدد، من أجل التعريف بإسهاماته في الثقافة العربية والعالمية.

Related posts

Top