عبد اللطيف أوعمو ينوه بالتأكيد على المقاربة التشاركية ورغبة الحكومة في توسيع دائرة الحوار البناء مع مختلف الفاعلين

أكدت مجموعة العمل التقدمي بمجلس المستشارين، في المناقشة العامة للبرنامج الحكومي، أن التصريح الحكومي عبارة عن وثيقة تتضمن الخطوط العامة الكبرى لما تعتزم الحكومة تنفيذه على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ويحمل تأكيدا على المحاور الخمسة التي اعتمدتها.
وقال الأستاذ عبد اللطيف أعمو، منسق مجموعة العمل التقدمي، في مداخلته، أن التجربة التي مر بها المغرب، خصوصا بعد انتخابات 7 أكتوبر من السنة المنصرمة والصعوبات التي أدت إلى التأخير في الإعلان عن تشكيل الحكومة، ولمدة تفوق خمسة (5) أشهر، تطرح من جديد إشكالية مفهوم الدولة، وعلاقتها مع المجتمع، أي دولة العقد الاجتماعي وأداة للصالح العام (دولة المؤسسات)، التي يتم فيها التطابق بين العضوية والوظيفة كمؤشر أساسي لاستمرار النمو الديمقراطي بكل أبعاده: دولة قوية ببعدها المجتمعي والمؤسساتي.
وسجل المتحدث رغبة الحكومة، في صون الحريات، ومواصلة إصلاح منظومة العدالة في إطار تعزيز النزاهة وتكريس سيادة القانون ودعم استقلال السلطة القضائية وتحقيق فعالية القضاء، مؤكدا على ضرورة مواصلة تعزيز حقوق المرأة وتفعيل مبدأ المساواة ومكافحة كل أشكال التمييز وإطلاق سياسة وطنية لمناهضة العنف ضد النساء واعتماد خطة حكومية للمساواة وتقوية الإدماج الاقتصادي للمرأة، بجانب تقوية تمثيلية النساء.
وفيما يلي النص الكامل لمداخلة المستشار عبد اللطيف أوعمو

السيد الرئيس،
السيد رئيس الحكومة،
السيدات والسادة الوزراء،
السيدات والسادة المستشارون،

تعتبر جلسة التنصيب البرلماني هاته، والتي سبقتها جلسة مماثلة بمجلس النواب، استكمالا لمرحلة استهلت بالتعيين الملكي لأعضاء الحكومة، باقتراح من رئيسها، وهي مرحلة مفصلية تؤدي للوجود الدستوري الفعلي للحكومة الجديدة وتؤشر على نهاية مدة انتداب حكومة تصريف الأعمال الجارية.
وبهذه المناسبة، أود أن أجدد تهانئي الحارة، باسمي وباسم مجموعتنا، إلى السيد رئيس الحكومة على الثقة التي حظي بها من طرف صاحب الجلالة، وإلى السيدات والسادة أعضاء الحكومة، متمنين لكم كامل النجاح والتوفيق في أعمالكم.
ويسرني بهذه المناسبة أن أشارككم، مع بقية الفرق والمجموعات البرلمانية لمجلسنا، في مناقشة التصريح الحكومي، من موقعنا كجزء من الأغلبية، ونحن في نفس الوقت حريصون على ضبط وتدقيق مضامين هذا التصريح انطلاقا من روح وطنية ورغبة في تحقيق المصلحة العليا للبلاد.
ونلتمس منكم أن تعتبروا ما قد تتضمنه هذه المداخلة من ملاحظات أوحتى مآخذ من باب تقوية التصريح الحكومي وإغناءه وجعله وثيقة مرجعية، لا تلزم الحكومة وحدها، بل على ضوءها يتم التعاقد الشامل مع كافة المتعاملين مع بلادنا.
هذا التصريح الحكومي – الذي نحن بصدده -عبارة عن وثيقة تتضمن الخطوط العامة الكبرى، لما تعتزم الحكومة تنفيذه على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ويحمل تأكيدا على المحاور الخمسة التي اعتمدتها.
ولا يخفى عليكم، السيد رئيس الحكومة، مدى الارتباط العضوي بين المهام والالتزامات الواردة في هذا التصريح وإشكالية الحكامة في بلادنا وعناصر تعزيز قيم النزاهة والشفافية وإصلاح الإدارة وترسيخ الحكامة الجيدة.
إنها معادلة أخذ برنامج الحكومة على عاتقه مسؤولية تحقيقها بشكل متقدم. هذا الطموح يتجلى بقوة في استحضار المرجعيات الأساسية التي عادة ما تساند وتدعم التصريح الحكومي وتعطيه قوة مرجعية في نظر الرأي العام، مستحضرين تجربة الإصلاح بالمغرب وجدل المقايسة بين الثابت والمتغير منذ ما يقرب من عقدين من الزمن. هذه المقايسة التي نعتبرها في حزب التقدم والاشتراكية معيارا للتحليل وتحديد مواقف ملائمة. وأول هذه المرجعيات:

اعتماد المرجعية الدستورية:

فالتجربة التي مر بها المغرب، خصوصا بعد انتخابات 7 أكتوبر من السنة المنصرمة والصعوبات التي أدت إلى التأخير في الإعلان عن تشكيل الحكومة، ولمدة تفوق خمسة (5) أشهر، تطرح من جديد إشكالية مفهوم الدولة، وعلاقتها مع المجتمع، أي دولة العقد الاجتماعي وأداة للصالح العام (دولة المؤسسات)، التي يتم فيها التطابق بين العضوية والوظيفة كمؤشر أساسي لاستمرار النمو الديمقراطي بكل أبعاده: دولة قوية ببعدها المجتمعي والمؤسساتي.
ولعل هذا التأخير الحاصل في تشكيل الحكومة يدعو إلى الوقوف مليا عند أسبابه العميقة والحقيقية، ويذكرنا برهان التعاقد الجديد الذي بلوره دستور 2011. فهو لا يسائل دائرة الحاكمين فحسب، في مجال تفعيله وأجرأته، بل يسائل القوى الحية في المجتمع كلها، من أحزاب ونقابات وجمعيات، لأن دور القوى المجتمعية الحية، السياسية والمدنية، في إنجاز مهام الانتقال الديمقراطي لا يقل أهمية عن دور الدولة.
فبقدر ما تكون هذه الأخيرة مسؤولة عن تدبير وقيادة التحول الديمقراطي بقدر ما يكون المجتمع برمته مسؤولا عن فعالية انخراطه وحيوية يقظته ودوام مسائلته. ولعل من بشائر هذه اليقظة، ما صاحب الفترة الطويلة في انتظار تعيين الحكومة من جدل وسجال حول المساطر والأسباب والنوايا، مما يؤكد أن هناك تمرينا عميقا لتطوير الديمقراطية المغربية.
    وفي هذا الإطار، يظهر أن من مميزات البرنامج الحكومي الحالي انطلاقه من المرجعية الدستورية، التي أولت عناية خاصة لحقوق المواطنين، من قبيل ضمان الحماية الشخصية وتكريس الحريات العامة وتحقيق المساواة بين الرجال والنساء.
فمنظور الإصلاح الديمقراطي، يجب أن يكون حاضرا بقوة. وبالخصوص في الجانب المتعلق بآليات وأدوات ترسيخ الديمقراطية كنظام الانتخابات ومكانة الأحزاب السياسية ودورها واستقلاليتها.
والبرنامج الحكومي يوحي بأن هناك التزاما بدعم الحريات، كمبادئ استحضرها ليؤكد على أهمية التلازم بين الحقوق المدنية والحقوق الاقتصادية في تفعيل منظومة الحقوق الإنسانية، في إطار دولة الحق والقانون والمؤسسات.
وفي هذا السياق، نسجل رغبة الحكومة، في مجال صون الحريات، ومواصلة إصلاح منظومة العدالة في إطار تعزيز النزاهة وتكريس سيادة القانون ودعم استقلال السلطة القضائية وتحقيق فعالية القضاء. كما نؤكد على ضرورة مواصلة تعزيز حقوق المرأة وتفعيل مبدأ المساواة وإرساء وتفعيل هيئة المصالحة ومكافحة كل أشكال التمييز وإطلاق سياسة وطنية لمناهضة العنف ضد النساء واعتماد خطة حكومية للمساواة وتقوية الإدماج الاقتصادي للمرأة، بجانب تقوية تمثيلية النساء.
كما تضمن التصريح الحكومي مقاطع هامة توحي بالأهمية التي تنوي الحكومة إيلاءها للحقوق البيئية للمواطنين من خلال تعزيز التنمية المستدامة والتأهيل البيئي.
السيد الرئيس،
كنا ننتظر أن يحمل البرنامج الحكومي ملامح الذهاب في البناء والتأسيس لمسار تمتزج فيه مشاعر المجتمع وطموحاته وآمال التوافق مع القيم الكونية لبناء قاعدة انطلاق نموذج للتنمية أكثر عدلا وإنصافا، والذي نتمناه أن يكون نواة صلبة للإصلاح وإعادة بناء النموذج الاقتصادي السائد، والذي تضعضعت كثير من جوانبه. وثاني هذه المرجعيات:
اعتماد الخطب والتوجيهات الملكية:

لقد انطلق البرنامج الحكومي من مرجعية الخطب والتوجيهات الملكية السامية، ليعزز بذلك هاجس التحول الديمقراطي المحكوم من جهة بالتوفيق بين دور المؤسسة الحكومية كجهاز تنفيذي فاعل يتوفر على صلاحيات قيادة وإدارة السياسات العمومية، وبين دور المؤسسة الملكية كمؤسسة سيادية تسهر على الضبط والتحكيم بين المؤسسات الدستورية، وتضطلع بدور التوجيه الاستراتيجي، وصيانة الاختيار الديمقراطي وضمان حرية ممارسة الشأن الديني.
وفي سياق دور التوجيه الاستراتيجي، يحرص البرنامج الحكومي كذلك على أن تنسجم محاوره مع التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة والأوراش التنموية الاستراتيجية الكبرى، والتي يفوق مداها الولاية الحكومية.
لكننا نرى من جهتنا أن هذا المجهود الحكومي لا زال دون الطموح، ولا يرقى إلى ما تضمنه الخطاب الملكي عند افتتاح البرلمان بتاريخ 14 أكتوبر 2016، والذي يتعين أن يجد صداه ضمن البرنامج الحكومي عبر صياغة أهداف وبرامج متعلقة بالإدارة وبعلاقتها بالمواطن.
كما نخشى أن يكون سقف الطموح المعلن عنه في المحور الثالث الخاص بتطوير النموذج الاقتصادي والنهوض بالتشغيل والتنمية المستدامة فيما يخص تحفيز الاستثمار عاليا بالنظر لإشكاليات ضعف الحكامة المطروحة في مجال مناخ الأعمال، والمرتبطة بتفشي الرشوة … وتحقيق عناصر الحكامة الإدارية وبناء دولة الثقة كما ورد في الخطاب المشار إليه. كما أن عودة المغرب للاتحاد الإفريقي تستدعي، على المستوى الحكومي والبرلماني والمدني، حضورا قويا واستثمارا جيدا للتراكمات الإيجابية داخل البلاد، فيما ينسجم والتوجيهات الملكية السامية الواردة في الخطاب الملكي بدكار بمناسبة الذكرى 41 للمسيرة الخضراء.
ومن جهة أخرى، نخشى ألا يوفي البرنامج الحكومي الجهوية حقها، رغم تخصيص جزء من المحور الأول لترسيخ الجهوية الموسعة، وخصوصا فيما يتعلق بتنزيل الجهوية المتقدمة وتكريس الحكامة الترابية وسياسة فعالة لإعداد التراب.
فالبعد الدستوري للجهوية لم يظهر بشكل قوي في التصريح الحكومي، باعتبارها ورشا جوهريا في إعادة هيكلة جهاز الدولة من خلال إعطاء اللامركزية مدلولها التنموي الشامل وتفعيل نظام اللآتركيز.
إن الحكومة في الولاية السابقة اكتفت بإصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية التي تم على أساسها وضع الهياكل التأسيسية من خلال المنظور الجديد للجهوية المتقدمة، إلا أن تفعيلها لم يتم بعد، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الجهوي. ولقد كان من المنتظر أن يتلو وضع القوانين التنظيمية استكمال الورش المؤسساتي من خلال وضع عدد من القوانين التي تمكن من إدماج كل الفاعلين المعنيين بالورش الجهوي والتنمية المحلية من مختلف المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية وهيئات المجتمع المدني، ومن كافة الفئات الحية في البناء المحلي، من شباب ونساء ومبدعين وفنانين … وغيرهم.
ولم يرد في التصريح الحكومي، ما يفيد أن الحكومة لها تصور كامل ودقيق وسريع التنفيذ، ضامن للتنزيل الكامل لورش بناء الجهوية المتقدمة في أفق الجهوية الموسعة، وتوفير كل الآليات المؤسساتية وإيجاد حل حاسم لمعضلة اللآتركيز الإداري مع تفعيل ميثاق اللآتمركز، بل إن الوضع الحالي ساهم في توسيع الفوارق والتباعد وتمديد الشرخ بين الجهات والمجالات، وظهور إحساس لدى الجميع بوجود أماكن أو مناطق لها حظ أوفر من غيرها، خارج نسق البناء الجهوي المتوازن كما تصوره الدستور. وثالث هذه المرجعيات:
مرجعية البرنامج الحكومي السابق:

من منطلقات البرنامج الحكومي -الذي نحن اليوم بصدده -إحالاته المتعددة على البرنامج الحكومي السابق. وهو ما يدل على الاستمرارية، وفيه إشارة كذلك إلى الالتزام بمواصلة الأوراش الإصلاحية الكبرى التي فتحتها الحكومة السابقة، والتي يتعين تقويتها وتعزيز وتيرتها.
وفي هذا الإطار، لا بد من التنويه بالتأكيد على المقاربة التشاركية، ورغبة الحكومة في توسيع دائرة الحوار البناء مع مختلف الفاعلين: من معارضة وتمثيليات نقابية وفاعلين اقتصاديين ومكونات المجتمع المدني… وفي ذلك تدارك لبعض مظاهر التشنج التي صاحبت التجربة الحكومية السابقة.
وكنا نتمنى أن يتقدم البرنامج الحكومي عن سابقيه فيما يخص التصريح الصريح بمصادر وحجم التمويل، حيث يعتمد على استراتيجيات وبرامج حكومية مندمجة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وبيئيا، تكون معززة بمؤشرات رقمية دقيقة وبكلفة مالية واضحة تسمح لاحقا بالتتبع الدقيق وبالتقييم الموضوعي للإنجاز الحكومي في أفق 5 سنوات. وكنا ننتظر أن يجيب برنامج الحكومة على إشكالية القصور الذي ساد البرامج السابقة، والمتعلق بدينامية العمل والإنتاج من جهة وخلق الثروة وميزان توازنها العادل من جهة أخرى، باعتبار هذه الإشكالية تتطلب الحسم لضمان إعادة بناء نموذج اقتصادي عادل، بدل معالجة الأمور كما هي في إطار صيرورة قد يصعب التحكم فيها، خصوصا أمام التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع.
وبخصوص الإعلان عن معدل النمو الاقتصادي بين 4.5 و5.5 %… فإن هذا المعدل لم يتطور مقارنة مع التصريحات والبرامج الحكومية السابق. وفي جميع الأحوال فإنها نسب لا تلائم الحاجيات المطلوبة في الاقتصاد المغربي. ونظن أنها نسب يمكن تحقيقها في سنة ممطرة واحدة، وبالتالي، لا يمكن اعتبار نسب النمو الواردة في البرنامج الحكومي إلا قبول، إن لم نقل خوف من واقع خال من الطموحات الكبيرة.
فعلى الحكومة أن تسعى إلى تحقيق نمو أكثر حتى تكون بالفعل حكومة تدبيرية ناجعة، لأن البقاء في تحديد النمو في حدوده الدنيا هو علامة الاستسلام لعقلية سياسية غريبة تكمن في عدم التعهد بنسب أعلى كي لا ينظر إلى الحكومة بأنها تستغفل الناس، وحتى لا تتعرض للمساءلة لاحقا، مع العلم أن الاقتصاد الفلاحي له دور أساسي في حقل نسب النمو ورهين بالسوق الخارجي.

السيد رئيس الحكومة المحترم،
إن العرض الحكومي الذي نحن بصدد مناقشته يتضمن مؤشرات ماكرو اقتصادية رقمية طموحة، تهم تقليص المديونية والتحكم في عجز الميزانية وتقليص حجم التضخم ونسبة البطالة.وهي طموحات نرى أنها مشروعة ورهينة بمدى انسجام وتعاضد عناصر تعزيز قيم النزاهة والشفافية والحكامة الجيدة، كما قلنا سابقا.

فعلى مستوى الإجراءات،

نسجل بارتياح أنه على مستوى قطاع الفلاحة تم الانتباه أخيرا إلى الخلل في تدبير برنامج المغرب الأخضر الذي يكمن في   اللا توازن القائم على ثنائية غير متساوية الوسائل وشروط الإنتاج: فالدعامة الأولى المتعلقة بالفلاحة المكثفة، والتي تسيطر على غالبية الأراضي الصالحة للزراعة تستحوذ على أكثر من ثلثي الجهد العمومي، عناية وتمويلا وتشجيعا ومساندة، فيما استفادة الدعامة الثانية ضعيفة ومتواضعة: رغم أنها تهم أكثر من نصف الفلاحين المغاربة.
 وتخصص لدعم الفلاحين البسطاء في العالم القروي، ومن ضمن اهتمامها إنعاش الفلاحة المعيشية وضمان استقرار العالم القروي، إلا أنها لم تستفد من الجهد المطلوب، بل بقيت ذات طبيعة ريعية تابعة، لا تساهم في سلم الرقي واحترام كرامة الإنسان.  وواقع الحال هو أن 13 مليون من المغاربة من سكان الأرياف، وأن 800 ألف من الفلاحين المغاربة يكتفون باستغلال متوسط مساحات زراعية لا تتعدى 3 هكتارات، وينتجون أساسا من أجل تلبية حاجياتهم المعيشية، ويعتمدون في فلاحتهم وفي تربية ماشيتهم على التساقطات المطرية وعلى الأراضي البورية.
فلا بد هنا أن نسجل بارتياح نية الحكومة التوجه أكثر نحو الفلاحة التضامنية باستهداف الفلاحين الصغار.
وبخصوص الإجراءات التي تهم الاستراتيجيات الصناعية، نسجل كذلك النية في اعتماد ميثاق جديد للاستثمار، وربط التحفيزات القطاعية بإحداث مناصب شغل، مع تطوير نظام التعويض عن فقدان الشغل، وتعزيز القابلية بالتشغيل بإجراءات تهم حاملي الشهادات.
ونسجل كذلك طموح الرفع من تنافسية الاقتصاد الوطني ومواصلة تحسين مناخ الأعمال لتمكين المغرب من ولوج دائرة الاقتصاديات الخمسين الأوائل عالميا في مؤشر ممارسة الأعمال DOING BUSINESS في أفق 2021. فعلى المغرب مضاعفة الجهد لربح 15 رتبة على الأقل في مؤشر ممارسة الأعمال، حيث تقدم ترتيب المغرب بخمسة مراكز في سنة 2016، ليحتل الرتبة 75 عالميا من ضمن 189 دولة. وهذا يعني عمليا، الالتزام الحكومي القوي بالتسريع من وتيرة الإصلاحات الكبرى في مجالات العدالة والإصلاح الإداري والشفافية وآجال الأداء ومعالجة مديونية الشركات والحق في الوصول إلى المعلومة… وغيرها

السيد رئيس الحكومة المحترم،
إن تقوية الأسس والدعامات الرئيسية، هي التي ترتقي بالبرنامج الحكومي وتخرجه من سطحية الأرقام والعموميات الفضفاضة. فالرهان الحقيقي هو محاربة (عفاريت) الجهل و(تماسيح) الفقر… فهي أكثر فتكا على مجتمعنا وأشد وقعا…وعلى رأس هذه الدعامات الرئيسية، النهوض بالثقافة وبالتربية الوطنية وإعطاءهما المكانة الريادية اللائقة بهما. فلا يخفى عليكم أن التربية العصرية هي مفتاح الثقافة العصرية القادرة على تثمين كل مكونات وجدان الشعب، لأن الثقافة في الأصل، هي تحويل للإنسان وللمجتمع، وارتقاء وسمو بهما نحو الأفضل، وليست مجرد كسب للمعارف والمدارك.
فبجانب ما جاء في البرنامج الحكومي بخصوص تحسين الولوج إلى الثقافة، بالنظر لدورها في تعزيز الهوية الوطنية والمساهمة في التنمية البشرية والنهوض بالتراث بشتى أنماطه وأشكاله، وما تضمنه البرنامج من تدابير إيجابية ومشجعة، وعلى رأسها إرساء استراتيجية ثقافية وطنية…  فنحن هنا نلح على المناخ العام المصاحب للإبداع الثقافي، من ضرورة بناء جسور للتواصل بين “المثقف” و”السياسي” وبناء أركان الثقافة الديمقراطية.
فبناء الدولة الحديثة لن يستقيم دون إمعان النظر في دور مراكز الأبحاث والدراسات وبؤر الإبداع والخلق في صنع السياسات ودون تجسير الفجوة القائمة اليوم بين “الثقافة” و “السياسة”.
وفي ارتباط الثقافة بالتعليم والتربية، فالثقافة هي المحفز على حفاظ المواطن طيلة حياته على الرغبة في التعلم والبحث عن وسائل لذلك وإذكاء حب الاستطلاع والاكتشاف والإبداع والشغف. ولا يمكن للثقافة أن تزدهر دون النهوض بالمدرسة الوطنية. ونظن أن تنشيط المحورين الثاني والثالث من البرنامج الحكومي ركيزته تفعيل إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العملي وتحسين جودة التربية والتكوين.
لا بد من التأكيد على أن الثقل الكبير والأمل الواسع معقود على المدرسة العمومية التي تعيش اليوم أوضاعا خطيرة تستدعي إعطاءها الأولوية القصوى، ليس فقط من أجل إنقاذها لكن لكي تحتل مكانتها كقاطرة في ورش توجيه مسيرة المغرب الحديث نحو تحقيق آمال شعبه في المستقبل.
  فرغم الإشارة الرقمية إلى بعض التدابير التي لا ننتقص من أهميتها، إلا أن تعليمنا في حاجة إلى ثورة وإلى طفرة نوعية تضع التعليم العمومي في قلب رهانات التنمية، وفي صلب تطلعات البرنامج الحكومي في محوريه الثالث والرابع أساسا. وفي إطار محور تنزيل الهندسة اللغوية الجديدة وإطلاق سياسة لغوية مندمجة يتعين التسريع بتنزيل القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية لتستطيع الأمازيغية كلغة وطنية رسمية أن تقوم بوظيفتها كاملة ووفق مقاربة تشاركية مع مختلف الفاعلين في المجال.
ورغم الإشارة الرقمية إلى الرفع من الطاقة الاستيعابية لمنظومة التكوين المهني بهدف تزويد سوق الشغل بما يفوق 1.700.000 خريجة وخريج وإحداث 123 مؤسسة تكوينية جديدة، فلا بد هنا من الوقوف على إشكالية الشغل الغير القار ومظاهر البطالة المقنعة … ولا بد من التفكير في مآل ومصير حوالي 38 ٪ من الشباب العاطلين عن العمل والذين تقل أعمارهم عن 25 سنة، حيث أن ما يناهز 80٪ من الشباب العاطلين عن العمل يقل مستواهم التعليمي عن المستوى الثانوي أو لم يلجوا المدرسة قط. وبعبارة أخرى، فإن الغالبية العظمى من الشباب العاطلين عن العمل يلجون سوق الشغل دون تكوين ملائم، أو لا يجدون له سبيلا.
إن قنبلة الشباب غير الحاملين للشهادات هي قنبلة موقوتة … وقد تنفجر إذا لم تتخذ التدابير المناسبة. ولم نلمس في البرنامج الحكومي إشارات قوية إلى هذه الفئة المهمشة؟
 ولا بد هنا كذلك من التشديد على أن بقاء الأمية في البلاد في حدود 8.6 مليون مواطن أمر مخجل … ولا بد من تقييم مدى نجاعة برنامج محاربة الأمية والتصدي الحازم لهذه الظاهرة المشينة، والتي تقوض كل عناصر التنمية وتتسبب في تآكل دعاماتها الأساسية.
ولا يمكن محاربة الفقر والهشاشة دون التركيز على تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي يراد منها تسريع التنمية، عبر تقليص الفقر والهشاشة وتحسين المؤشرات ذات العلاقة بالتعليم والتربية والثقافة والتكوين، وتعزيز صحة الأم والطفل، بجانب تحقيق العدالة الاجتماعية والترابية وتقريب الفوارق بين الرجال والنساء والحد من الفوارق الصارخة، والتي تسمح باستحواذ قلة قليلة من المواطنين على الحصة العظمى من الثروات الوطنية.

السيدات والسادة أعضاء الحكومة المحترمين،
السيدات والسادة المستشارين المحترمين،
إن البرنامج الحكومي يؤشر على طموح للرفع من المؤشرات الاجتماعية عبر الزيادة في تمويل السياسات الاجتماعية. فمن أصل 400 إجراء حكومي معلن عنه 150 إجراء يهم الجانب الاجتماعي، من خلال مواصلة إصلاح صندوق المقاصة والرفع التدريجي من الدعم بهدف تمويل السياسات الاجتماعية ودعم الفئات المحتاجة مع استمرارية صندوق التماسك الاجتماعي وتقوية البرامج المرتبطة بدعم الأرامل والمطلقات والأمهات المهملات. كما تنوي الحكومة الرفع من ميزانية برنامج تيسير وتوسيعها، إضافة إلى الرفع من التعويضات العائلية وتوسيع نظام التغطية الصحية بنسبة 90 % بجانب الالتزام بإنجاز 800 ألف وحدة سكنية جديدة وهو ما نسجله بارتياح. كما نسجل أيضا عزم الحكومة على تقديم منح لفائدة المتدربين في التكوين المهني على غرار زملائهم في الجامعة.   
لكن، لا بد أن يتقاطع هذا الطموح الرقمي والكمي في الجانب الاجتماعي مع أهداف نوعية تتصدى بحزم لمعضلة الجهل، والفقر، والهشاشة، من خلال تأطير دعم الفقراء والفئات الهشة، وحتى المتوسطة المحتاجة إلى الدعم، تأطيرا مؤسساتيا يضع الدعم العمومي في مسار تنموي مندمج، ويحمي المواطنين من الاتكالية والتبعية المدجنة والاستغلال وقتل المبادرة. وهنا تكمن أهمية ربط صندوق المقاصة بإحداث آلية مواكبة لحماية القدرة الشرائية للمواطنين.
ولا أخفيكم، السيد رئيس الحكومة، ارتياحنا، بحكم أن المحاور الخمسة التي اتخذتموها عناوين للبرنامج الحكومي، الذي نحن بصدد مناقشته، في تقاطع مع جوانب البرنامج الانتخابي لحزب التقدم والاشتراكية. فالبرنامج الحكومي يضع الإنسان في صلب السياسات العمومية، ويسعى إلى التوفيق بين النجاعة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية بجانب تعميق البعد البيئي للسياسات العمومية. وفيه كذلك نجد عناصر تتوخى التنزيل الديمقراطي للدستور.
وهذا ما يجعلنا نتفاعل معه بشكل إيجابي. وإننا لصادقون في انخراطنا وتعاملنا. ونتمنى لكم التوفيق والنجاح.

Related posts

Top