عبد الله البليهي: أساطيل الصيد في أعالي البحار وسفن RSW دمرت الثروات البحرية

رفض عبد الله البليهي رئيس الكونفدرالية الوطنية للصيد التقليدي بالمغرب، اتهام قوارب الصيد التقليدي بتراجع مستوى مخزون الأخطبوط، وباقي الأصناف السمكية الأخرى، محملا مسؤولية استنزاف الثروات السمكية إلى سفن الصيد بأعالي البحار وسفن الصيد بالمياه المبردة RSW (Refrigerated Sea Water) التي اعتبرها دخيلة على مجال الصيد البحري بالبلاد.
وكشف عبد الله البليهي في حوار مع جريدة بيان اليوم، أنه بعد ظهور هذه السفن الثقيلة في الصيد، أصبح الوضع كارثيا، موجها أصابع الاتهام إلى وزارة الصيد البحري التي ارتكبت خطأ فادحا بسماحها لهذه الأساطيل بالصيد في المياه المغربية. فيما يلي تفاصيل الحوار:

اتخذت وزارة الصيد البحري إجراءات صارمة من بينها تخفيض حصص صيد الأخطبوط خلال هذا الموسم الشتوي بالداخلة، بسبب تراجع المخزون. ما هو تعليقكم على القرار؟
< جاء القرار بعد تنظيم لجنة تتبع صيد الأخطبوط سلسلة من الاجتماعات على صعيد الوزارة. لكن أرفض أن يتم تحميل القوارب التقليدية مسؤولية الوضع. إن السبب الرئيسي في نقص المخزون البحري المغربي، أتى بعد انفتاح بلادنا على أساطيل دخيلة على قطاع الصيد البحري، ويتعلق الأمر أساسا بالصيد في أعالي البحار الذي تستعمل فيه سفن تستنزف الثروات البحرية لأنها تجرف الأسماك والأحياء البحرية التي تتغذى عليها.
وإلى جانب هذه الأساطيل الضخمة، هناك سفن RSW التي ظهرت حديثا وساهمت في اندثار الثروة السمكية، لأنه لم يسبق أن كان لدينا انخفاضا في مخزون السردين، فمنذ حوالي 200 سنة كانت الأسماك السطحية موجودة بوفرة في البحر، ولكن بعد دخول أساطيل أعالي البحار وRSW، أصبح الوضع كارثيا، تتحمل مسؤوليته وزارة الصيد البحري لأنها أخطأت بشكل فادح بسماحها لهذه الآليات بالصيد في مياهنا.
ونددت بصفتي المهنية مرارا وتكرارا خلال الاجتماعات التي تعقدها وزارة الصيد، بالسماح باستخدام سفن RSW التي لا تشغل أعدادا كبيرة من اليد العاملة، على عكس قوارب الصيد التقليدي التي تشغل 4 عائلات فوق المركب و4 أشخاص آخرين في المرسى، إلى جانب عناصر آخرين يشتغلون مع القارب بشكل شبه مباشر، أي أن القارب التقليدي أحسن بكثير من هذه السفن الضخمة التي تعتبر امتيازا لفائدة أشخاص يربحون منها الأموال الطائلة، وأكيد أن هذا الترخيص كان له أثرا شديدا على المخزون السمكي في المغرب، سواء بالمحيط الأطلسي أو البحر الأبيض المتوسط.
وينضاف إلى هذه الأساطيل، تطور البنية الهيكلية والتقنية للقوارب والمراكب بالمغرب، على المستوى التقليدي والساحلي، وهذا التقدم جعلنا من بين الخمس دول الأولى عالميا في هذا المجال، نظرا لزيادة المخزون المفرغ في الموانئ.
وما يحز في النفس هو غياب الغيرة على المخزون الوطني من السمك، ويتمثل ذلك في سلوك الصيد الذي تقوم به سفن أعالي البحار وRSW التي من المفروض أن تصطاد الأسماك السطحية، لكنها للأسف تجر الأخضر واليابس، نظرا لعدم وجود إجراءات رادعة التي كانت ستكون فعالة في الحفاظ على الثروة البحرية للمغرب.
ومن بين الأسماك التي تصطاد هذه السفن بالخطأ لأنها ممنوعة من صيدها، الأطنان من القشريات كـ”الدوراد” و”الكوربين” بالداخلة، حيث تتخلص منها في بعض الأحيان برميها في البحر، ويعثر المهنيون عليها ميتة فوق الماء في صورة كارثية، ما يعني أن وزارة الصيد ارتكبت خطأ جسيما بسماحها للسفن بالصيد في أعالي البحار بولوج المياه المغربية.
أنتمي شخصيا إلى قطاع الصيد التقليدي الجد ضعيف، رغم أنهم يتهمونه باستنزاف الثروة السمكية، لكن هل تعلم أن 100 ألف قارب من الصيد التقليدي الصغير لا يعادل سفينة واحدة للصيد في أعالي البحار، فلا يعقل أن نقارن بين سفينة تصطاد ألف و500 طن دفعة واحدة، وقارب صيد تقليدي تترواح كمياته المفرغة بين 20 كلغ و200 كلغ كحد أقصى.

> كيف تتابعون تقارير المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري بشأن المخزون السمكي في المغرب، وما هي ملاحظاتكم حول توصياته أثناء الاجتماعات التي تعقدونها مع الوزارة؟
< يقوم المعهد بأبحاثه المنوطة به على المستوى الوطني، لأن INRH يضم مهندسين وباحثين محنكين، يقدمون معلومات صحيحة ودقيقة، وللمعهد صدى طيب على المستوى الدولي ليس محليا فقط، نظرا للمصداقية التي يتميز بها، لكن ما يلاحظ عليه هو عدم وجود استقلالية كاملة في قراراته، لأنه يقدم تقاريره بشكل تفصيلي، بيد أن وزارة الصيد هي من تخطط بعيدا عن توصياته.
يجب أن تتجلى الاستقلالية في أخذ توصياته بعين الاعتبار في كل قرار، خصوصا أننا أصبحنا أمام ظواهر إنسانية ومناخية تؤثر على الأحياء البحرية، لدرجة أن السمك بدأ يهاجر نحو مناطق معتدلة، أو ينتحر في الماء في أسوأ سيناريو له، نظرا للتغيرات الطبيعية. والمخزون السمكي السطحي بالداخلة كان يضم مئات الآلاف من الأطنان، لكن حاليا يظهر بأن الوضع جد حرج.

> هذا الوضع الحرج يسجل بشمال المغرب أيضا، أليس كذلك؟
< بالفعل، وضع الشمال جد مقلق، ونبهنا الوزارة إلى ذلك، لكن لا أحد تفاعل مع تحذيراتنا، والمطلوب اليوم في المنطقة الشمالية، التوقف بشكل نهائي عن الصيد لمدة سنة، ليسترجع البحر عافيته ولتجنب انقراض أصناف سمكية أخرى، كـ”البوراسي” الذي اندثر.
المطلوب حاليا، إنجاز مخطط تهيئة (Plan d’aménagement) خاص بكل منطقة، لاستجاع النشاط الطبيعي لبعض الأسماك، وتكوين فكرة دقيقة عن أوقات راحته البيولوجية، والأخطبوط بالداخلة في حاجة إلى مخطط للحفاظ عليه، لهذا تخفيض “الكوطا” يندرج ضمن الإجراءات الاستباقية لإنقاذ الوضع.
واستنادا إلى المعلومات التي نستقيها من قبل إخواننا في الصويرة، فإن الأخطبوط في هذه المنطقة يشهد تكاثرا إيجابيا، لأنهم يجدون بيضه في كل مكان، وهذا راجع إلى المياه المعتدلة الصالحة للإنتاج، أي أن السمك يبحث عن الأماكن المناسب جوها للتوالد والاستقرار.
والمخيف في هذه الظرفية التي تشهد نشاطا مكثفا في الصيد البحري، هو أن جميع الأسماك لن تنجو من شباك الصيد وتحديدا في أعالي البحار، وهو ما يكثف الضغط على الأسماك في البحر، لتعود وزارة الصيد مرة أخرى إلى تحميل مسؤولية الوضع إلى الصيد التقليدي، وللأسف المعهد هو الآخر بدأ يوظف هذا الخطاب.

هل هذا يعني أن القوارب التقليدية لا تقوم بأي تجاوزات أثناء مواسم الصيد، علما أن هناك أصوات تحمل القوارب المعيشية أو غير القانونية بالداخلة مسؤولية تراجع الأخطبوط؟
< نحن على دراية بأن هناك مهنيين في الصيد التقليدي خرقوا العرف والقانون، بإحداثهم قوارب غير قانونية، لكن أن يتم تحميلهم مسؤولية نقص مخزون الأخطبوط فهذا أمر نرفضه، لأننا على علم بكل ما يجري في الميدان، من قبيل الصيد الخطير في أعالي البحار، الذي لا يستثني أي سمكة تعيش في البحر، أما مهنيي الصيد التقليدي فبمجرد أن تنشف ملابسهم من ماء البحر يفرغ جيبهم من الدراهم، والدليل هو توقفهم عن العمل لمدة 8 أشهر، بدون أي مدخول مادي، وهذا أمر كارثي بما تحمله الكلمة من معنى.
شخصيا، انتفضت في وجه الوزارة خلال حضوري في آخر اجتماع، ونبهت لممارسات الصيد المفرط من قبل المحظوظين في أعالي البحار، وتبدو نتائج ذلك على الهشاشة الاجتماعية للصيادين في القطاع التقليدي، واستنكرت هذا الوضع الذي لم تتعاطف معه الوزارة واللوبيات إنسانيا، وهددنا بالنزول للاحتجاج في حال استفحال تردي الوضع الاجتماعي للمهنيين.
وفي هذا الإطار، أطالب مرة أخرى بتنفيذ القانون في حق المتجاوزين بدل التسامح معهم، لدرجة أن وصل الأمر إلى استدعاء أشخاص معروفين بمخالفاتهم للحضور للاجتماعات قصد التنسيق والتشاور معهم حول مستقبل القطاع، بالرغم من أن أسمائهم معروفة في مجال “النوار” و”الترافيك”، لأنهم لا يصرحون بما يصطادونه لدى مصالح المكتب الوطني للصيد البحري.

حاوره: يوسف الخيدر

Related posts

Top