عبيابة: ضرورة إعادة هيكلة ومأسسة الدعم العمومي في مجالات الثقافة والفنون

دعا الحسن عبيابة، وزير الثقافة والشباب والرياضة الناطق الرسمي باسم الحكومة، إلى أن وزارته تفكر بجدية، في سياق مشروع تنظيم ومأسسة الحماية الاجتماعية للفنانين، في إمكانية إحداث مؤسسة وطنية للرعاية الاجتماعية للفنانين والمثقفين بما يحفظ كرامتهم ووضعم الاعتباري والرمزي.
وأكد المسؤول الحكومي، في كلمته أثناء ترؤسه لدورة المجلس الإداري لمؤسسة مسرح محمد الخامس يوم الأربعاء 25 دجنبر الجاري، على ضرورة إعادة هيكلة ومأسسة كل اللجان المكلفة بدراسة ومنح الدعم العمومي في مجالات الثقافة والفنون، بشكل عقلاني وشفاف، في رد غير مباشر على الجدل الدائر في الساحة المسرحية على الخصوص على إثر التأخير الحاصل في صرف دفعات الدعم للفرق المسرحية المدعومة برسم موسم 2019، والذي نتج عنه ارتباك في انتظامية الموسم المسرحي وتعطيل أداء أجور وتعويضات الفنانين العاملين والمشاركين في العروض المسرحية..
هذا، وأبرز الوزير، الأهمية الكبرى التي تكتسيها مختلف المكونات والتعبيرات الثقافية والإبداعية في صيانة وتعزيز الهوية الثقافية والحضارية لبلادنا، الشيء الذي يستوجب تطوير وتجويد وتقنين سياسة دعم الصناعات الثقافية والإبداعية وفق مساطر قانونية وتنظيمية واضحة المعالم وتروم تحفيز الإبداع وتشجيع إنتاج واستهلاك المضامين الثقافية والفنية بمختلف جهات المملكة.
وأضاف الوزير أنه يتعين ترشيد النفقات، على قلتها، بما يخدم الصالح العام، منتقدا بشدة ظاهرة اقتصاد الريع التي أصبحت مضرة للغاية ولم تنج منها بدورها قطاعات الثقافة والرياضة والشباب والاتصال.. في إشارة واضحة إلى الفوضى التي عمت مؤخرا في مجال صرف المال العام لغير مستحقيه وخارج الضوابط القانونية المعمول بها.. ودعا إلى قطع الطريق على ثقافة الريع ووضع حد لسلوكات عدم الاستحقاق، مقابل الحرص على إعمال القانون وتشجيع قيم العمل والتنافسية وحرية المبادرة في أوساط المثقفين والمبدعين والفنانين. ومن ذلك، يقول الحسن عبيابة، ضرورة التفكير في التشجيع والتحفيز على إحداث المقاولات الفنية، أكانت فرقا مسرحية أو مجموعات موسيقية، أو بنيات استقبال العروض كالمسارح والقاعات وغيرها.. لاسيما أن قانون الفنان والمهن الفنية يتيح ذلك.
وفي ذات السياق، لم يخف الوزير كونه تفاجأ بترسانة من اتفاقيات شراكات “هلامية” مبرمة بين وزارة الثقافة وعدد من الجماعات الترابية، فضلا عن عدد من النزاعات والديون، والتي تثقل كاهل الميزانية بمئات الملايين حيث لا يمكن البثة برمجتها ولا الالتزام بها.. من ثمة اضطر، حسب تعبيره، إلى توقيف أو تجميد عدد لا يستهان به من هذه الاتفاقيات خشية من أن تبقى مجرد حبر على ورق..
ومن جهة أخرى نوه وزير الثقافة بالمستوى الرفيع والنضج الكبير الذي بات يشهده المسرح المغربي بكل تعبيراته وتلويناته المختلفة، والمكانة التي بات يحتلها على الصعيد العربي والدولي بفضل جهود الفنانين المسرحيين وهيئاتهم التمثيلية وكذا جهود الدولة على حد سواء، وخصوصا سياسة الدعم المعتمدة منذ مدة.. داعيا في ذات الوقت إلى التحلي بالنفس الطويل والاستمرار في إعلاء شأن الثقافة والفنون المغربية في المحافل العربية والدولية مهنئا الفرق المسرحية المغربية التي تتوج بجوائز كبرى سنة بعد أخرى..
وأكد الوزير، بذات المناسبة، على المكانة الإستراتيجية التي يحتلها مسرح محمد الخامس كمؤسسة ثقافية مواطنة عريقة راكمت، منذ ما يزيد عن نصف قرن، تجارب مهمة مكنت من المساهمة، بكل تميز، في تنشيط الساحة الثقافية والفنية وطنيا وعربيا ودوليا.
وأضاف المتحدث أن الوزارة حريصة على تأهيل والنهوض بهذه المؤسسة، من خلال دعم ومواكبة جميع المشاريع والمبادرات الرامية إلى جعل المسرح فضاء رحبا للإبداع والحرية وأفقا يتيح تحقيق الإشعاع اللازم للثقافة الوطنية، لكي تساهم بشكل فعال في المشروع التنموي الجديد الذي ما فتئ ينادى به صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
ومن جهته، تقدم محمد بنحساين مدير مسرح محمد الخامس بعرض شامل تضمن التقرير الأدبي والمالي للمؤسسة برسم سنة 2019، بالإضافة إلى مشروع ميزانية 2020، اللذين تمت المصادقة عليهما بالإجماع بعد المناقشة والتداول بين أعضاء المجلس الإداري الذين أثنوا على منهجية تسيير وتدبير هذه المؤسسة والأدوار التي تلعبها في تنمية الفنون ببلادنا… ونوهوا بالمقاربة التشاركية التي تنهجها إدارة المسرح مع سائر الفاعلين والمتدخلين في الشأن الثقافي إن على مستوى العاصمة أو على المستوى الوطني وكذلك على صعيد التعاون الخارجي والدولي.. منوهين بالحكامة التي تتميز بها مديرية المسرح في البرمجة والتنشيط وتدبير الإنفاق العمومي وتعبئة موارد مالية خارج الميزانية.. والإيقاع السريع الذي لوحظ في عمليات إصلاح وترميم وإعادة تهيئة بعض المرافق الداخلية والخارجية للمسرح، ملتمسين في ذات الوقت إعطاء المزيد من الأهمية لباب الإنتاج والإنتاج المشترك، لضمان الجودة والعودة للأعمال الدرامية الضخمة التي افتقدتها الساحة المسرحية المغربية، وبالتالي تقوية الخانة المالية المتعلقة بالإنتاج المسرحي..
هذا وتم، في السياق ذاته، تقديم والمصادقة على مشروع مركز الأرشيف والتوثيق المسرحي، وكذا مشروع مجلة مسرحية، وذلك بإجماع أعضاء المجلس الإداري.
ويعنى مركز الأرشيف والتوثيق المسرحي بالتوثيق والبحث في مجالات المسرح والفنون الدرامية وفنون العرض المختلفة، وذلك وفق التقاليد الجارية في كل مسارح العالم. ويرتكز عمل المركز على تجميع وتخزين الوثيقة المسرحية ورقية كانت أو مصورة أو مسجلة أو رقمية من كل أنحاء المغرب، ومعالجتها وفق الأنظمة التوثيقية الحديثة. وتنظيم الأرشيف المسرحي المغربي، والعمل على رصد تاريخ الحركة المسرحية المغربية بكل تلاوينها وتنوعها (مسرح المقاومة، مسرح احترافي، مسرح الهواة، المسرح الجامعي، المسرح المدرسي، مسرح الطفل، المسرح الأمازيغي، المسرح الحساني…)..
ويحدث المركز شراكات مع مراكز مماثلة داخل وخارج البلاد ومع جامعات ومؤسسات البحث الأكاديمي والتوثيق والأرشيف، انطلاقا من قاعدة شراكات أساسية بين مسرح محمد الخامس ووزارة الثقافة، وبتعاون مع الهيئة العربية للمسرح والانفتاح على مؤسسات وازنة ونافعة في مجال التوثيق والأرشفة من قبيل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، والمركز السينمائي المغربي، ومؤسسة أرشيف المغرب، والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، والمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي..
من جانب آخر، تعتبر مصادقة المجلس الإداري لمسرح محمد الخامس على إحداث مجلة مسرحية متخصصة، قرارا في غاية الأهمية لأن من شأن ذلك أن يسد فراغا مهولا في مجال الإعلام المسرحي، وكذا في مجال المواكبة النقدية للإبداع المسرحي المغربي..
هذا وستهتم المجلة أساسا بنشر أخبار وجديد المسرح المغربي والمسرح في العالم وأخبار وأنشطة وبرامج مسرح محمد الخامس.. كما ستعمل على مواكبة الحركة المسرحية المغربية بالنقد والمتابعة إبداعا وتنظيما وتنظيرا وبحثا، وفتح جسور التواصل والتبادل بين المسرحيين المغاربة، فضلا عن المساهمة في تثمين الإبداع المسرحي المغربي وإبراز نجاحاته..
كما ستعنى المجلة أيضا بتتبع ومواكبة المهرجانات المسرحية المغربية والدولية التعريف بالممثلين والكتاب والمخرجين ومهنيي المسرح المغاربة الرواد منهم والشباب..
يشار أنه قبل شهور، أي قبل التعديل الحكومي الأخير، وقعت تعديلات جوهرية وشكلية على القانون المنظم للمسرح الوطني محمد الخامس، بحيث صادق مجلس الحكومة على “مشروع قانون رقم 23.19 بتغيير وتتميم القانون رقم 51.15 القاضي بإعادة تنظيم المسرح الوطني محمد الخامس”، من خلال حذف مجموعة من المفردات المرتبطة بصفة الوطنية، وكذا إدخال تعديلات تتعلق بالمهام المنوطة بالمسرح.
هذه المهام أصبحت تشمل أساسا “إنتاج الأعمال المسرحية وفنون العرض أو المساهمة في إنتاجها، والمساهمة في النهوض بالبحث والإبداع في ميدان المسرح وفنون العرض، والمساهمة في تشجيع مختلف التعبيرات الفنية في ميدان المسرح وفنون العرض، والمساهمة في التكوين الفني والتقني في ميدان المسرح وفنون العرض”.
كما تضم أيضا “المساهمة في هيكلة ودعم الفرق المسرحية المقيمة بفضاء مسرح محمد الخامس، والتعاون مع الفرق والجمعيات والهيئات المهنية العاملة في ميدان المسرح وفنون العرض من أجل النهوض بالإبداع المسرحي والفني، والعمل على إبراز مواهب الشباب وتأطيرها وصقلها لتحقيق نهضة فنية وثقافية في ميدان المسرح وفنون العرض، وكذا تنظيم أو المساهمة في تنظيم تظاهرات ومهرجانات في مختلف أصناف المسرح وفنون العرض”.
وتتمثل هذه المهام كذلك في المشاركة في المهرجانات المسرحية والفنية داخل المغرب وخارجه، والسهر على وضع فهرس مجموعة البرامج الفنية المقدمة بالمسرح وإصدار منشورات متخصصة في المسرح وفنون العرض ووضعها رهن إشارة العموم، والعمل على توثيق وأرشفة الإنتاج المسرحي المغربي بكل اتجاهاته وأصنافه ووضعه رهن إشارة الباحثين والمهتمين.

> الحسين الشعبي

Related posts

Top