عشر سنوات بعد «20 فبراير»

حلت الذكرى العاشرة ل»20 فبراير»، وسعى داعموها إلى بلورة أشكال مختلفة لتخليدها واستحضار لحضتها النضالية ورمزيتها، كما حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بنقاش واسع بشأن الدينامية ومصيرها وامتدادها ودروسها.
من المؤكد أن احتجاجات «20 فبراير» مثلت لحظة نضالية أساسية، ونجحت في تطوير زخم نضالي عم الكثير من المدن والمناطق في بلادنا، كما كرست معجما مباشرا وأكثر جرأة في الشعارات والخطاب والمطالب، واستطاعت أيضا أن تتميز بطبيعة سلمية على المستوى العام، وكل هذا جعل الحراك الشبابي والشعبي يلعب دورا لا يمكن إنكاره في تسريع إيقاع إنجاز الإصلاحات ببلادنا.
التجربة المغربية امتلكت أيضا تميزها من خلال التفاعل السريع لجلالة الملك الذي جسده خطاب تاسع مارس آنذاك، والإعلان عن إصلاحات دستورية، ثم التصويت لاحقا على دستور 2011، وتنظيم انتخابات مبكرة.
كل هذا يفرض اليوم قراءة دور»20 فبراير» ضمن سياقها المجتمعي والموضوعي، وأيضا قراءة حراكنا الشعبي المغربي ضمن المسار النضالي الطويل لشعبنا.
لم يبدأ نضال شعبنا مع(20 فبراير)، ولم يكن شعبنا عقيما، ولكنه قدم العديد من التضحيات منذ عقود، ومن ثم تندرج احتجاجات 2011 ضمن هذه المسيرة النضالية للشعب المغربي، وترتبط بسياقها الزمني والسياسي والمجتمعي.
الدرس الجوهري إذن بعد مرور عشر سنوات عن «20 فبراير» هو بالذات هذا الارتباط بالسياق، وأي قراءة خارج ذلك  تقودنا مباشرة نحو القطائع المتعسفة، ونحو»الأنانية» النضالية، التي لا تنتج أي تراكم منتج لمصلحة شعبنا.
اليوم تتواصل الاحتجاجات الاجتماعية في عدد من المناطق «الفنيدق مثلا»، ونظمت أخرى في2014، وفي 2017، وفي2018، وعشنا الاحتجاجات في الحسيمة وجرادة وطنجة وغيرها، وعرفت البلاد احتجاجات ونضالات نقابية واجتماعية مختلفة، وحملات مقاطعة، وأشكال أخرى، وأيضا باقي التعبيرات الشعبية ونضالات التنسيقيات المتعددة، علاوة على أدوار القوى السياسية والمنظمات الشبابية والجمعيات الحقوقية والنسائية،  وجميع هذه الأشكال النضالية تلتصق بدورها بسياقاتها، وتعني أن شعبنا ينتج باستمرار تعبيراته عن مطالبه وتطلعاته، وهذا ما يجب الحرص عليه، أي حماية النفس النضالي لشبابنا وشعبنا، وتقوية الحيوية وسط مجتمعنا، وتفادي جعله جامدا أو متكلسا أو يرتبط فقط بالأشكال والصيغ والقوالب التنظيمية دون أن يبالي بالعمق أو بالمضامين و… السياق.
«20 فبراير» فعلا أسست عام 2011 إضافة متميزة للسيرة النضالية لشعبنا، وقدمت مساهمتها في تقدم مسار الإصلاحات ببلادنا، واليوم شعبنا يستمر في النضال من أجل حقوقه من داخل سياقاته الحالية، ويواصل مراكمة التجارب  من داخل القوى المرتبطة بمطالبه وانشغالاته.
وفضلا عن جعل  أي ذكرى ترتبط بسياقها، والالتزام بقراءة موضوعية تاريخية للمجريات والوقائع والدروس، فإن الزخم النضالي يجب أن ينتج على أرض الواقع ممارسات سياسية واعية وفاعلة لخدمة مستقبل شعبنا وبلادنا.
إن النضال الديمقراطي والعمل من خلال المؤسسات يعني مراقبة اللوائح الانتخابية، والسعي للتسجيل فيها والنضال اليومي والملموس من أجل نزاهتها ومصداقيتها، ثم الإقبال على التصويت واختيار المرشحين والبرامج والأحزاب بشكل واعي، وتنظيم شبكات مدنية لمحاربة الرشوة والتزوير وشراء الذمم، والترشح كذلك في الانتخابات، والمساهمة الفعلية في تطوير عمل المؤسسات المنتخبة، محليا وجهويا ووطنيا، والرفع من جودتها ومصداقيتها.
وبديهي أن كل هذا  يتحقق من خلال الأحزاب والنقابات، وليس فقط من وراء الحواسيب وشاشات الهواتف الذكية والنضالات الفردية مهما كانت صادقة وتحقق الجاذبية اللحظية.
يعني ما سبق، أن الحراكات الميدانية والاحتجاجات يجب أن تنتج امتدادا نضاليا واعيا ومنظما داخل المجتمع، وأن تفضي إلى إضافة سياسية وتنظيمية فعلية من شأنها إغناء الساحة السياسية والانتخابية والحزبية الوطنية، والمساهمة في تغيير موازين القوى لتحقيق مطالب شعبنا ومساندة نضالاته المختلفة.
في العام العاشر بعد «20 فبراير»، السياسة عندنا في حاجة إلى زخم الشباب وانخراطه الواعي، وإلى تقوية اليقظة لمحاربة الفساد الانتخابي، والى المشاركة الشعبية المكثفة في التصويت والترشيح والمراقبة…
مستقبل بلادنا وشعبنا نصنعه بتثمين مختلف الإضافات النضالية، و»20 فبراير» واحدة منها، وعبر تراكم المكتسبات الديمقراطية والإصلاحية، ومن خلال السعي المستمر لتغيير موازين القوى في الميدان، والنضال لتقوية قوى وأدوات التغيير، والفعل السياسي المباشر والواعي من أجل ذلك.
كم نحن في حاجة إلى ذلك اليوم في هذا العام الانتخابي بامتياز…

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top