عشق التراث في تجربة الفنان التشكيلي المغربي أحمد الوشيني

أحمد الوشيني فنان تشكيلي من مواليد سنة 1955 بمدينة آزمور، فنان بالفطرة، عصامي التكوين، استهواه الرسم و هو ابن العاشرة حين كان يخالط بعض حرفيي صناعة “الطعريجة ” خاصة الذين كانت تعهد لهم مهمة الزخرفة، لينخرط بشكل رسمي سنة 1973 رفقة مجموعة من أبناء المدينة الذين لمع اسمهم اليوم، أمثال ” عبد الله الديباجي و بوشعيب هبولي، ثم عبد الكريم الزهر و قلمون و غيرهم، منهم من استكمل دراسته في نفس المجال و منهم من باشرها بالفطرة لظروف عائلية أو مادية، احتكاك ساهم في تطوير عمل الوشيني و أدوات اشتغاله، ليخلق مدرسة منفردة به زاوج فيها بين المدرسة الواقعية و التجريدية و ماراكمه من تجارب و احتكاك بفنانين من ربوع المملكة و خارجها. يتخذ من مدخل مرآب خصص كموقف للسيارات بالقرب من باب سيدي المخفي بالمدينة العتيقة مرسما له و معرضا مفتوحا طيلة السنة، يقتني منه وزار المدينة و عاشقي الفن التشكيلي بعض هذه الأعمال، التي تبقى كمصدر وحيد يعيل به أسرته.
تتميز لوحات الفنان أحمد الوشيني في اغلبها بالطابع الاحتفالي المحافظ على التراث المحلي أو الوطني، حيث انه يحاول رسم ما حوله بشكل متميز يجعله أرقى من خلال تعامله التلقائي بالألوان التي تبقى بالنسبة إليه كما يقول، المحرك الرئيسي، فهو لا يميز بين لون و آخر أو يفضل لون عن آخر، فكلها تشكل في حقيقتها لون واحد و يبقى لمستخدمها كيفية التعامل معها وفق ما يجد ذاته بها، و هو الأمر الذي يجعل أعمال الفنان أحمد الوشيني تسافر بالمشاهد لعوالم حالمة توحي برؤيا يمكن اعتبارها فلسفة خاصة بالفنان، جاعلا من الخيال واقعا و من الواقع خيالا، فاسحا المجال الخصب للمتأمل داخل إطار لوحاته المحدود. يقول أحمد الوشيني” ارسم كل ما يشكل جزءا من ذاكرتنا البصرية التي تختزن جزءا كبيرا من ماضينا، خاصة ماله علاقة بعبق التاريخ و جماليته الروحية، و في نفس الوقت أريد من خلاله تعريف الأجيال اللاحقة بهذا التراث الأصيل و محاولة الحفاظ عليه من النسيان مع الاستمتاع بجماليته”.
هي لوحات تشي بجو مفعم بالانسجام و الترابط بين الألوان القوية فيما بينها حينا و الألوان الفاتحة التي تعيدنا للحقبة الزمنية التي يتوخاها الفنان، ليشتد التقابل بينها و ترخي بظلالها على بصيرة المتلقي قبل بصره وكأنها سيمفونية صاخبة وعذبة، منسابة من أعماق السماء بتتابع أخاذ وساحر . من هنا يمكننا القول بأن لوحات أحمد الوشيني هي مقطوعات موسيقية تشع من الداخل من خلال توظيف التجريد للذهاب إلى أقصى مديات التوق وتلخيص الأشكال الهندسية أو النتوءات في حركات الفرشاة العمودية و انسيابها مع اللون الصباغي الذي يوظفه وفق طريقته خاصة التي يقول عنها أنه استوحاها من الطبيعة و سحر الضوء الإلهي المتدرج من فصل لآخر و من وقت لآخر، و هو الأمر الذي جعل زواره بمرسمه المتواضع يقفون منبهرين بهذه التركيبات اللونية التي يغيب عنها أحيانا اللون الأسود، و كأنما يريد بذلك مسح السوداوية التي تطغى على حياة الناس و تجعلهم فاقدي السيطرة على أنفسهم و العيش في يأس وغبن. فالفنان أحمد الوشيني فنان عشق كل ما حوله منذ طفولته بين أسوار المدينة العتيقة بىزمور ودروبها وحقولها الغناء التي كانت تسيج المدينة و كأنها زهرة فل يانعة البياض، هو الزمن الجميل بالنسبة إليه بكل ما تحمله مخيلته ليومنا هذا، إنه سر عشق استماعه لأغاني الغيوان وأهل الحال وكناوة، وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب.. أثناء اشتغاله على عمل ما، حيث أنه يحاول استعادة المعطى التراثي الأصيل، و توظيفه من خلال الصياغة و المعالجة و التقنية التي يتفرد بها، تجعل أعماله تحمل مدلولات فنية متناغمة تزاوج بين الكائن و الرمز ” لوحة ناس الغيوان” وفق تدفق عاطفي تلقائي يحاكي به ذاته ومحيطه باعتبار أن الفن لديه هو أسمى لغة للتعبير عن الرقي الإنساني، وحكي يعكس الصمت الذي بداخله، الصمت الذي يحمل هموم الحياة، والإحساس بآلامها من خلال الآخرين، لتتحول في الأخير إلى سعادة لا يشعر بها إلا الفنان، كما يقول الفنان أحمد الوشيني: “منذ ولوجي لعالم الرسم والتشكيل أدركت أني ولدت من أجل تبليغ رسالة مهما كانت التحديات والظروف”.

> بقلم: محمد الصفى

Related posts

Top