على هامش اليوم العالمي للكتاب وحقوق التأليف

 لم يمر شهر أبريل دون احتفالات، حيث يقترن الثالث والعشرون منه باليوم العالمي للكتاب وحقوق التأليف، وقد كان للجهات المعنية بهذا القطاع انخراط في الاحتفال بهذا اليوم الذي يعد مناسبة للوقوف عند ما آل إليه وضع النشر والتأليف ببلادنا، في هذا السياق كان لنا اتصال بمجموعة من الباحثين والمبدعين للإدلاء بآرائهم ووجهات نظرهم حول الاحتفال ودلالالته.  

الروائي عبد الرحيم بهير: سيصمد الكتاب الورقي لأنه الأصل

علاقتي بالكتاب الورقي ترقى إلى مستوى عشق روحي إنساني جميل. أجل فالكتاب عندي كائن حي يتواصل معي ويؤنسني ويملأ فضاءاتي. الكتاب معي أينما حللت وارتحلت وهو رفيق حبيب كالإنسان تماما. إنه معي دائما فى سيارتي وفي غرفة نومي وفي مكتبتي طبعا.
  أما علاقتي بالكتاب الالكتروني فلا ترقى إلى تعلقي بالكتاب الورقي، لكني ألجأ إليه عندما لا أجد في مكتبتي الورقية من ينير طريقي. علما أنني أثق أكثر بالكتاب الورقي، لأنني ألمسه بيدي وانظر إليه وأشم رائحته، عكس الشاشة التي لا رائحة لها ولا طعم.
***
سيصمد الكتاب الورقي، لأنه الأصل، ففي أوروبا والغرب عموما، تشير الإحصائيات إلى أن الكتاب الورقي لا زال يحتل مكانته، ولن يتأثر بالانترنيت. صحيح وسائل الاتصال الحديثة منتشرة في العالم، لكن الثقافة الغربية هي مرتبطة بالكتاب، عكس مجتمعاتنا العربية التي يغلب عليها الطابع الشفوي والتي لا تمت للكتاب بصلة.
**
إن من يقرأون في الكتاب في المغرب، يعدون قلة نادرة جدا والباقي تراهم في المقاهي يتبادلون أطراف النميمة ليل نهار حتى صار ما بين المقهى والمقهى مقهى، أما عدد المكتبات في البلاد، ففي انخفاض مستمر، وقريبا ستغلق كما أغلقت السينما أبوابها.
***
 خلاصة القول لا مستقبل للكتاب الورقي في المغرب، لأن لا ماضي ولا حاضر له. أمة اقرأ لا تقرأ ولن تقرأ ونحن نغرد خارج السرب.

***
 فيما يخص سياسة دعم النشر،  أول مرة استفيد منه أو بالأحرى الناشر، بعد أن أصدرت ستة كتب على نفقتي الخاصة، وهذا جميل جدا وأتمنى المزيد، على الأقل اشعر بتشجيع على الكتابة ولو أن الكاتب لا يستفيد من الكتابة، أقصد الاستفادة المالية.
عموما ما تقدمه الوزارة خير من لا شيء.

***
أصدرت بدعم من وزارة الثقافة المغربية رواية جديدة بعنوان جبل موسى، وأنا سعيد جدا لكون الأصداء التي وصلتني مشجعة جدا، بل ومفرحة والأكثر أنني بصدد تحويلها إلى فيلم سينمائي. أدعو القراء الكرام من هذا المنبر لقراءة الرواية، فهي موزعة في المغرب وبثمن لا يتجاوز 30 درهم ثمن علبة سجائر من النوع غير الممتاز. وقد حددت هذا الثمن دعما للقراءة، لأن الكتاب حصل على الدعم، علما بأنني ساهمت بنصيبي.

الشاعر عبد الغني فوزي: للكتاب الورقي نكهته ومكانته التي لا يمكن تعويضها

يغلب ظني، أن اليوم العالمي للكتاب يثير في الحياة والمجتمع سؤال القراءة بحدة. ويبدو من خلال تشخيصات موضوعية، أن نسبة القراءة متدنية في المجتمعات العربية، مما يثبت أن علاقتنا بالكتاب متوترة ولا تستقر على حال. لاعتبارات عديدة، منها ما يتعلق بالأوضاع الاجتماعية والسياسية التي تعرقل وتبعد الناس عن القعل القرائي الجاد، لتجعلهم في واد آخر خال من الماء والايقاع. في هذا السياق، ما هي مسؤولية التعليم؟ وهل ساهم بربط علاقة مصاحبة مع الكتاب؟ وما هو دور المؤسسات الثقافية في هذا الاتجاه؟
  على أي، الكتاب جليس مفيد، يغني الذات ويساهم في تكوينها للاضطلاع بدورها الإنساني على هذه الارض. في هذا المرمى الأكبر، علاقتي بالكتاب وطيدة أو قل المعرفة في شكلها الورقي والإلكتروني. كل ما ومن يقدم لي معرفة، فهو صديقي بالمعنى العميق لكلمة الصداقة. لهذا أصاحب الكتب والمنابر الإلكترونية في أوقات القراءة والتي أريد أن أجعلها طقسا يوميا. فحين نربط علاقة بالكتاب، ستتخذ القراءة درجات غير  متناهية في التوغل. في هذه الحالة قد نتحول من قراءة استهلاكية إلى قراءة تفاعلية لا تجعل الكتاب خزانا ومستودعا للمعرفة، بل منطلقا لارتياد آفاق رحبة في التأمل والتخيل.

***
للكتاب الورقي نكهته، ومكانته التي لا يمكن تعويضها. وفي المقابل لابد من الإقرار بسطوة الصورة والمنابر الالكترونية التي توفر التنوع في المعرفة والسرعة في البحث.. لكن هذه المعطيات خلقت بعض السلوكات، منها التراخي والكسل. تصور، نستهلك كلمترات من الصور كل يوم، ولا تكون لنا القدرة لقول وتأليق كلام دون تعثرات وفراغات. وهو ما يؤكد مكانة الكتاب لدى القارئ الهادئ في تنوعه. طبعا الكتاب الذي يكون جديرا بهذه الصفة وليس ترصيف الكلام دون تصور ولا أفق .. فتحية للكتاب الذي يدفع لقراءة كتاب ثان.. وهكذا.
***
 لا يمكن التنكر لمجهودات وزارة الثقافة في مجال دعم النشر على دفعات تتوسع من حين لآخر. لكن هناك بعض الثغرات التي ترافق ذلك، منها غياب التوزيع الكافي للكتاب مثلا، ويبقى الكاتب هو الحلقة الضعيفة في هذه السلسلة. وهو الأصل في العملية. لا بد من إعادة الاعتبار للكاتب، لكي يتحرر من سطوة دور النشر المتربصة. كما ألاحظ ضعفا في لجان القراءة التي غمرت المشهد بكتب لا كتب لها.

***
إصداري الشعري الأخير، طبع سنة 2014  وهو ديوان شعري بعنوان “عالقا ببال الحافة” ضمن منشورات اتحاد كتاب المغرب، وبدعم من وزارة الثقافة. يمثل حلقة أخرى في مسيرتي الشعرية. طبعا التفاعل والتواصل معها يقتضي تلقي القراء.

الأديب خالد أقلعي: هيمنة وسائل الاتصال الحديثة على مجريات حياتنا تثير الضجر


 لا تزال علاقتي بالكتاب الورقي طيّبة، ووفيّة على الرغم من إغراء الكتاب الإلكتروني، الذي أصطحبه في سفري، وفي نهاية الأسبوع عندما أتنقل إلى منزلي الصيفيّ. ذلك أن المكتبة التي سهرت على إغنائها لسنوات تحتاج منّي إلى التفاتة، الآن، وقد تجاوزتُ عتبة الخمسين، ولا أحسب أن العمر سيسعفني لقراءة ما تحويه من عوالم. ولكنّني، أحاول، مع ذلك، أن ألتقط لقيمات من هنا وهناك لكيّ لا تضجر تلك الكتب من عزلتها، ولكي أغريها باقتراب موعد افتضاض بكارتها، فلا تغار من قريناتها.

***
لا يمكننا إلاّ أن نكون متفائلين بخصوص صمود الكتاب الورقي في مواجهة مستجدّات الحياة الجديدة التي سوف تعمل، بدون توقّف، على تقويض أنماط الحياة القديمة وقيمها، إلاّ ما يرسخ منها رسوخ الجبال. فالكتاب مبتدى الحضارة الإنسانية، ولا شكّ سيكون منتهاها. ومهما زحفت جحافل مملكة الإلكترون، لا أعتقد أنها ستقوى على ملء فراغ حميمية العلاقة الوجدانية التي تربط بين الإنسان والكتاب، وهي علاقة يستشعر القارئ مرهف الإحساس غيابها عندما يتعلّق الأمر بالقراءة الإلكترونية.
صحيح، أن قرّاء الكتاب يتراجعون يوما بعد يوم، لكن، ثمّة وجود لظاهرة جديدة، أيضا، بدأت تعلن عن نفسها في الآونة الأخيرة، وتتمثّل في شعور كثير من الناس بالضّجر من هيمنة وسائل الاتّصال الحديثة على مجريات حياتهم، وهم يسعون في كلّ لحظة وحين للتخلّص من هيمنتها، والتحرّر من قيودها، والعودة إلى إيقاع الحياة الطبيعية، حيث الزمن الجميل مفعم بالبركة.

***
هي خطوة في الاتّجاه الصحيح لدعم الكتاب والناشرين، لكنها لا تعبأ للأسف بحقوق الكاتب صاحب المجهود الذي تستند إليه عملية النشر برمّتها، فكما لو أن الكاتب كائن نورانيّ لا يحتاج هو أيضا دعما معنويّا وماديا لكي يعوّض على الأقل ثمن فناجين القهوة والسجائر التي أحرقها سهرا وهو يعاني مخاض الولادة. إن عدم تعويض الكاتب ماديا، في هذه العملية، هو نوع من بخس قيمة المنتوج الإبداع والفكري الذي يستحقّ صاحبه أكثر من تكريم.  ثمّ ماذا عن المبدع الذي ينشر لحسابه الخاص؟ أليس من حقّه هو أيضا أن يحظى بفرصة لترويج أعماله بالطريقة التي يراها مناسبة؟ إن حرية الإبداع تقتضي ذلك، على ما أظنّ.  أمّا موقفي من العملية برمّتها، فأحتاج إلى وقت أطول لأفصّل القول فيه..

 ***
لقد اعتدت أن أشتغل على أكثر من عمل، على الرغم من صعوبة هذا الأمر وخطورته، وقد فرغت من ثلاثة أعمال أعتقد أنها ستكون جاهزة صيف هذا العام: مسرحية “الصّدع”، وستركّز على طبيعة الصّدع المتّسع ما بين المثقف والإدارة، ترجمة كتاب “طقوس الفنّانين” لماسون كاري، حول كيفية استثمار الفنانين للزمن، ورواية “رحلة نورس” وهي ملحمة المدرّسين العاملين بالبادية.  

الشاعر الزبير خياط: سنعيش ردة نحو ما هو ورقي بعد هذه التخمة الإلكترونية

العلاقة بالكتاب الورقي قدر . ما زال تحت الوسادة وفي السيارة وضمن عدة السفر، وما زال جزءا من فوضاي في البيت ومازال قادرا على سحبي من شؤوني نحوه..
 أما الالكتروني فلا أقرأ إلا الصفحة أو الصفحتين منه ولم يحدث أن قرأت رواية أو ديوانا شعريا أو عملا نقديا بشكل كامل في كتاب إلكتروني.

***
 الكتاب الورقي مازال حاضرا بيننا وأظنه سيصمد رغم منافسة الإصدارات الالكترونية. وأعتقد أننا سنعيش ردة نحو ما هو ورقي بعد هذه التخمة الالكترونية، وبعد أن فقد ما هو الكتروني جاذبيته وإدهاشه، بل أصبحت الكتابات الورقية تحظى بالتقدير والرمزية والاعتبار بخلاف الكتابات الالكترونية التي تنعت بالسطحية أو الفاقدة للمصداقية.

***
 دعم الكتاب في حد ذاته خطوة إيجابية لأنني أتذكر أبناء جيلي والجيل الذي سبقني من كتاب المغرب الذين احترقوا ولم يكن بإمكانهم إصدار مؤلفاتهم بيسر هذه الأيام . غير أن تدبير هذا الدعم وإيصاله لمستحقيه تشوبه الضبابية إذا أحسنا الظن، أما إذا أردنا الحقيقة فالحقل الثقافي ومنه دعم الكتاب فاسد وكأننا في مستنقع، لأن الدعم يصل للضالعين والراسخين فيه، المتنفذين بعلاقاتهم وصلاتهم، والخبيرين بدهاليز الدعم وقنواته العلنية والسرية، وكذا مثقفي المركز الذين أنصفتهم الجغرافيا.. المثقف الحقيقي خجول ومتعفف وإذا لم يتم اقتراحه فلن تجده يبحث عن الدعم ويتباهى بالحصول عليه والحديث عن أي إصلاح نوع من العبث واستهلاك الكلام.

***
أنا مقل ولم أصدر إلا ثلاثة دواوين شعرية طيلة مساري الإبداعي، وأعد الرابع  الذي لم أستقر بعد على عنوان له، ولكن ليس للطبع على الأقل في الوقت القريب .

اعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top