علي يعتة الحاضر دوما رغم الغياب

عند إطلالة شهر غشت من كل سنة، تحملنا الذكرى إلى سنوات خلت من تاريخ بيان اليوم والبيان. نسترجع يومياتنا مع الراحل علي يعتة، ولحظات لاتنسى، والتزامات دقيقة لا يمكن إطلاقا القفز عليها، لعل أبرزها الاجتماع اليومي المقدس لهيئة التحرير. العاشرة صباحا، بالتمام والكمال، تبدأ جولة الزعيم حول مكاتب الصحافيين مناديا “اجتماع أيها الرفاق”. يتحلق الجميع حول طاولة الاجتماع المكسوة بغطاء أخضر، لتبدأ فورا عملية استحضار العدد الماضي والاتفاق على مضامين العدد الموالي.
في صباح يوم 14 غشت من سنة 1997 ، لم يقم سي علي بجولته المعتادة ولا عقد الاجتماع اليومي. كان الحزن والذهول يضغط بكل قوته على المكان.
لا حديث إلا عن يد المنون التي اختطفت، أمس”13 غشت 1997 ” علي يعتة، في حادث مؤلم أودى بحياته، حيث صدمته سيارة كانت تجري بسرعة مجنونة، بشارع لاجيروند بالدار البيضاء، بينما كان الراحل قد ترجل من سيارته مستعدا للالتحاق بمقر الجريدة.
ثلاثة وعشرون سنة مرت اليوم دون أن ينسى جيل كامل من الصحافيين هذا المناضل السياسي الكبير، والرجل الوطني الذي كان دائما يدعو، في اجتماع التحرير اليومي ، إلى التحري قبل تقديم الخبر للقارئ والابتعاد عن الإثارة التي يعتمدها البعض للرفع من المبيعات، وجعل مصلحة الوطن والبلاد فوق كل اعتبار، والاستماتة في الدفاع عن قضايانا الوطنية وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية التي دافع عنها، رحمه الله، بقوة، في جميع المحافل الوطنية والدولية.
كان، رحمه الله، المشرف على إدارة وطباعة جريدتي بيان اليوم والبيان بحي لاجيروند، يتابع كل صغيرة وكبيرة، همه الرئيسي حضورهما، بشكل لافت، وبمكانة مرموقة، في المشهد الإعلامي. وتمكن الراحل من أن يجعل من الجريدتين منبرا حرا ومستقلا للتعبير والانتقاد والتحليل في كافة المجالات، وصوتا للمناضلين والمفكرين والمثقفين والعمال والفقراء. لم يكن المنع والتضييق على الصحيفتين ليثنيه عن نضالاته التي كانت، من جهة، مثالا وقدوة للصحفيين والمستخدمين من أجل المضي قدما في الدفاع عن مبادئ وقناعات حزب التقدم والاشتراكية، ومن جهة أخرى، مبعث فخر واعتزاز للمناضلات والمناضلين الذين كانوا بدورهم ينقلون هموم الشعب عبر كتابات ومراسلات تتحول إلى مقالات صحفية مزلزلة تكشف العيوب والخروقات، وتنصف الطبقات المستغلة”بفتح الغاء” والمسحوقة وعموم الطبقة الكادحة التي كانت لا تجد حرجا في المطالبة بلقاء علي يعتة مباشرة، بمكتبه، داخل الجريدة. فتجدهم، صباح كل يوم، على باب العمارة التي يرفض مصعدها التوقف في الطابق الثاني، حيث مقر الجريدة. يصعدون الدرج فرادى وجماعات، وتضيق بهم جنبات البهو وقاعة الاستقبال ، دون أي يضيق بهم صدر علي يعتة الرحب الذي يرهف السمع لهمومهم رغم كثرة انشغالاته. ولا غرابة في ذلك، فالراحل ارتبط بالكادحين من أبناء وطنه ودافع عن حقهم في التحرر من ربقة الجهل والفقر والتخلف. و هو القائل “إننا نناضل ونعمل من أجل كرامة الشعب المغربي، من أجل حقوقه في العيش الكريم، من أجل دولة مغربية تتسع لكل أبنائها في ظل الحق والقانون.. تلك هي قيمنا التي لا تتغير لا في الزمان ولا في المكان”.
تلاحقت السنوات تباعا بعد رحيله. تغيرت، بالتأكيد معطيات كثيرة، إلا أن الثوابت ما تنفك تنجلي متخلصة من غبار الزمن. فرغم مضي ثلاث وعشرين سنة، مازالت صور علي يعتة محفورة في ذاكرتنا، ومازلنا نستلهم من فكره ونضالاته ومن حلمه بتحقيق المشروع الديمقراطي الحداثي لبلادنا، ومازلنا نواصل مسيرة هذه الشخصية السياسية الكاريزمية التي طبعت التاريخ السياسي للمغرب المعاصر، وناضلت على كل الجبهات دون كلل ولا ملل.
كان علي يعتة بالفعل مناضلا سياسيا قويا وديناميا، ثابتا على المواقف، ذا رؤية وحدوية غايتها “الوطن قبل كل شيء، والوطن قبل الصراع الطبقي”، مبادرا ومساهما في جهود وحدة القوى الديمقراطية والتقدمية، المنفتحة على جميع قوى الوطن الحية، و التي أثمرت تأسيس الكتلة الديمقراطية سنة 1995.
لروح سي علي السلام . فقد كان “كان الرجل رجلا” كما قال الراحل الحسن الثاني. وسيظل سي علي حاضرا في ذاكرة رفيقاته ورفاقه وسيبقى اسمه محفوظا، شاهدا على مرحلة هامة وأساسية من تاريخ المشهد السياسي المغربي..

> مصطفى السالكي

Related posts

Top