عندما تتجاوز الالتراس دورها

في خضم الاختلالات العميقة التي يعرفها التسيير الرياضي بالمغرب، بدأت تظهر على الساحة الوطنية حالات أخرى من التدخل المباشر في تسيير الأندية، وخاصة أندية كرة القدم، بصفتها الرياضة الأكثر إثارة للاهتمام، والجالبة للإمكانيات والمتابعة الجماهيرية.
المتعارف عليه، أن هرم تسيير أي تنظيم رياضي يتحدد في منصب الرئيس والمكتب المسير، وهيئة المنخرطين، وصولا إلى الجمع العام الذي يبقى السلطة التقريرية الأولى، والتي تعود له كل الصلاحيات، بما في ذلك سحب الثقة أو منحها.
إلا أن هناك سلطة أخرى أصبح لها دور تقريري واضح وملموس، يتجاوز في بعض الأحيان صلاحيات المؤسسات والهيئات المتعارف عليها، وهذه السلطة الجديدة تتمثل في مجموعات المحبين أو ما يسمى بـ “الإلتراس”، والتي بدأ حضورها يتعاظم يوما بعد يوم إلى أن أصبحت صاحبة القرار الأول في بعض الاندية. يعود لها أمر الرفض أو القبول، وحتى إملاء القرارات، ولم يعد دورها ينحصر في الاستشارة وتبادل الرأي، بل تعدى الى وضع الشروط الملزمة.
قبل مناقشة هذا التدخل، لابد في البداية من التأكيد على المستجدات الايجابية التي جاءت بها ظاهرة “الإلتراس” من حيث التنظيم والتأطير ، وكل أساليب التشجيع والمساندة، كما جاءت هذه الظاهرة التي اصبحت واقعا، بنماذج جديدة أغنت المشهد الرياضي، وأضفت نوعا من الفرحة والمتعة داخل الملاعب، دون أن ننظر إلى الوجه الآخر للعملة، ويتعلق برفض الخضوع للقانون العام، وسعي بعض الإلتراس للربح المادي السريع، واستغلال رموز الأندية للكسب المالي، مع أن الجانب التجاري فيه اختلاف بين مجموعة وأخرى، وليس قاعدة عامة بالنسبة للجميع.
فالمجموعات الخاصة بالمحبين، وأمام تعاظم حضورها على الساحة وتأثيرها المباشر في حياة الأندية، تجاوزت صلاحيتها المنحصر اختصارا في التشجيع والمساندة والاحتجاج بطرق مشروعة، يعد أن سمحت لنفسها التدخل المباشر في تسيير الأندية تحت ضغط الشارع، واستغلال العالم الأزرق الواسع الانتشار، وتأثيره السريع على المكاتب المسيرة.
إلا أن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق بعض الرؤساء الذين انفردوا بكل السلط، وغيبوا صلاحيات باقي الأجهزة المفروض أن يكون لها دور في مسار النادي.
فعندما يصبح الرئيس الآمر والناهي، في غياب المكتب أو المنخرطين، وعندما يصبح الجمع العام مجرد آلية للتصفيق أو المصادقة، على كل ما يقوم به الرئيس، هنا يفتح المجال لأطراف أخرى بالتدخل والتأثير واتخاذ القرارات.
كما أن غياب الشفافية وعدم الوضوح وطغيان الشائعات، جعل بعض الرؤساء في موقف ضعيف، وبالتالي، فإن عملية التدخل تصبح سهلة للغاية، دون أن ننسى أن هناك رؤساء جاؤوا للمنصب عن طريق تواطؤ ومساندة بعض مجموعات المحبين، وهذه حقيقة لا يمكن انكارها بالمرة. فتأثير المجموعات بدأ يتجاوز دور الأجهزة التقريرية داخل الأندية المشرعة قانونا، والمحددة في الرئيس والمكتب المنخرطين، بل حتى صلاحيات الجمع العام الذي يبقى أعلى سلطة تقريرية، في هرمية أي تنظيم ليس رياضيا فقط، بل في كل مجالات الحياة العامة.
فالطريقة التي أصبحت تدار بها الجموع العامة أفرغها من مشروعيتها، وحولها إلى مجرد تجمع لتكريس الفساد المفضوح، وبالتالي سهل نوعا مسألة تجاوزها وتغييبها. ولا أحد ينكر أن هناك عمليات طبخ مفضوحة ومتتالية وممنهجة، تتعرض لها الجموع العامة، مما أفرغها من “قداستها” ولم تعد آلية للتصحيح وترتيب الأمور، وفق منهج يخدم النادي أكثر مما يخدم الأشخاص، كما هو ثابت حاليا.
ومعالجة هذا الإشكال يتطلب أولا تحديد المسؤوليات، وأين يبدأ دور المحب أو أين ينتهي؟ وكيف تم تغييب دور المكاتب و المنخرطين والجموع العامة التي أصبحت شكلية ليس إلا…؟ ومن سمح لبعض الرؤساء بالانفراد بكل السلط؟ ولماذا تغييب المراقبة وتنعدم الشفافية والوضوح، ويحضر التسيب ويطغى الفساد والتجاوزات؟
عندما تتم الإجابة على كل التساؤلات الملحة، سنعرف لماذا أصبح لمجموعات “الالتراس” دور في تسيير الأندية، يتجاوز أحيانا صلاحيات الأجهزة التقريرية؟

>محمد الروحلي

Related posts

Top