عن المثقفين… مرة أخرى !

توفي مؤخرا المفكر المغربي الأستاذ محمد وقيدي، وقبله بأيام قليلة رحل الكاتب الصحفي محمد أديب السلاوي، وخلدت تدوينات مواقع التواصل الاجتماعي وشهادات العديدين الكثير من سيرتهم ومنجزهم المعرفي، وتساءل المتابعون والمهتمون عن حجم الرزي بفقدان مثقفين من هذا العيار، وآخرين مثلهم رحلوا بدورهم في الشهور والأعوام الأخيرة، كما برزت استفهامات عن واقع جامعتنا المغربية وبيئتنا الثقافية والمجتمعية وقدرتها عن إنجاب أدباء ومفكرين وفنانين من حجم الذين رحلوا.
إن هذه الاستفهامات ليست تبخيسا لراهننا، أو إجحافا في حق المثقفين المغاربة الحاليين، ولكنها أسئلة الواقع المنبعثة من صراحة فاضحة.
إننا نحيا زمن التدني، ونخشى على مستقبل بلادنا إذا افتقرت إلى أدباء ومفكرين وفنانين وباحثين.
من جهة ثانية، لا نكاد اليوم نسمع حوالينا أصوات المثقفين أو مرافعاتهم، وعند إثارة مثل هذا الأمر نسمع من يرد بغياب الدعم أو عدم وجود من ينصت إليهم.
ويصعب، بالفعل، الاقتناع بمثل هذا الرد أو التسليم به في المطلق، ذلك أن المفكرين والأدباء وكل المبدعين كانوا دائما يعبرون عن مواقفهم أو يكتبون آراءهم أو يحضرون في محافل ومنتديات مختلفة أو يؤلفون كتبهم، من دون حتى سند، ولو بسيط، من أي جهة، ولم يكونوا كثيري الشكوى.
وعديدون عبروا وكتبوا وألفوا من داخل السجون التي كانوا معتقلين بها في سنوات الرصاص.
لكن الكثيرين اليوم تاهوا في سراديب الدنيا، وضعف حتى أداؤهم المهني في الجامعات، وغابت أدوارهم في مراكز البحث ومن على أعمدة الصحف والملاحق الثقافية والمجلات، وحتى داخل الجمعيات والمنظمات الثقافية والنقابات والأحزاب…
ودائما يحرصون على تحميل مسؤولية الغياب إلى الآخرين، أو إلى الأحزاب أو إلى قساوة الظروف الاجتماعية والحياتية.
لقد تماهى بعض مثقفينا، مع الأسف، مع اللامبالاة، ومع أنانية الذين لا يبالون بكل ما يجري في المجتمع، وبعضهم اعتاد التبرير بحياد متوهم يجعله مسترخيا في بيته، ومتخفيا، ولا يطل على المجتمع سوى من ثقوب نوافذ بيته.
والنتيجة في الأخير أن مثقفينا اختاروا الانسحاب من كل مجالات التفاعل مع المجتمع وأسئلة الواقع، ومنهم من فضل الانشغال بكتابة التجريد المعلق في السماء، أو الارتماء، كتابة وخطابة، في الزمن الماضي، والحديث عنه وعن دور يعتقد أنه قام به حينها، وفِي نهاية الأمر يبقى ذلك كله هروبا من الحاضر أو من الكتابة عنه أو الفعل فيه.
في كل المجتمعات والعصور، تنتج عن الأزمات والأحداث الكبرى والحراكات والثورات والاحتجاجات مواقف للمثقفين والفنانين، وأيضا أعمال إبداعية من لدنهم تؤثر وتتأثر بما يشهده المجتمع.
في بلادنا بقيت تحولات مجتمعية كبرى كثيرة في السنوات الأخيرة بلا صوت المثقفين والمفكرين والأدباء والفنانين، وحتى لما تربص الجهل والظلام بمجتمعنا وبالأفق، أصيب مثقفو التنوير بالخرس، وبعضهم إتكأ على عكاز… الحياد.
لسنا هنا في مقام جلد مثقفينا ومفكرينا، ولكن يتعلق الأمر، عكس ذلك،  بالانتصار لهم والدفاع عنهم، وتجديد التأكيد على حاجة المغرب والمغاربة إلى صوت المثقفين والأدباء والمفكرين، وذلك لتتضح الرؤية ويتعزز الأمل، وحتى تمشي البلاد نحو المستقبل.
الأدباء والفنانون والمثقفون والمفكرون يصنعون وعينا العام، ويجسدون ضميرنا كلنا، ويحملون تطلعاتنا وآمالنا، ولذلك نحن، وبلادنا، في حاجة إليهم، ولديهم مسؤولية لكي يخرجوا من صمتهم وعزلتهم، وأن ينزلوا من الأعلى، حيث اختاروا التخفي، ليحضروا في واقعنا ومعيشنا اليومي، وليفعلوا في راهننا.
الجهل يلف المكان اليوم، ويتربص بنا الجهلاء، ولهذا ننادي مثقفينا كي يقوموا من صمتهم ونومهم وعزلتهم و… لامبالاتهم.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top