عن النقد، كمهمة لـ “العقيدة”؟؟ (لحظات فارقة)

هناك لحظات فارقة، لكنها لائقة، ناهيك عن مقاربات تدعي قيمتها من المتح في ما يمكن أن نعتبره نقدا ذا قيمة، كلحظة حيوية لتطوير النقاش في “العقيدة”. ومن بينها لحظتان.

اللحظة الأولى: بين الذات والموضوع

هي ثنائية موضوع /ذات، غير أنها لم تكن تحظى بالوعي المُفترض، لذلك فالتحليل الخاص بها، كان يفضي وبصورة شبه دائمة، إلى أن هذه الذات أو بالأصح دور هذه الذات كان منفعلا إزاء ما يجري على الصعيد الموضوعي. ولم يكن ذلك فقط على مستوى المعالجات النظرية، بل وفي التاريخ أيضا، ولهذا ولأهداف المدرسة الغائية، أضحى الفهم لدور الوعي في التاريخ محدودا (على عكس تصور بليخانوف في كتابه “دور الفرد في التاريخ”)، فيما منطق الواقع الراهن (على الأقل وطنيا) يقود إلى “إعادة النظر في تقديرنا لدور الوعي في التاريخ” الذي يبدو أكبر مما نتصور. (دور حكومة التناوب العام 1998 بالمغرب يمكن أن تكون مِخبرا لهكذا تصور؟؟).

اللحظة الثانية: النجاعة والجذرية الكاذبة؟

يحيلني في هذه اللحظة، ما جرى في كلية الآداب بفاس مؤخرا، إلى الانتباه أن الثوروية ليست قرينة ذلك الموقف الذي يكتفي بمحاكاة السلطة السياسية دون الانطلاق من محاكمة الثقافة المنتجة لتلك السلطة السياسية، وهو الموقف الذي من شأنه أن يحيلنا بطريق الاستنتاج الى تصدير “ثورة ماكروفيزيائية”. إذ هي في ذلك، تأخذ صرامة الموقف، معناه وجذرية المواجهة، حين نكتشف السلطة الفعلية، لا تسكن القصور الرئاسية، ولا مقرات الحكومات ولا وزارات السيادة، بل هي تتقوقع في خيالات الناس، وتتموضع في خيالاتهم، أوهامهم، في لغاتهم وكلامهم، في سلوكهم وأفعالهم، في قيمهم ومعتقداتهم: إنها محايثة لمجمل النسيج الاجتماعي، ومنبثة في كل أركانه، وليست متعالية عليه أو متمركزة في بؤرة يمكن الإشارة إليها، وعليه، فكل من رامت نفسه مواجهة السلطة مواجهة فعلية، فليستعد لمواجهتها على أديم حلبتها المتخلخلة، يعني بالكلام الأخير؛ عليه أن يرسم طوبوغؤافيا جديدة لا تعترف بأي مكان للسلطة، وتتعقبها في كل مظاهرها وتنزع عنها كل براقعها التي تتسربل بها، وورائها تتوارى.

اللحظة الثالثة: جوهر السلطة وثنائية جلاد/ضحية؟

في مجمل القول، وعلى ضوء ما بيّناه سابقا، فإن السلطة ليست فقط جوهرا، ولكنها فعالية، ولذلك كانت تبدو في أكثر من لبوس ولبوس، وكلها هي وكلها ليست هي (أنظر تنظيرات البؤس لدى ما سمي بـ “اليسار الجديد “).

على قاعدة من هذه المعطيات وغيرها، ستبدو لنا هشاشة (حتى لا نقول سذاجة) التقسيم الهلامي: ضحية/جلاد. وحين نراعي صرامة التقييم ونعفيها من مناورات السياسة واعتباراتها، سنكتشف لا محالة أن الجلاد ليس سوى عودة الضحية، وأنه لا يعدو أن يكون مفعولا به وليس البتة سببا (ما جرى بظهر المهراز يجب أن يفهم من هذا المنطلق؟).

وفعلا ما إن نتحول ببصرنا عن التحديق في المستبد وأعوانه، حتى تتمظهر ضرورة التدقيق في جحافل الناس وفي تناظرها في الطباع وفي أساليب الحياة وأنماط الكينونة، حتى نهلع بعدها، لاستفحال الروح الانقيادية في مظاهر وجود الواحد منهم. ءانذاك ينبغي اليوم قبل الغد  أن ندرك أنه لتحقيق حلم ماركس (الفيلسوف وليس الإيديولوجي) بمجتمع عادل عدالة فعلية لا مشهدية أو لفظية، وحلمه بأفراد سواء في حظهم من الرشد ووقاره. ومن الحياة وصبوتها. نقول، لتحقيق هذا الحلم لابد من اعتماد مخطط “نيتشه” الذي لا يقوم على تأثيم المستغل أو الدائن كما يسميه هو، بقدر ما ينبغي تثوير”المدين”.

ربما، وهذا اعتقادنا، ستُنسف هذه المفارقة، لما تتعطل خيبة الأمل ومعاناة تجربة الإحباط، وتكنس الأوهام إلى النفاية. هذا وقع، لكن أغلبهم يعاند بمستوى يستحق الإشفاق.

بقلم: عبد الله راكز

Related posts

Top