عيد الموسيقى والأسرة المغربية

 كيف هي علاقة الأسرة المغربية بالتربية الموسيقية؟ يتبادر هذا السؤال إلى الذهن ونحن نحتفل في بحر هذا الأسبوع بعيد الموسيقى.

 من المفروض أن تحتل الموسيقى مكانة رمزية قوية داخل المجتمع وداخل الأسرة. غير أن بيئة النشأة غالبا ما تكون هي المحدد الرئيسي للعلاقة بهذا الفن الذي قيل عنه إنه أتى لكي يكمل ما في الطبيعة من نقصان.

 حين تكون النشأة داخل أسرة لها ميول فطري إلى الموسيقى وتملك آلات موسيقية وتستعمل هذه الآلات بشكل اعتيادي، بمعنى أن ممارسة الموسيقى تدخل ضمن حيز طقوسها اليومية، فبدون شك سينشأ هناك أبناء لهم تعلق بالموسيقى، وقد يصيرون عازفين على بعض الآلات أو على إحداها على الأقل وقد يفرضون وجودهم في الساحة الفنية، وكم من الفنانين الكبار الذين لولا نشأتهم داخل أسر متعلقة بالموسيقى لما صاروا ما هم عليه.

 يمكن القول إنها حالات معزولة، لنأخذ على سبيل المثال مدينة تطوان حيث تسود داخل العديد من الأسر تقاليد عريقة في أداء الطرب الأندلسي، لا يمكن أن يخلو بيت هناك من عازفين مهرة على آلات موسيقية مختلفة: الأب والأم والطفل والطفلة والشاب والشابة والجد والجدة وو.. أغلبهم يعزفون ويحفظون القصائد الغنائية.

 لكن كما سبق أن قلت هذه حالات معزولة، ذلك أن معظم الأسر المغربية قد لا نجد لديها اهتماما بالتربية الموسيقية، وإن كانت تحتفظ ببعض الآلات الموسيقية كذكرى، أغلب هذه الآلات الموسيقية لا تخرج عن نطاق: البندير والطعريجة.

 طبعا، لا أنتقص من هذا النوع من الآلات، وعيا مني بأنه ليس هناك آلة موسيقية أهم من الأخرى. كل آلة تؤدي وظيفتها، فعندما وظفت المجموعة الغنائية جيل جيلالة على سبيل المثال، الطعريجة بشكل قوي في بعض أغانيها، كان الأداء مميزا.

 غير أنه من الملاحظ أن تعامل الأسر المغربية مع التربية الموسيقية يظل مقتصرا على مناسبات معينة ومحدودة: عاشوراء على سبيل المثال، حيث يكون هناك رواج كبير للآلات المذكورة آنفا، وبالأخص الطعريجة.

 هناك غياب للتربية الموسيقية داخل معظم الأسر المغربية مثلما أن هناك غياب للمكتبة وغير ذلك من أدوات التثقيف والتهذيب والترقي الحضاري، شيء طبيعي جدا أن نصادف كل هذه الكمية من العنف والجهل التي تنفجر يوميا داخل مجتمعنا ككل.

 حتى على مستوى الاستماع، لا يوجد هناك تقليد البحث عن الألبومات الغنائية الجديدة واقتنائها، حيث يتم الاكتفاء في الغالب بما تبثه الإذاعات والقنوات التلفزية.

 وعلى ذكر الألبومات الغنائية، فمن الملاحظ أن التسويق التقليدي لهذا النوع من المنتوجات في طور الاختفاء إن لم يكن قد اختفى وانتهى فعلا.

فبعد أن مررنا من الأسطوانات ذات 33 لفة و45 لفة ووو.. وبعد أن مررنا كذلك من أشرطة الكاسيط والأقراص المدمجة وأقراص الفيديو الرقمية..

 ها نحن اليوم نعيش عصر الإم بي 3 والإم بي 4 وو.. والرواج عبر الوسائط الإلكترونية، ولا ندري ماذا يخبئ لنا المستقبل.

 لا أعتقد أن عدم اهتمام الأسرة المغربية بالتربية الموسيقية، يرجع إلى كونها محافظة، ولكن يمكن ربط ذلك بمقدار السعادة لدينا الذي يوجد في درجة متدنية، حسب التقرير الذي أصدرته أخيرا الجمعية العامة للأمم المتحدة للمساعدة في توجيه السياسات العامة للبلدان.

 لكن هل من المفروض أن يكون الإنسان سعيدا لكي يتعاطى إلى الموسيقى؟ هل التعاسة هي السبب في عدم اهتمامنا بالتربية الموسيقية؟ لا أعتقد ذلك. إن هناك شيئا أقوى من التعاسة.

 بالرغم من كل شيء. هناك عيد للموسيقى نحتفل به. وهناك مهرجانات موسيقية ما فتئت تملأ فراغ مدننا وقرانا وشوارعنا ومسارحنا ووو…

آه، كم نحن محظوظون.

عبد العالي بركات

Related posts

Top